آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ

مَظْلُوماً نصب على الحال، ومعناه بغير هذه الوجوه المذكورة، و «الولي» القائم بالدم وهو من ولد الميت أو ولده الميت أو جمعه وأباه أب، ولا مدخل للنساء في ولاية الدم عند جماعة من العلماء، ولهن ذلك عند أخرى، و «السلطان» الحجة والملك الذي جعل إليه من التخير في قبول الدية أو العفو، قاله ابن عباس والضحاك. وقال قتادة: «السلطان» القود، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم «فلا يسرف» بالياء، وهي قراءة الجمهور، أي الولي لا يتعدى أمر الله، والتعدي هو أن يقتل غير قاتل وليه من سائر القبيل، أو يقتل اثنين بواحد، وغير وذلك من وجوه التعدي، وهذا كله كانت العرب تفعله، فلذلك وقع التحذير منه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعتى الناس على الله ثلاثة، رجل قتل غير قاتل وليه، أو قتل بذحل الجاهلية، أو قتل في حرم الله»، وقالت فرقة: المراد بقوله فَلا يُسْرِفْ القاتل الذي يتضمنه الكلام، والمعنى فلا يكن أحد من المسرفين بأن يقتل نفسا فإنه يحصل في ثقاف هذا الحكم، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «فلا تسرف في القتل» بالتاء من فوق، وهو قراءة حذيفة ويحيى بن وثاب ومجاهد بخلاف والأعمش وجماعة، قال الطبري: على معنى الخطاب للنبي عليه السلام والأئمة بعده، أي فلا تقتلوا غير القاتل.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يراد به الولي أي فلا تسرف أيها الولي في قتل أحد يتحصل في هذا الحكم، وقرأ أبو مسلم السراج صاحب الدعوة العباسية، «فلا يسرف» بالياء بضم الفاء على معنى الخبر لا على معنى النهي، والمراد هذا التأويل فقط.
قال القاضي أبو محمد: وفي الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر، وفي قراءة أبي بن كعب: «فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصورا»، والضمير في قوله إِنَّهُ عائد على الولي، وقيل على المقتول، وهو عندي أرجح الأقوال، لأنه المظلوم، ولفظة النصر تقارن أبدا الظلم كقوله عليه السلام:
«ونصر المظلوم وإبرار القسم»، وكقوله «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، إلى كثير من الأمثلة: وقيل على القتل، وقال أبو عبيد على القاتل لأنه إذا قتل في الدنيا وخلص بذلك من عذاب الآخرة فقد نصر، وهذا ضعيف بعيد المقصد، وقال الضحاك هذه أول ما نزل من القرآن في شأن القتل وهي مكية.
قوله عز وجل:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٣٤ الى ٣٦]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)
الخطاب في هذه الآية للأوصياء الذين هم معدون لقرب مال اليتامى، ثم لمن تلبس بشيء من أمر يتيم من غير وصي، والْيَتِيمِ الفرد من الأبناء، واليتم الانفراد، يقال يتم الصبي يتيم إذا فقد أباه، قال ابن السكيت: اليتم في البشر من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأم، وفي كتاب الماوردي، أن اليتم في

صفحة رقم 453

البشر من قبل الأم أيضا، وجمعه أيتام كشريف وأشراف وشهيد وأشهاد، ويجمع يتامى كأسير وأسارى كأنهما الأمور المكروهة التي تدخل على المرء غلبة، قال ابن سيده: وحكى ابن الأعرابي يتمان في يتيم، وأنشد في ذلك: [الطويل]

فبت أشوي ظبيتي وحليلتي طربا وجرو الذيب يتمان جائع
ويجوز أن يكون يتامى جمع يتمان، وفي الحديث «لا يتم بعد حلم»، وقوله إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يريد إلا بأحسن الحالات.
قال القاضي أبو محمد: وذلك في الوصي الغني، أن يثمر المال ويحوطه ولا يمسّ منه شيئا على جهة الانتفاع به، هذا هو الورع والأولى الا أن يكون يشتغل في مال اليتيم ويشح فله بالفقه أن تفرض له أجرة، وأما الوصي الفقير الذي يشغله مال اليتيم عن معاشه، فاختلف الناس في أكله منه بالمعروف كيف هو؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يتسلف منه، فإذا أيسر رد فيه، وقال ابن المسيب، لا يشرب الماء من مال اليتيم، قيل له فما معنى فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: ٦] ؟ قال: إنما ذلك لخدمته وغسل ثوبه، وقال مجاهد: لا يقرب إلا التجارة ولا يستقرض منه، قال: وقوله فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [ذاته] معناه من مال نفسه، وقال أبو يوسف: لعل قوله فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [ذاته] منسوخ بقوله لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [البقرة: ١٨٨] [النساء: ٢٩] وقال ابن عباس: يأكل منه الشربة من اللبن والطرفة من الفاكهة ونحو هذا مما يخدمه، ويلط الحوض ويجد النخل، وينشد الضالة فليأكل غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب، وقال زيد بن أسلم: يأكل منه بأطراف أصابعه بلغة من العيش بتعبه.
قال القاضي أبو محمد: وهذه استعارة للتقلل، وقال مالك رحمه الله وغيره: يأخذ منه أجرة بقدر تعبه، فهذه كلها تدخل فيما هو أحسن، وكمال تفسير هذه المعاني في سورة النساء بحسب ألفاظ تلك الآيات، وفي الخبر عن قتادة أن هذه الآية لما نزلت شقت على المسلمين وتجنبوا الأكل معهم في صحفة ونحوه، فنزلت وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة: ٢٢٠] وقوله حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية الإمساك عن مال اليتيم، ثم ما بعد الغاية قد بينته آية أخرى، وما بعد هذه الغايات أبدا موقوف حتى يقوم فيه دليل شرعي أو يقتضي ذلك الاتفاق في النازلة، ومثل هذا قول عائشة رضي الله عنها أنا فتلت قلائد هدي رسول الله ﷺ بيدي، وبعث بها، فلم يحرم علي رسول الله ﷺ شيء أحله الله له حتى نحر الهدي، و «الأشد» جمع شد عند سيبويه، وقال أبو عبيدة: لا واحد له من لفظه، ومعناها قواه في العقل والتجربة والنظر لنفسه، وذلك لا يكون إلا مع البلوغ، ف «الأشد» في مذهب مالك أمران، البلوغ بالاحتلام أو ما يقوم مقامه حسب الخلاف في ذلك، والرشد في المال، واختلف هل من شروط ذلك الرشد في الدين على قولين، فابن القاسم لا يراعيه إذا كان ضابطا لماله، وراعاه غيره من بعض أصحاب مالك، ومذهب أبي حنيفة أن الأشد هو البلوغ فقط فلا حجر عنده على بالغ إلا أن يعرف منه السفه.
قال القاضي أبو محمد: ولست من هذا التقييد في قوله على ثقة، وقال أبو إسحاق الزجاج «الأشد»

صفحة رقم 454

في قوله أن تأتي على الصبي ثمان عشرة سنة، وإنما أراد أنها بعض ما قيل في حد البلوغ لمن لا يحتلم، وأما أن يكون بالغ رشيد تقي لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ هذه المدة فشيء لا أحفظ من يقوله، وقوله بِالْعَهْدِ لفظ عام لكل عهد وعقد بين الإنسان وبين ربه أو بينه وبين المخلوقين في طاعة، وقوله إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا أي مطلوبا ممن عهد إليه أو عوهد هل وفى به أم لا؟
وقوله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ الآية، أمر الله تعالى في هذه الآية أهل التجر والكيل والوزن أن يعطوا الحق في كيلهم ووزنهم، وروي عن ابن عباس أنه كان يقف في السوق ويقول: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم، هذا المكيال وهذا الميزان.
قال القاضي أبو محمد: وتقتضي هذه الآية أن الكيل على البائع، لأن المشتري لا يقال له أوف الكيل، هذا ظاهر اللفظ والسابق منه، و «القسطاس» قال الحسن هو القبان، ويقال القفان وهو القلسطون، ويقال القرسطون، وقيل: «القسطاس» الميزان صغيرا كان أو كبيرا، وقال مجاهد «القسطاس» العدل، وكان يقول هي لغة رومية، فكأن الناس قيل لهم زنوا بمعدلة في وزنكم، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر «القسطاس» بضم القاف، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «القسطاس» بكسر القاف، وهما لغتان، واللفظة منه للمبالغة من القسط، والمراد بها في الآية جنس الموازين المعدّلة على أي صفة كانت، قال أبو حاتم إنما قرأ بكسر القاف أهل الكوفة، وكل قراءة لا تجاوز الكوفة إلى الحرمين والبصرة فاقرأ بغيرها، وقرأت فرقة «القصطاس» بالصاد.
قال القاضي أبو محمد: وكان مذهب مجاهد في هذا وفي ميزان القيامة، وكل ذلك أنها استعارات للعدل، وقوله: في ميزان القيامة مردود، وعقيدة أهل السنة أنه ميزان له عمود وكفتان.
وسمعت أبي رضي الله عنه يقول رأيت الواعظ أبا الفضل الجوهري في جامع عمرو بن العاص يعظ الناس في الوزن فقال في جملة كلامه إن هيئة اليد بالميزان عظة وذلك أن الأصابع تجيء منها صورة المكتوبة ألف ولا مان وهاء فكأن الميزان يقول الله الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وعظ جميل، و «التأويل» في هذه الآية المآل. قاله قتادة، ويحتمل أن يكون «التأويل» مصدر تأول أي يتأول عليكم الخير في جميع أموركم إذا أحسنتم في الكيل والوزن، والفرض من أمر الكيل والوزن تحري الحق، فإن غلب الإنسان تعد تحريه شيء يسير من تطفيف شاذا لم يقصده بذلك نزر موضوع عنه إثمه، وذلك ما لا يكون الانفكاك عنه في وسع، وقوله وَلا تَقْفُ معناه ولا تقل ولا تتبع.
قال القاضي أبو محمد: لكنها لفظة تستعمل في القذف والعضه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن بنو النضر لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا»، ونقول فلان قفوتي أي موضع تهمتي، وتقول العرب رب سامع عذرتي ولم يسمع قفوتي أي ما رميت به، وهذا مثل للذي يفشي سره ويعتذر من ذنب لم يسمعه المعتذر إليه، وقد قال ابن عباس أيضا ومجاهد: وَلا تَقْفُ معناه، ولا ترم، ومن هذه اللفظة قول الشاعر:

صفحة رقم 455
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية