
ويَمْكُث ومَكَث يَمْكَث (١)، والفتح قراءة عاصم في قوله: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ (٢) [النمل: ٢٢]، قال: فَرَّقَه الله في التنزيل ليفهمه الناس، فقال: ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ قال ابن عباس: [نجوما بعد نجوم، وشيئًا بعد شيء (٣).
١٠٧ - قوله تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا﴾ قال ابن عباس] (٤): ﴿قُلْ﴾: لأهل مكة، ﴿آمِنُوا﴾: بالقرآن (٥)، ﴿أَوْ لَا تُؤْمِنُوا﴾ وهذا تهديد؛ أي فقد أنذر الله ووعد (٦) وبَلَّغَ الرسول، فاختاروا ما تريدون، كما قال: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٥٥].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي من قبل نزول القرآن، قال مجاهد: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أُنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- خروا سجدًا (٧).
(٢) انظر: "السبعة" ص ٤٨٠، و"الحجة للقراء" ٥/ ٣٨٠، و"المبسوط في القراءات" ص ٢٧٨، و"التيسير" ص ١٦٧.
(٣) لم أقف عليه، وأخرجه "الطبري" ١٥/ ١٧٩ - ١٨٠ بمعناه عن الحسن وقتادة، وورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٥٣١، وورد في "الوسيط" ٢/ ٥٥٩ بنصه غير منسوب.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ش).
(٥) ورد بلا نسبة في "تفسير مقاتل" ١/ ٢٢١ أ، و"الطبري" ١٥/ ١٨٠، و"الوسيط" للواحدي ٢/ ٥٥٩.
(٦) في (أ)، (د): (ووعده)، والمثبت من (ش)، (ع).
(٧) أخرجه "الطبري" ١٥/ ١٨١، بنحوه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٢٣ أ، بنحوه، و"الطوسي" ٦/ ٥٣٢، بنحوه.

وقال ابن عباس: منهم زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل (١)، وعلى هذا ليس المراد بقوله: ﴿أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أهل الكتاب، وإنما هم طلاب الدين.
وقوله تعالى: ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ قال ابن عباس في رواية؛ الوالبي: يخرون للوجوه (٢)، وهو قول قتادة (٣).
وقال في رواية عطاء: يريد: يسجدون بوجوههم وجباههم وأذقانهم (٤).
قال أبو إسحاق: والذَّقَنُ مجمع اللَّحْيَيْنِ (٥)، وهو عضو من أعضاء الوجه، وكما يبتدئ المبتدئ يَخِرُّ فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذَّقَنُ (٦)، وعلى هذا إنما خص الذقن بالذكر؛ لأنه أقرب أبعاض الوجه إلى الأرض، وهو هاهنا عبارة عن الوجه.
(٢) أخرجه "الطبري" ١٥/ ١٨٠ بلفظه من طريق ابن أبي طلحة (صحيحة)، وورد بلفظه في "تفسير الجصاص" ٣/ ٢٠٩، و"الثعلبي" ٧/ ١٢٣ أ، و"الماوردي" ٣/ ٢٨٠، و"الطوسي" ٦/ ٥٣٢، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٧٢ وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(٣) أخرجه "عبد الرزاق" ٢/ ٣٩٢ بلفظه، و"الطبري" ١٥/ ١٨٠ بلفظه من طريقين، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس ٨/ ٢٠٥، و"تفسير الجصاص" ٣/ ٢٠٩، و"الماوردي" ٣/ ٢٨٠، و"الطوسي" ٦/ ٥٣٢.
(٤) ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي ٢/ ٥٦٠ بنصه بلا نسبة.
(٥) في (أ)، (د): (للجبين)، والمثبت من (ش)، (ع)، وهوالصحيح والموافق للمصدر. انظر: "المحيط في اللغة" (ذقن) ٥/ ٣٧٥.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٦٤، بنصه.

