آيات من القرآن الكريم

مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

ولم يسميا المرأة، وقيل كانت امرأة موسوسة تسمى خطية تغزل عند الحجر وتفعل ذلك، وقال مجاهد وقتادة، ذلك ضرب مثل لا على امرأة معينة وأَنْكاثاً نصب على الحال، والنكث النقض، و «القوة» في اللغة واحدة قوى الغزل والحبل، وغير ذلك مما يظفر، ومنه قول الأغلب الراجز:
حبل عجوز فتلت سبع قوى ويظهر لي أن المراد ب «القوة» في الآية الشدة التي تحدث من تركيب قوى الغزل ولو قدرناها واحدة القوى لم يكن معها ما ينقض أَنْكاثاً، والعرب تقول أنكثت الحبل إذا انتقضت قواه، أما إن عرف الغزل أنه قوة واحدة، ولكن لها أجزاء كأنها قوة كثيرة له، قال مجاهد: المعنى من بعد إمرار قوة، و «الدخل» الدغل بعينه، وهي الذرائع إلى الخدع والغدر، وذلك أن المحلوف له مطمئن فيتمكن الحالف من ضره بما يريده، وقوله أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ، قال المفسرون: نزلت هذه الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم إذا حالفت الأخرى ثم جاءت إحداهما قبيلة كبيرة، قوية فداخلتها، غدرت الأولى ونقضت معها ورجعت إلى هذه الكبرى، فقال الله تعالى ولا تنقضوا العهود من أجل أن تكون قبيلة أزيد من قبيلة في العدد والعزة و «الربا» الزيادة، ويحتمل أن يكون القول معناه لا تنقضوا الأيمان من أجل أن تكونوا أربى من غيركم أي أزيد خيرا، فمعناه لا تطلبوا الزيادة بعضكم على بعض بنقض العهود، ويَبْلُوكُمُ معناه يختبركم، والضمير في بِهِ يحتمل أن يعود على الوفاء الذي أمر الله به، ويحتمل أن يعود على الربا، أي أن الله تعالى ابتلى عباده بالتحاسد وطلب بعضهم الظهور على بعض، واختبرهم بذلك ليرى من يجاهد نفسه ممن يتبعها هواها، وباقي الآية وعيد بين بيوم القيامة، وقوله هِيَ أَرْبى موضع أَرْبى عند البصريين رفع وعند الكوفيين نصب، وهي عماد ولا يجوز العماد هنا عند البصريين لأنه لا يكون مع النكرة، وأُمَّةٌ نكرة، وحجة الكوفيين أن أُمَّةٌ وما جرى مجراها من أسماء الأجناس تنكيرها قريب من التعريف، ألا ترى أن إدخال الألف واللام عليها لا يخصصها كبير تخصيص، وفي هذا نظر، وقوله تعالى:
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ الآية، أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يبتلي عباده بالأوامر والنواهي ليذهب كل أحد إلى ما يسر له، وذلك منه تعالى بحق الملك، وأنه لا يسأل عما يفعل، ولو شاء لكان الناس كلهم في طريق واحد، إما في هدى وإما في ضلالة، ولكنه تعالى شاء أن يفرق بينهم،. ويخص قوما بالسعادة وقوما بالشقاوة ويُضِلُّ ويَهْدِي معناه يخلق ذلك في القلوب خلافا لقول المعتزلة، ثم توعد في آخر الآية بسؤال كل أحد يوم القيامة عن عمله، وهذا سؤال توبيخ، وليس ثم سؤال تفهم، وذلك هو المنفي في آيات.
قوله عز وجل:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٩٤ الى ٩٧]
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)

صفحة رقم 418

كرر النهي عن اتخاذ الأيمان دَخَلًا بَيْنَكُمْ تهمما بذلك ومبالغة في النهي عنه، لعظم موقعه من الدين وتردده في معاشرات الناس، و «الدخل» كما قلنا الغوائل الخدائع، وقوله فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه لأن القدم إذا زلت نقلت الإحسان من حال خير إلى حال شر، ومن هذا المعنى قول كثير:
فلما توافينا ثبت وزلت
أي تنقلت من حال إلى حال، فاستعار لها الزلل، ومنه يقال لمن أخطأ في شيء: زل فيه، ثم توعد بعد بعذاب في الدنيا وعَذابٌ عَظِيمٌ في الآخرة، وقوله بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يدل على أن الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ الآية، هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على فعل ما يجب على الأخذ أو تركه، أو فعل ما يجب عليه تركه، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها، فمن أخذ على ذلك مالا فقد أعطى عهد الله وأخذ قليلا من الدنيا، ثم أخبر تعالى أن ما عنده من نعيم الجنة ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى، ثم بين الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، أو ينقضي عنها، ومنن الآخرة باقية دائمة، وقرأ ابن كثير وعاصم «ولنجزين» بنون، وقرأ الباقون «وليجزين» بالياء ولم يختلفوا في قوله وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أنه بالنون، كذا قال أبو علي، وقال أبو حاتم: إن نافعا روي عنه «وليجزينهم» بالياء، وصَبَرُوا معناه عن الشهوات وعلى مكاره الطاعة وهذه إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المذكورة، وقوله بِأَحْسَنِ أي بقدر أحسن ما كانوا يعملون، وقوله مَنْ عَمِلَ صالِحاً يعم جميع أعمال الطاعة، ثم قيده بالإيمان، واختلف الناس في «الحياة الطيبة» فقال ابن عباس والضحاك: هو الرزق الحلال، وقال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هي القناعة وهذا طيب عيش الدنيا، وقال ابن عباس أيضا: هي السعادة، وقال الحسن البصري: «الحياة الطيبة» هي حياة الآخرة ونعيم الجنة.
قال القاضي أبو محمد: وهناك هو الطيب على الإطلاق، ولكن ظاهر هذا الوعد أنه في الدنيا، والذي أقول: إن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمر ملذ، فبهذا تطيب حياتهم وأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة، أو قناعة فذلك كمال، وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب وجاء قوله فَلَنُحْيِيَنَّهُ على لفظ مَنْ، وقوله وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ على معناها، وهذا وعد بنعيم الجنة، وباقي الآية بين، وحكى الطبري عن أبي صالح أنه قال: نزلت هذه الآية بسبب قوم من أهل الملل تفاخروا، وقال كل منهم ملتي أفضل، فعرفهم الله تعالى في هذه الآية أفضل الملل.

صفحة رقم 419
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية