
١٠٢ - بقوله: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ﴾ يعني الآيات، ﴿إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ أي عِبرٌ أو دلالات، وذكرنا معنى البصائر في آخر سورة الأعراف [: ٢٠٣].
وقراءة العامة بفتح التاء (١)، [وقرأ الكسائي: علمتُ بضم التاء (٢)، والاختيار عند الجميع فتح التاء، وهو قراءة ابن عباس، وضم التاء] (٣) قراءة علي -رضي الله عنه-، وكان يقول: والله ما عَلِمَ عدو الله، ولكن موسى هو الذي عَلِم، فبلغ ذلك ابن عباس فاحتج بقوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤]، على أن فرعون وقومه كانوا قد عرفوا صحة أمر موسى (٤).
وقال الزجاج: (الأجود في القراءة فتح التاء؛ لأن عِلم فرعونَ) (٥) بأنها آيات من عند الله أوكد في الحجة (٦)؛ فموسى يحتج عليه بما علم
(٢) انظر المصادر السابقة.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (د).
(٤) ورد بنحوه في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٢، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٢٠١، و"إعراب القراءات السبع وعللها" ١/ ٣٨٤، و"تفسير الثعلبي" ٧/ ١٢٢ ب، وانظر: "تفسير الرازي" ٢١/ ٦٥، بنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٧٠ - ٣٧١ وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم، دون رد ابن عباس -رضي الله عنه-. قال أبو حيان ٦/ ٨٦: وهذا القول عن علي -رضي الله عنه- لا يصح؛ لأنه رواه كلثوم المرادي، وهو مجهول.
(٥) ما بين التنصيص ساقط من (أ)، (د)
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٦٣ بنصه. وعبارته الأجود غير جيدة؛ لأنها تقتضي انتقاص القراءة الأخرى السبعية.

هؤلاء بما علم موسى، وأما من ضم التاء فحجته ما ذكرنا عن علي.
فإن قيل: كيف يصح الاحتجاج عليه بعلمه، وعلمه لا يكون حجة على فرعون؟
فالجواب: أنه لما قيل له: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧]، قال موسى: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾، فكأنه نفى ذلك وقال: لقد علمتُ صحةَ ما أَتَيْتُ به علمًا صحيحاً؛ علم العقلاء (١)، وفي قوله: ﴿مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ دليل على قول من يقول: إن الآيات التسع كانت آيات من التوراة، وهو ما رُوي عن صفوان بن عسال (٢) عن يهوديين سألا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشركوا بالله، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة ألا تعدوا في السبت، قال؛ فَقَبَّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبيّ" (٣).
(٢) صفوان بن عسال -رضي الله عنه- صحابي من بني الرَّبَض بن زاهر المرادي، سكن الكوفة، غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنتي عشرة غزوة، وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة أحاديث، روى عنه عبد الله ابن مسعود، وزِر بن حُبَيْش، وعبد الله بن سَلِمَة.
انظر: "الاستيعاب" ٢/ ٢٧٩، و"أسد الغابة" ٣/ ٢٨، و"الإصابة" ٢/ ١٨٩.
(٣) أخرجه بنحوه: ابن أبي شيبة ٧/ ٣٢٩، وأحمد ٤/ ٢٣٩، والترمذي (٣١٤٤) كتاب التفسير، باب: ومن سورة بني إسرائيل، وقال: حسن صحيح، والنسائي: تحريم الدم والسحر ٧/ ١١١، و"الطبري" ١٥/ ١٧٢ بنصه وبنحوه من طرق، والطبراني ٨/ ٨٣، والحاكم ١/ ٩ وصححه، وأبو نعيم في "الحلية" ٥/ ٩٧، والبيهقي في "الدلائل" ٦/ ٢٦٨ وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ١٩٩ بنصه مع زيادة في =

وقوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ قال الكلبي: وإني لأعْلَمُك يا فرعون (١)، ﴿مَثْبُورًا﴾ قال ابن عباس: ملعونًا (٢).
وقال قتادة: مهْلَكًا (٣)، وقال مجاهد: هالِكًا (٤).
قال الفراء: المثبور: الملعون المحبوس عن الخير، والعرب تقول: ما ثَبَرك عن هذا؟ أي ما منعك منه وما صرفك (٥).
وروى أبو عبيد عن أبي زيد: ثَبَرْتُ فلانًا عن الشيء: رَدَدْتُه عنه (٦).
قال ابن كثير ٣/ ٧٥: وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سَلِمَة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون. وعليه فالحديث لا دلالة فيه، فضلاً عن كونه ضعيفًا.
(١) ورد بلا نسبة في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٨٦، وهو قول أكثر المفسرين، كما قال ابن الجوزي ٥/ ٩٤.
(٢) أخرجه "الطبري" ١٥/ ١٧٥ بلفظه من طريق سعيد بن جبير، ومن طريق ابن أبي طلحة (كلاهما صحيحة)، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٢٠٣، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٨٦، و"الثعلبي" ٧/ ١٢٢ ب، أورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٧١ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق.
(٣) أخرجه "عبد الرزاق" ٢/ ٣٩١ بلفظه، و"الطبري" ١٥/ ١٧٦، بنحوه من طريقين، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٢٠٣ بلفظه، و"تهذيب اللغة" (ثبر) ١/ ٤٧١، بنحوه، و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٣٨٦ بلفظه، والماوردي ٣/ ٢٧٨، بنحوه.
(٤) "تفسير مجاهد" ١/ ٣٧١، بنحوه، أخرجه "الطبري" ١٥/ ١٧٦ بلفظه من طريقين، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٢٠٣، و"تهذيب اللغة" (ثبر) ١/ ٤٧١، و"تفسير الثعلبي" ٧/ ١٢٢ ب، و"الطوسي" ٦/ ٥٢٨.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٢، بنصه تقريبًا.
(٦) ورد في "تهذيب اللغة" (ثبر) ١/ ٤٧١، بنصه.