وروى عبد الرزاق عن معمر قال: قال الحسن: لِلّحى (١)، وعلى هذا القول: الأذقان عبارة عن اللِّحَى، وخصت بالذكر لأن المعنى أنهم يضعونها على الأرض للسجود تواضعًا لله تعالى، واللِّحْية تُلْقي بالإكرام والتنظيف، فإذا أذلوها في التراب فهو غاية التواضع، واللام هاهنا بمعنى على، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الحجرات: ٢] أي عليه، والعرب تقول: سقط فلان لفيه، أي على فيه، قال الشاعر:
فخر صريعًا لليدين وللفم (٢)
(٢) صدره:
تناولهُ بالرُّمحِ ثُمَّ اتَّنَى لَهُ
نسب لجابر بن حُنَيّ التَّغْلِبي في "المفُضَّليات" ص ٢١٢، و"شرح شواهد المغني" ٢/ ٥٦٢.
ونسب لربيعة بن مُكدَّم في "الأغاني" ١٦/ ٧٥ برواية:
وهتكت بالرمح الطويل إهابه... فهوى............
ونسب لعمام بن مقشعر البصري في "معجم الشعراء" ص ١٠١ برواية:
دلفته بالرمح من تحت بزه
ونسب للأشعث الكندي في "الأزهية" ص ٢٨٨ برواية:
تناولْت بالرُّمْحِ الطَّويلِ ثِيَابَهُ
وورد بلا نسبة في: "أدب الكاتب" ص ٥١١، و"تفسير الزمخشري" ٢/ ٣٧٨، و"القرطبي" ١٠/ ٣٤١، و"رصف المباني" ص ٢٩٧، و"الجنى الداني" ص ١٠١، و"مغني اللبيب" ص ٢٨٠، و"شرح الأشموني" ٢/ ٣٨٨.
(تناوله بالرمح): طعنه، (اتَّنَى): أراد اثتنى فأدغم الثاء في التاء، فأبدلهما تاءً، ويروى انثنى، (خرّ): سقط. "شرح اختيار المفضل" ٢/ ٩٥٥.

والمعنى أنهم يبادرون إلى السجود فيسقطون على الأذقان أولاً إذا وقعوا بالأرض إلى أن نصبوا (١) جباههم على الأرض للسجود؛ لأن الذقن ليس من أعضاء السجود، ويدل على هذا (٢) قوله: ﴿يَخِرُّونَ﴾ ولم يقل: يسجدون؛ لأنه أراد مسارعتهم إلى ذلك حتى إنهم ليسقطون ويقولون في سجودهم: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾، أي: ينزهونه ويعظمونه، ﴿إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾: أي وعده بإنزال (٣) القرآن وبعث محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يدل على أن هؤلاء كانوا من أهل الكتاب؛ لأن الوعد ببعث محمد -صلى الله عليه وسلم- سبق في كتابهم، فهم كانوا ينتظرون ذلك الوعد.
وذكر الليث وجهًا آخر في قوله: ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ فقال: العرب تقول إذا خَرّ الرجل فوقع على وجهه: خَرّ للذقن، وكذلك الشجر والحجر إذا قلبه السيل يقال: كبه السيل للذقن (٤)، ويدل على ما ذكره قول امرئ القيس يصف سيلًا شديدًا (٥):
يَكُبُّ على الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ (٦)
(٢) في (أ)، (د)، (ش): (أن هذا) والمثبت من (ع).
(٣) في (أ)، (د): (بأنزل)، والمثبت من (ش)، (ع).
(٤) ورد بنحوه غيرمنسوب في "تفسير الفخر الرازي" ٢١/ ٦٩.
(٥) في (أ)، (د): (سبيلًا شديد)، والصحيح المثبت من (ش)، (ع) لغويًّا ونحويًّا.
(٦) وصدره:
وأضْحى يَسُحُّ الماءَ عن كلِّ فيقةٍ
"ديوانه" ص ١٢١، وورد في: "أساس البلا غة" ص ٢٩٩ مادة: (ذقن)، و"اللسان" (كهبل) ٧/ ٣٩٤٥، (ذقن) ٣/ ١٥٠٦ (فيقة): الفيقة: الفترة ما بين الحلبتين، (كنهبل): أصله كَهْبَل والنون فيه زائدة، وهو شجر عظام من العِضاه، وقيل: صنف من الطَّلح قصار الشوك، والمعنى: كأنه يقول: إن المطر يسح ويسكن أخرى، يكب على الأذقان دوح الكنهبل، يقتلع شجر الكنهبل من أصوله ويلقيه على أم رأسه لشدة سحه وهيجه.