الْجَهْلِ بِاللَّهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ يَعْرِفُونَ اللَّهَ بِالضَّرُورَةِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَمَى عَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ أَيْ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى عَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمْ عَمَى الْقَلْبِ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ لَهُمْ لِشِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى تَحْصِيلِ الدُّنْيَا وَابْتِهَاجِهِمْ بِلَذَّاتِهَا وَطَيِّبَاتِهَا فَهَذِهِ الرَّغْبَةُ تَزْدَادُ فِي الْآخِرَةِ وَتَعْظُمُ هُنَاكَ حَسْرَتُهَا عَلَى فَوَاتِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَنْوَارِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَبْقَوْنَ فِي ظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ وَحَسْرَةٍ عَظِيمَةٍ فَذَاكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَمَى. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ يُحْمَلَ الْعَمَى الثَّانِي عَلَى عَمَى الْعَيْنِ وَالْبَصَرِ فَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى الْقَلْبِ حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى العين والبصر كما قال: نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى
[طه: ١٢٤- ١٢٦] وَقَالَ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا [الْإِسْرَاءِ: ٩٧] وَهَذَا الْعَمَى زِيَادَةٌ فِي عُقُوبَتِهِمْ والله أعلم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٣ الى ٧٥]
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَدَّدَ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَقْسَامَ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَتْبَعَهَا بِذِكْرِ دَرَجَاتِ الْخَلْقِ فِي الْآخِرَةِ وَشَرَحَ أَحْوَالَ السُّعَدَاءِ أَرْدَفَهُ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى تَحْذِيرِ السُّعَدَاءِ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِوَسَاوِسِ أَرْبَابِ الضَّلَالِ وَالِانْخِدَاعِ بِكَلَامِهِمُ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَكْرِ وَالتَّلْبِيسِ فَقَالَ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ شَطَطًا، وَقَالُوا مَتِّعْنَا بِاللَّاتِ سَنَةً وَحَرِّمْ وَادِينَا كَمَا حَرَّمْتَ مَكَّةَ شَجَرَهَا وَطَيْرَهَا وَوَحْشَهَا فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُجِبْهُمْ فَكَرَّرُوا ذَلِكَ الِالْتِمَاسَ، وَقَالُوا إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ فَضْلَنَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَرِهْتَ مَا نَقُولُ وَخَشِيتَ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ أَعْطَيْتَهُمْ مَا لَمْ تُعْطِنَا، فَقُلِ: اللَّهُ أَمَرَنِي بِذَلِكَ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ وَدَاخَلَهُمُ الطَّمَعُ، فَصَاحَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ وَقَالَ: أَمَا تَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ كَرَاهِيَةً لَمَّا تَذْكُرُونَهُ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ،
وَرَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّهُمْ جَاءُوا بِكَاتِبِهِمْ فَكَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى ثَقِيفٍ لَا يُعَشَّرُونَ وَلَا يُحْشَرُونَ، فَقَالُوا وَلَا يُجْبَوْنَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالُوا لِلْكَاتِبِ: اكْتُبْ وَلَا يُجْبَوْنَ وَالْكَاتِبُ يَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَلَّ سَيْفَهُ، وقال:
أسعرتهم قَلْبَ نَبِيِّنَا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَسْعَرَ اللَّهُ قُلُوبَكُمْ نَارًا. فَقَالُوا لَسْنَا نُكَلِّمُكَ إِنَّمَا نُكَلِّمُ مُحَمَّدًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ بِالْمَدِينَةِ فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مَدَنِيَّةٌ.
وَرُوِيَ أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا لَهُ: اجْعَلْ آيَةَ رَحْمَةٍ آيَةَ عَذَابٍ وَآيَةَ عَذَابٍ آيَةَ رَحْمَةٍ، حَتَّى نُؤْمِنَ بِكَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْكُفَّارُ أَخَذُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَقَالُوا: كُفَّ يَا مُحَمَّدُ عَنْ ذَمِّ آلِهَتِنَا وَشَتْمِهَا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا كَانَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِهَذَا الْأَمْرِ أَحَقَّ مِنْكَ فَوَقَعَ فِي قَلْبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِهِمْ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ،
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ فَتَمْنَعُهُ قُرَيْشٌ وَيَقُولُونَ لَا نَدَعُكَ حَتَّى تَسْتَلِمَ
آلِهَتَنَا «١» فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ كَرَاهِيَةٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الزَّجَّاجُ مَعْنَى الْكَلَامِ كَادُوا يَفْتِنُونَكَ وَدَخَلَتْ إِنَّ وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَإِنَّ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِيَةِ، وَالْمَعْنَى إِنَّ الشَّأْنَ [أَنَّهُمْ] قَارَبُوا أَنْ يَفْتِنُوكَ أَيْ يَخْدَعُوكَ فَاتِنِينَ [وَ] أَصْلُ الْفِتْنَةِ الِاخْتِبَارُ يُقَالُ فَتَنَ الصَّائِغُ الذَّهَبَ إِذَا أَدْخَلَهُ النَّارَ وَأَذَابَهُ/ لتميز جِيدِهِ مِنْ رَدِيئِهِ ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهُ فِي كُلِّ مَنْ أَزَالَ الشَّيْءَ عَنْ حَدِّهِ وَجِهَتِهِ فَقَالُوا فَتَنَهُ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَيْ يُزِيُلُونَكَ وَيَصْرِفُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَالْمَعْنَى عَنْ حُكْمِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي إِعْطَائِهِمْ مَا سَأَلُوهُ مُخَالَفَةً لِحُكْمِ الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ: لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ مَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: قُلِ اللَّهُ أَمَرَنِي بِذَلِكَ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أَيْ لَوْ فَعَلْتَ مَا أَرَادُوا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَأَظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّكَ مُوَافِقٌ لَهُمْ عَلَى كَوْنِهِمْ وَرَاضٍ بِشِرْكِهِمْ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ أَيْ عَلَى الْحَقِّ بِعِصْمَتِنَا إِيَّاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ أَيْ تَمِيلُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا وَقَوْلُهُ: شَيْئاً عِبَارَةٌ عَنِ الْمَصْدَرِ أَيْ رُكُونًا قَلِيلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرِيدُ حَيْثُ سَكَتَ عَنْ جَوَابِهِمْ.
قَالَ قَتَادَةُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ»
ثُمَّ تَوَعَّدَهُ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ التَّوَعُّدِ فَقَالَ: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أَيْ ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ يُرِيدُ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْآخِرَةِ وَالضِّعْفُ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يَضُمَّ إِلَى الشَّيْءِ مِثْلَهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ أَعْطِ فُلَانًا شَيْئًا فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا فَقَالَ أَضْعِفْهُ كَانَ الْمَعْنَى ضُمَّ إِلَى ذَلِكَ الدرهم مثله إذا عرفت هذا فنقول: إنا حَسُنَ إِضْمَارُ الْعَذَابِ فِي قَوْلِهِ: ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وَصْفِ الْعَذَابِ بِالضِّعْفِ فِي قَوْلِهِ: رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ [ص: ٦١] وَقَالَ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ [الْأَعْرَافِ: ٣٨] وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّكَ لَوْ مَكَّنْتَ خواطر الشيطان من قبلك وَعَقَدْتَ عَلَى الرُّكُونِ إِلَيْهِ هِمَّتَكَ لَاسْتَحْقَقْتَ بِذَلِكَ تَضْعِيفَ الْعَذَابِ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَصَارَ عَذَابُكَ مِثْلَيْ عَذَابِ الْمُشْرِكِ فِي الدُّنْيَا وَمِثْلَيْ عَذَابِهِ فِي الْآخِرَةِ وَالسَّبَبُ فِي تَضْعِيفِ هَذَا الْعَذَابِ أَنَّ أَقْسَامَ نِعَمِ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَكْثَرُ فَكَانَتْ ذُنُوبُهُمْ أَعْظَمَ فَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ وَنَظِيرُهُ قوله تعالى: يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [الْأَحْزَابِ: ٣٠] فَإِنْ قِيلَ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
فَمُوجَبُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ رَضِيَ بِمَا قَالُوهُ لَكَانَ وِزْرُهُ مِثْلَ وِزْرِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ عِقَابُهُ زَائِدًا عَلَى الضِّعْفِ قُلْنَا إِثْبَاتُ الضِّعْفِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ إِلَّا بِالْبِنَاءِ عَلَى دَلِيلِ الْخِطَابِ وَهُوَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يَعْنِي إِذَا أَذَقْنَاكَ الْعَذَابَ الْمُضَاعَفَ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يُخَلِّصُكَ مِنْ عَذَابِنَا وَعِقَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ الطَّاعِنُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى صُدُورِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ عَنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرُبَ مِنْ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ، وَالْفِرْيَةُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ثَبَّتَهُ وَعَصَمَهُ لَقَرُبَ مِنْ أَنْ يَرْكَنَ إِلَى دِينِهِمْ وَيَمِيلَ إِلَى مَذْهَبِهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْلَا سَبْقُ جُرْمٍ وَجِنَايَةٍ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إِلَى ذكر هذا الوعيد الشديد