آيات من القرآن الكريم

وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

لو كانوا ما شاؤوا فسيعادون إلى الحياة مرة أخرى لأن القدرة التي أنشأهم بها يعيدهم بها.
٣- لا يسع البشر حين دعوتهم بالخروج من قبورهم إلا الامتثال والطاعة والانقياد، وذلك يحصل بلحظة سريعة جدا، كما قال تعالى: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النحل ١٦/ ٧٧].
ويستجيب الناس بأمر الله وقدرته ودعائه إياهم، وبحمده، أي باستحقاقه الحمد على الإحياء. ورجح المالكية أن المراد بقوله تعالى: بِحَمْدِهِ: بدعائه إياهم.
٤- يقدّر الناس بعد البعث أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا زمنا قليلا لطول لبثهم في الآخرة.
مجادلة المخالفين باللين وبالتي هي أحسن
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٣ الى ٥٥]
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
الإعراب:
يَقُولُوا: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يَقُولُوا: جواب «قولوا» المقدرة، أي قل لعبادي:
قولوا التي هي أحسن، يقولوها.

صفحة رقم 97

البلاغة:
يَرْحَمْكُمْ ويُعَذِّبْكُمْ بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
وَقُلْ: لِعِبادِي المؤمنين. يَقُولُوا للكفار الكلمة الحسنى وباللين، ولا يخاشنوا المشركين. يَنْزَغُ يفسد بينهم بالوسوسة، ويهيج الشّر. عَدُوًّا مُبِيناً بيّن العداوة.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ، إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ بالتوبة والإيمان. أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ أي وإن يشأ يعذّبكم تعذيبا بالموت على الكفر، وهذه الآية: تفسير للتي هي أحسن، وما بينهما اعتراض، أي قولوا لهم هذه الكلمة، ولا يصرحوا بأنهم من أهل النار، فإنه يهيجهم على الشّر، مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله. وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا موكولا أو مفوضا إليك أمرهم، تقسرهم على الإيمان، وإنما أرسلناك مبشّرا ونذيرا، فدارهم، وأمر أصحابك بالاحتمال منهم.
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيخصّهم بما شاء على قدر أحوالهم، ويختار منهم لنبوّته وولايته من يشاء. وهو ردّ لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيّا، وأن يكون العراة الجياع أصحابه.
وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بتخصيص كلّ منهم بفضيلة، كموسى بالكلام، وإبراهيم بالخلّة، ومحمد بالإسراء وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً الزّبور: الكتاب الذي أنزل على داود عليه السّلام.
سبب النزول: نزول الآية (٥٣) :
وَقُلْ لِعِبادِي..: روي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنزلت. وقيل: شتم عمر رجل منهم، فهمّ به، فأمره الله بالعفو.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى الحجة اليقينية في إبطال الشرك وهو قوله تعالى:
لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [٤٢]، وذكر

صفحة رقم 98

الحجة اليقينية في صحة البعث والمعاد بقوله تعالى: قُلِ: الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أمر تعالى بمجادلة المخالفين باللين وبالطريق الأحسن وألا يخاشن المشركون، وألا يكون ذكر الحجة مخلوطا بالشّتم والسّب حتى لا يقابلوكم بمثله، وتحدث النّفرة، فيقال لهم: ربّكم العليم بكم، إن شاء عذّبكم، وإن شاء رحمكم، ولا يصرّح لهم بأنهم من أهل النّار، فلا يحاولون الإيمان أو الإسلام.
ثم بيّن تعالى مهمة رسوله وهي التّبشير والإنذار، وأنه ليس مفوضا في حمل الناس على الإسلام أو إجبارهم عليه، وأنه تعالى العليم بكلّ شيء وبمن في السّموات والأرض، فيختار للنّبوة من يراه أهلا لها.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى رسوله بأن يبلّغ عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطبات الناس من المشركين وغيرهم ومحاوراتهم معهم الكلام الأحسن للإقناع، والكلمة الطيّبة، وهو ألا يكون بيان الحجة مخلوطا بالشّتم والسّب والأذى، كما قال تعالى في آية أخرى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل ١٦/ ١٢٥]، وقوله تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت ٢٩/ ٤٦].
وعلّة ذلك كما قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أي إن لم يقولوا الكلام الأحسن والكلمة الطيبة، فإن الشيطان يفسد الأمور بين المؤمنين والمشركين، ويثير الفتنة والشّر، ويوقع المخاصمة والمقاتلة ويغري بعضهم لأنه عدو لآدم وذريّته عداوة ظاهرة بيّنة، ولهذا نهى الشرع أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزغ في يده، فربّما أصابه بها،
روى أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا يشيرنّ

صفحة رقم 99

أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان أن ينزغ في يده، فيقع في حفرة من النار».
وسبب نزغ الشيطان للإنسان ما قاله تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً أي إن الشيطان عدوّ ظاهر العداوة للإنسان، وقد أعلن عداوته منذ القدم كما حكى القرآن: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ [الأعراف ٧/ ١٧].
ثم فسّر الله تعالى الطريق الأحسن الألين الذي لا مخاشنة فيه بقوله:
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ.. أي ربّكم أيها الناس أعلم بمن يستحق منكم الهداية والتوفيق للإيمان ومن لا يستحق، فإن شاء رحمكم فأنقذكم من الضلالة ووفقكم للطاعة والإنابة إليه، وإن شاء عذّبكم فلا يهديكم للإيمان، فتموتوا على شرككم، فهذه هي الكلمة ونحوها التي تقال لهم، ولا يقال لهم: إنكم من أهل النار، وإنكم معذبون، وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشّر. وقوله تعالى: أَعْلَمُ بمعنى عليم، نحو قولهم: «الله أكبر» بمعنى كبير، فلا مجال للمقارنة أو الموازنة بينه وبين غيره.
وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا أي وما أرسلناك يا محمد عليهم حفيظا ورقيبا ووكيلا موكولا إليك أمرهم، تحاسبهم على أعمالهم، وتقرّهم على الإسلام وتجبرهم عليه، إنما أرسلناك نذيرا وبشيرا فقط، فمن أطاعك دخل الجنة، ومن عصاك دخل النار، فتلطّف في دعوتهم ولا تغلظ عليهم، ودارهم، ومر أصحابك بالمداراة والاحتمال.
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي وربّك أعرف بكل من هو في السموات والأرض، وأعلم بأحوالهم ومقاديرهم كلّها علم إحاطة وانكشاف: أَلا

صفحة رقم 100

يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
[الملك ٦٧/ ١٤] فهو أدرى وأعرف بما يستأهل كل واحد منهم.
وفي هذا ردّ على المشركين في جعل النّبوة والرّسالة بمن اصطفاهم وتفنيد لقولهم حين قالوا: نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزّخرف ٤٣/ ٣١] وحين تضايقوا من تقريب الفقراء كصهيب وبلال وخبّاب وإبعاد السّادة وزعماء قريش.
وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ أي ولقد فضّلنا بعض الأنبياء والرّسل على بعض بالمزايا والكتب والخصائص، كاتّخاذ إبراهيم عليه السّلام خليلا، وموسى عليه السّلام كليما، ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم خاتم النّبيين، ونظير الآية:
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ [البقرة ٢/ ٢٥٣] وفي الآية إشارة إلى تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على جميع الأنبياء والمرسلين بالقرآن الكريم والإسراء والمعراج، ثم بعده إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم السّلام على المشهور.
ولا خلاف أنّ الرّسل أفضل من بقية الأنبياء، وأنّ أولي العزم منهم أفضلهم، وهم الخمسة المذكورون في آيتين من القرآن هما: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ، وَمِنْكَ، وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ، وَمُوسى، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب ٣٣/ ٧]. شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى ٤٢/ ١٣].
وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً أي فضلناه بإنزال الزّبور عليه، لا بالملك والسلطان، ومما ورد في الزّبور أنّ محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم خاتم النّبيين، وأن أمته خير

صفحة رقم 101

الأمم، قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء ٢١/ ١٠٥] وفيه تنبيه على فضله وشرفه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى الأحكام التالية:
١- أمر الله تعالى في الآية الأولى جميع المؤمنين فيما بينهم بخاصة بحسن الأدب، وإلانة القول، وخفض الجناح، واطراح نزعات الشيطان، وفيما بينهم وبين الكفار أثناء المحاورة والنقاش بالكلمة الطيبة، والكلام الأحسن للإقناع لأن الشيطان يفسد بين الناس، ويلقي العداوة والبغضاء بينهم لأنه شديد العداوة للإنسان.
وتفويتا للفرصة عليه، وادّخارا للجهد في سبيل إبلاغ الدّعوة، ونشر الإسلام، وتوصّلا إلى الغاية المرجوة، يلزم أن يكون النقاش منطقيا عقليا هادئا، بعيدا عن السّبّ والشّتم والأذى.
٢- الآية الثانية رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ.. خطاب للمشركين مضمونه: إن يشأ الله يوفقكم للإسلام فيرحمكم، أو يميتكم على الشّرك فيعذّبكم. وهذا قول ابن جريج.
وقال الكلبي: الخطاب للمؤمنين مضمونه: إن يشأ يرحمكم بأن يحفظكم من كفار مكة، أو إن يشأ يعذّبكم بتسليطهم عليكم.
٣- ليس أمر المشركين موكولا إلى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لقسرهم على الإسلام وإجبارهم عليه، ومنعهم من الكفر، وإنما مهمته محصورة في التبليغ والتّبشير والإنذار، تبشير من أطاعه بالجنّة، وإنذار من عصاه بالنّار.
٤- قوله تعالى: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بعد قوله:

صفحة رقم 102
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية