
وأخذ أموالهم ونساءهم، وأخذ جميع ما في بيت المقدس، واحتمله على سبعين ألفا ومائة ألف عجلة حتى أودعه في كنيسة الذهب، فهو فيها الآن حتى يأخذه المهدي ويرده إلى بيت المقدس وهو ألف سفينة وسبعمائة سفينة يرسي بها على بابل حتى ينقل إلى بيت المقدس عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ أي لعل ربكم أن يرحمكم بعد المرة الآخرة إن تبتم توبة أخرى من المعاصي يا بني إسرائيل وَإِنْ عُدْتُمْ إلى الفساد مرة أخرى عُدْنا إلى صب البلاء عليكم في الدنيا مرة أخرى، وإن عدتم إلى الإحسان عدنا إلى الرحمة، وقد عادوا إلى فعل ما لا ينبغي وهو التكذيب لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وكتمان ما ورد في التوراة والإنجيل، فعاد الله عليهم بالتعذيب على أيدي العرب فجرى القتل والجلاء على قريظة وبني النضير وبني قينقاع ويهود خيبر، والباقي منهم مقهورون بضرب الجزية وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨) أي سجنا لا يستطيعون الخروج منها أبدا إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ الذي آتيناكه يَهْدِي كل الناس لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ أي للطريقة التي هي أقوم الطرائق وهي ملة الإسلام فبعضهم يصل بهدايته وهم المؤمنون وبعضهم لا وهم الكافرون وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ من التقوى والإحسان أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) أي بأن لهم في مقابلة تلك الأعمال أجرا كبيرا بحسب الذات وبحسب التضعيف وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وهو عذاب جهنم وهذا عطف على قوله: «أن لهم» فالقرآن يبشر المؤمنين ببشارتين بأجر كبير وبتعذيب أعدائهم.
واعلم أن أكثر اليهود ينكرون الثواب والعقاب الجسمانيين وأن بعضهم قال: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، فهم بذلك صاروا كالمنكرين للآخرة
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ في الإلحاح، أي إن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه مع أن ذلك الشيء يكون منبع ضرره وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه مغترا بظاهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها.
روي أن النضر بن الحرث قال: اللهم انصر خير الحزبين اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك إلى آخره فأجاب الله تعالى دعاءه، وضربت رقبته يوم بدر. وقيل: المراد أن الإنسان في وقت الضجر يلعن نفسه وأهله وولده وماله، ولو استجيب له في الشر كما يستجاب له في الخير لهلك. وَكانَ الْإِنْسانُ بحسب جبلته عَجُولًا (١١) أي ضجرا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يطرأ عليه فإن كل أحد من الناس لا يخلو عن عجلة ولو تركها لكان تركها أصلح في الدنيا والدين.
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ أي علامتين دالتين على تمام علمنا وكمال قدرتنا، فلما بيّن الله تعالى أن هذا القرآن يدل على الطريق الأقوم ذكر الدلائل الدالة على وحدته تعالى. وهو عجائب العالم العلوي والسفلي فالقرآن نعم الدين ووجود الليل والنهار نعم الدنيا، فلولاهما لما حصل للخلق

الراحة والكسب والقرآن ممتزج من المحكم والمتشابه، فكذلك الدهر مركب من الليل والنهار، فالمحكم كالنهار، والمتشابه كالليل، فكما أن المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه فكذلك الزمان لا يحصل الانتفاع به إلا بالليل والنهار فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وهي القمر، لأنه يبدو في أول الأمر على صورة الهلال، ثم لا يزال يتزايد نوره حتى يصير بدرا كاملا، ثم يشرع في الانتقاص قليلا قليلا إلى أن يعود إلى المحاق وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ وهي الشمس مُبْصِرَةً أي مضيئة ذات أشعة تظهر بها الأشياء المظلمة فالإضاءة سبب لحصول الإبصار لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أي لتطلبوا في الليل والنهار فضل ربكم من الرزق الحلال بالكسب ومن الثواب الجزيل بأداء الطاعات والاحتراز عن المنهيات وَلِتَعْلَمُوا بتعاقبهما عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ أي حساب ما دون السنين من الشهور والأيام والساعات لإقامة مصالحكم الدينية والدنيوية وَكُلَّ شَيْءٍ تفتقرون إليه في مصالح دينكم ودنياكم فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (١٢) أي بيّناه في القرآن تبيينا بليغا لا شبهة فيه، فظهر كون القرآن يهدي للتي هي أقوم ظهورا بيّنا وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ أي عمله الذي قدرناه عليه من خير وشر فِي عُنُقِهِ وذكر العنق كناية عن شدة اللزوم، أي ألزمناه عمله كلزوم القلادة أو الفاء للصفة بحيث لا يفارقه عمله أبدا فإن كان خيرا كان زينة له كالطوق، وإن كان شرا كان شينا له كالغل على رقبته. وإنما يكنى العمل بالطير لأن العرب إذا أرادوا الإقدام على عمل اعتبروا أحوال الطير، فهل يطير متيامنا أو متياسرا أو صاعدا إلى الجو إلى غير ذلك فيستدلون بكل واحد منها على الخير والشر والسعادة والنحوسة فلما كثر ذلك منهم سمي نفس الخير والشر بالطائر تسمية للشيء باسم لازمه. وقيل: المراد بالطائر صحيفة الأعمال التي كتبتها الملائكة الحفظة، فإذا مات العبد طويت تلك الصحيفة وجعلت معه في قبره حتى تخرج له يوم القيامة.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله ما أول ما يلقى الميت إذا أدخل قبره قال: «يا ابن مسعود ما سألني عنه أحد إلا أنت فأول ما يناديه ملك اسمه رومان يجوس خلال المقابر فيقول: يا عبد الله اكتب عملك، فيقول: ليس معي دواة ولا قرطاس ولا قلم، فيقول:
كفنك قرطاسك، ومدادك ريقك وقلمك إصبعك فيقطع له قطعة من كفنه، ثم يشرع العبد يكتب وإن كان غير كاتب في الدنيا فيذكر حينئذ حسناته وسيئاته كيوم واحد، ثم يطوي الملك القطعة ويعلقها في عنقه». ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ»
«١» أي عمله فيه وقيل: المراد بالطائر كتاب إجابته في القبر لمنكر ونكير وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً أي مكتوبا فيه عمله يَلْقاهُ أي يلقى الإنسان.

وقرأ ابن عامر «يلقاه» بضم الياء وفتح اللام، والقاف المشددة أي يعطاه مَنْشُوراً (١٣) أي مفتوحا ويقال له: اقْرَأْ كِتابَكَ.
قال الحسن وقتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا. وقال بكر بن عبد الله: يؤتى بالمؤمن يوم القيامة بصحيفته وهو يقرؤها وحسناته في ظهرها يغبطه الناس عليها وسيئاته في جوف صحيفته وهو يقرؤها حتى إذا ظن أنها قد أوبقته قال الله تعالى: اذهب فقد غفرتها لك فيما بيني وبينك فيعظم سروره. كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) أي محاسبا. قال الحسن: ومن عدل الله في حقك جعلك حسيب نفسك.
وقال السدي: يقول الكافر يومئذ له تعالى: إنك قضيت أنك لست بظلام للعبيد فاجعلني أحاسب نفسي فيقال له: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ أي من اهتدى بهداية القرآن وعمل بما في تضاعيفه من الأحكام وانتهى عما نهاه عنه فإنما تعود منفعة اهتدائه إلى نفسه لا تتخطاه إلى من لم يهتد فإن ثواب العمل الصالح مختص بفاعله وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي ومن ضل عن الطريقة التي يهديه إليها فإنما وبال ضلاله عليها لا على من لم يباشره وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا تحمل نفس حاملة للإثم إثم نفس أخرى بطيبة النفس حتى يمكن تخلص النفس الثانية عن إثمها، ولكن يحمل عليها بالقصاص فلا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى فكل أحد مختص بذنب نفسه، وهذا قطع لأطماع الكفار حيث كانوا يزعمون أنهم إن لم يكونوا على الحق فالعقاب على أسلافهم الذين قلدوهم الدين الفاسد وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ قوما بالهلاك حَتَّى نَبْعَثَ إليهم رَسُولًا (١٥) يهديهم إلى الحق ويردعهم عن الضلال ويقيم الحجج، ويمهد الشرائع. وأهل الفترتين بين نوح وإدريس وبين عيسى ومحمد عليهم السلام ثلاثة عشر قسما ستة سعداء وأربعة أشقياء وثلاثة تحت المشيئة. فأما السعداء:
فقسم وحّد الله تعالى بنور وجده في قلبه كقس بن ساعدة فإنه كان إذا سئل هل لهذا العالم إله قال:
البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير. وقسم وحّد الله تعالى بما تجلى لقلبه من النور الذي لا يقدر على دفعه. وقسم ألقي في نفسه، واطلع من كشفه على منزلة محمد صلّى الله عليه وسلّم فآمن به في عالم الغيب. وقسم اتبع ملة حق ممن تقدمه. وقسم طالع في كتب الأنبياء فعرف شرف محمد صلّى الله عليه وسلّم فآمن به وقسم آمن بنبيه الذي أرسل إليه وأدرك رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم وآمن به فله أجران.
وأما الأشقياء: فقسم عطل بلا نظر بل بتقليد. وقسم عطل بعد ما أثبت بلا استقصاء نظر. وقسم أشرك عن تقليد محض. وقسم علم الحق وعانده. وأما الذي تحت المشيئة: فقسم عطل فلم يقر بوجود الإله عن نظر ناقص لضعف في طبائعه. وقسم أشرك عن نظر أخطأ فيه. وقسم عطل بعد ما أثبت بغير نظر قوي. ونقل عن السيوطي أن أبوي النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تبلغهما الدعوة والله تعالى يقول:

وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجيا ولا يعذب ويدخل الجنة وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
أي وإذا دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بعذاب الاستئصال أمرنا على لسان الرسول المبعوث إلى أهلها رؤساءها بالأعمال الصالحات وهي الإيمان والطاعة.
وروي برواية غير مشهورة عن نافع وابن عباس «أمرنا مترفيها» بمد الهمزة أي كثرنا أغنياءها وفساقها. وعن أبي عمرو «أمرنا» بتشديد الميم أي جعلنا جبابرتها أمراء. فَفَسَقُوا فِيها
أي فخرجوا عما أمرهم الله وعملوا المعاصي فيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أي فثبت عليها ما توعدناهم به على لسان رسولنا من الإهلاك فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
(١٦) أي فأهلكناها إهلاك الاستئصال وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ أي وكثيرا أهلكنا من الأمم الماضية من بعد قوم نوح فإن الطريق الذي ذكرناه هو عادتنا مع الذين يفسقون من القرون الذين كانوا بعد نوح وهم عاد وثمود وغيرهم وإنما قال تعالى: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ لأنه أول من كذبه قومه وخوّف تعالى بهذه الآية كفار مكة وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) فإنه تعالى عالم بجميع المعلومات راء لجميع المرئيات وثبت أنه قادر على كل الممكنات فكان قادرا على إيصال الجزاء إلى كل أحد بقدر استحقاقه فإنه منزه عن الظلم، وهذه بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف عظيم لأهل المعصية مَنْ كانَ يُرِيدُ بالذي يعمله الْعاجِلَةَ أي الدار العاجلة فقط عَجَّلْنا لَهُ فِيها أي في تلك الدار ما نَشاءُ تعجيله له من نعيمها لِمَنْ نُرِيدُ تعجيل ما نشاء له وهذا بدل من الضمير بإعادة الجار بدل بعض من كل فلا يجد كل واحد جميع ما يهواه فإن كثيرا من الكفار يعرضون عن الدين في طلب الدنيا، ثم يبقون محرومين عن الدنيا والدين ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ في الآخرة مكان ما عجلناه جَهَنَّمَ وما فيها من أنواع العذاب يَصْلاها أي يدخلها مَذْمُوماً أي مهانا بالذم مَدْحُوراً (١٨) أي مطرودا من رحمة الله تعالى.
قيل: نزلت هذه الآية في مرثد بن ثمامة وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ أي أراد بعمله ثواب الآخرة وَسَعى لَها أي للدار الآخرة سَعْيَها بأن يكون العمل من باب القرب والطاعات وَهُوَ مُؤْمِنٌ إيمانا صحيحا فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ أي عملهم مَشْكُوراً (١٩) أي مقبولا عند الله أحسن القبول. قيل: نزلت هذه الآية في بلال المؤذن كُلًّا أي كل واحد من الفريقين مريد الدنيا ومريد الآخرة نُمِدُّ أي نزيد بالعطاء هؤُلاءِ أي الذين يريدون الدنيا وَهَؤُلاءِ أي الذين يريدون الآخرة وهذان بدلان من كلا فإن الله يوسع عليهما في الرزق من الأموال والأولاد وغير ما من أسباب العز والزينة في الدنيا مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ أي من معطاه الواسع وهذا متعلق «بنمد» رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ أي معطاه في الدنيا مَحْظُوراً (٢٠) أي ممنوعا من أحد، مؤمنا كان أو