
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَهُمْ عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ "يَبْتَغُونَ" أَيْ يَطْلُبُونَ إِلَى رَبِّهِمُ "الْوَسِيلَةَ" أَيِ الْقُرْبَةَ. وَقِيلَ: الْوَسِيلَةُ الدَّرَجَةُ الْعُلْيَا أَيْ: يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا.
وَقِيلَ: الْوَسِيلَةُ كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ مَعْنَاهُ: يَنْظُرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهِ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ يَبْتَغِي الْوَسِيلَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾ جَنَّتَهُ ﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَذَرُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَلَمْ يَعْلَمِ الْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ فَتَمْسَّكُوا بِعِبَادَتِهِمْ فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ (١).
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ " أُولَئِكَ الَّذِينَ تَدْعُونَ " بِالتَّاءِ.
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٥٨) ﴾
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ وَمَا مِنْ قَرْيَةٍ ﴿إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ أي: مخربوها ومهلكوها أَهْلَهَا ﴿أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا﴾ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ إِذَا كَفَرُوا وَعَصَوْا وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: مُهْلِكُوهَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِمَاتَةِ وَمُعَذِّبُوهَا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ أَذِنَ اللَّهُ فِي هَلَاكِهَا (٢).
﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ﴾ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ﴿مَسْطُورًا﴾ مَكْتُوبًا.
قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ اكْتُبْ فَقَالَ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ الْقَدَرُ وَمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ" (٣).
(٢) أخرجه الطبري: ١٥ / ١٠٧.
(٣) أخرجه أبو داود في السنة باب في القدر: ٧ / ٦٩ والترمذي في القدر باب ما جاء في الرضا بالقضاء: ٦ / ٣٦٨-٣٦٩ وقال: "هذا حديث غريب" وفي تفسير سورة "ن": ٩ / ٢٣٣ وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وأخرجه الإمام أحمد في "المسند": ٥ / ٣١٧ والطيالسي في مسنده ص (٧٩) وفيه عند الطيالسي: عبد الواحد بن سليم وهو ضعيف وله طرق يتقوى بها، وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة: ١ / ٣٤.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ [رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (١) أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ فَيَزْرَعُوا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أَسَتَأْنِيَ بِهِمْ فَعَلْتُ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُوتِيهِمْ ما سألوا ٢١٠/ب فَعَلْتُ فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَهْلَكْتُهُمْ كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ [مِنَ الْأُمَمِ] (٢) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا بَلْ تَسْتَأْنِي بِهِمْ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (٣)
(٢) ساقط من "ب".
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند: ١ / ٢٥٨ والحاكم في المستدرك: ٢ / ٣٦٢ والطبري: ١٥ / ١٠٨ والواحدي في أسباب النزول ص (٣٣٣-٣٣٤) والنسائي في تفسيره: ١ / ٦٥٦ وزاد السيوطي نسبته للبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل" والضياء في "المختارة" وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند برقم (٢٣٣٣). انظر: الدر المنثور: ٥ / ٣٠٦-٣٠٧ مجمع الزوائد: ٧ / ٥٠، ابن كثير: ٣ / ٤٨.