
بأصوافها إلى أن يموتوا، ويقال: إلى الحين بعد الحين (١).
٨١ - قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد ظلال الغمام والسحاب (٢)؛ كما قال: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ [البقرة: ٥٧] يريد لتقيكم من حر الشمس ومن شدة البرد، وقال الكلبي: ﴿مِمَّا خَلَقَ﴾ يعني البيوت (٣)، وقال قتادة: يعني الشجر (٤)، واختاره الزجاج. فقال: أي جعل لكم من الشجر ما تَسْتَظِلُّون به (٥) (٦).
وقوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾ قالوا: يعني الغيران والأسْرَاب (٧)، وواحد الأَكْنَان كِنٌّ، على قياس حِمْل
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١١٢. بنصه.
(٢) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٧٧، وأبي حيان ٥/ ٥٢٤، و"تفسير الألوسي" ١٤/ ٢٠٥
(٣) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٧٧، وأبي حيان ٥/ ٥٢٤، و"تفسير الألوسي" ١٤/ ٢٠٥
(٤) أخرجه الطبري ١٤/ ١٥٥ بلفظه من طريقين، ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٤٥ بلفظه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٧٧، وأبي حيان ٥/ ٥٢٤، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٣٨، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢١٥، بنصه.
(٦) هذه الأقوال -في معنى الظلال- من اختلاف التنوع، ولا يجوز تخصيصها بأي منها، والأَوْلَى حَمْلُه على العموم؛ لعدم وجود مخصص، ولكونه جاء على سبيل الامتنان، والمنّة حاصلة بكل ذلك، لذلك فالأرجح ما قاله أبو سليمان الدمشقي: إنه كل شيء له ظل؛ من حائط، وسقف، وشجر، وجبل، وغير ذلك. "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٧٧.
(٧) ورد في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٤٥، بنصه، والثعلبي ٢/ ١٦١ أ، بنصه، وانظر: =

وأَحْمَال (١)، والكِنُّ: كل شيء وقى شيئًا، ويقال: اسْتَكَنَّ واكْتَنَّ، إذا صار في كِنّ (٢) (٣) ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ السرابيل: القُمُص، واحدها سربال (٤)، قال الفراء: سَرْبَلْتُ الرجلَ إذا لَبَّسْتَه سَرْبَلَةً وسِرْبَالًا (٥)، وأنشد:
عَمّى أبو مالك بالمجدِ سَرْبَلَني | ودَنَّس العبد عبد القيس سربالي (٦) |
(١) ورد في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢١٥، بنصه.
(٢) ورد في "تهذيب اللغة" (كن) ٤/ ٣١٩٦، بنصه، وهو قول الليث.
(٣) انظر: (كن) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٩٦، و"المحيط في اللغة" ٦/ ١٤٤، و"الصحاح" ٦/ ٢١٨٨، و"اللسان" ٧/ ٣٩٤٢، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٩٣، بنصه بلا نسبة.
(٤) انظر: (سربل) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٦٤، و"الصحاح" ٥/ ١٧٢٩، و"اللسان" ٤/ ١٩٨٣، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٩٣، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٦٠.
(٥) ليس في معانيه.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢١٥، بنصه. (جوشن): درع أو زَرَدٌ يُلْبَس على الصدر، والجمع: جواشن. انظر: "متن اللغة" ١/ ٦٠٣.

والقطن والصوف (١)، قال الفراء: ولم يقل: والبرد، وهي تقي الحرّ والبرد، فترك؛ لأن معناه معلوم (٢)، قال الزجاج: ولم يقل: وتقيكم البردَ؛ لأن ما وَقَى من الحرّ وَقَى من البرد (٣)، فعندهما أنه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لدلالة المذكور على الآخر، وقال عطاء الخرساني: الذين خوطبوا بهذا أهل حَرّ في بلادهم فحاجتهم إلى ما يقي الحرّ أشد، لذلك لم يذكر البرد؛ لأن القوم خُوطبوا على قدر معرفتهم، كما قال: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا﴾: وما جعل من غير ذلك أعظم، ولكنهم كانوا أصحابَ وَبَر وشَعَر، وكذلك قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ [النور: ٤٣] يُعَجِّبُهم بذلك، وما أنزل من الثلج أعظم ولكنهم كانوا لا يعرفونه (٤)، قال المبرد: والقرآن قد أحاط بمن يخاطب وبمن يكون بعده، وأحاط بالغائب كما أحاط بالحاضر، ولكن العرب من شأنها إذا كان
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١١٢، بنصه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١١٢، بنصه.
(٤) أخرجه الطبري ١٤/ ١٥٣ - ١٥٥ بنصه تقريبًا مع تقديم وتأخير، وورد في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٩٨، مختصرًا، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦١أ، بنصه تقريبًا مع تقديم وتأخير، و"تفسير الماوردي" ٣/ ٢٠٧، مختصرًا، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٣٦، والفخر الرازي ٢٠/ ٩٣، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٦٠، والخارن ٣/ ١٢٩، وابن كثير ٢/ ٦٣٩، وهذا القول هو الذي رجَّحه الطبري.