آيات من القرآن الكريم

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

ولما كانت الأسفار بعد ذلك، تلاه بقوله تعالى: ﴿وتحمل﴾ أي الأنعام ﴿أثقالكم﴾ أي أمتعتكم مع المشقة ﴿إلى بلد﴾ أي غير بلدكم أردتم السفر إليه ﴿لم تكونوا﴾ - أي كوناً أنتم مجبولون عليه - قادرين على حملها إليه، وتبلغكم - بحملها لكم - إلى بلد لم تكونوا ﴿بالغيه﴾ بغير الإبل ﴿أي بشق﴾ أي بجهد ومشقة وكلفة ﴿الأنفس﴾ ويجوز أن يكون المعنى: لم تبلغوه بها، فكيف لو لم تكن موجودة؛ والشق: أحد نصفي الشيء، كأنه كناية عن ذهاب نصف القوة لما يلحق من الجهد؛ والآية من الاحتباك: ذكر حمل الأثقال أولاً دليلاً على حمل الأنفس ثانياً، وذكر مشقة البلوغ ثانياً دليلاً على مشقة الحمل أولاً.
ولما كان هذا كله من الإحسان في التربية، ولا يسخره للضعيف إلا البليغ في الرحمة، وكان من الناس من له من أعماله سبب لرضى ربه، ومنهم من أعماله كلها فاسدة،

صفحة رقم 109

قال: ﴿إن ربكم﴾ أي الموجد لكم والمحسن إليكم ﴿لرؤوف﴾ أي بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بما يرضيه ﴿رحيم *﴾ أي بليغ الرحمة بسبب وبغير سبب.
ولما كانت الأنعام أكثر أموالهم، مع أن منافعها أكثر، بدأ بها ثم ثنى بما هو دونها، مرتباً له على الأشراف فالأشراف، فقال تعالى: ﴿والخيل﴾ أي الصاهلة ﴿والبغال﴾ أي المتولدة بينها وبين الحمر ﴿والحمير﴾ أي الناهقة.
ولما كان الركوب فعل المخاطبين، وهو المقصود بالنفعة، ذكره باللام التي هي الأصل في التعليل فقال: ﴿لتركبوها﴾ ولما كانت الزينة تابعة للمنفعة، وكانت فعلاً لفاعل الفعل المعلل، نصبت عطفاً على محل ما قبلها فقال: ﴿وزينة﴾.
ولما دل على قدرته بما ذكر في سياق الامتنان، دل على أنها لا تتناهى في ذلك السياق، فنبه على أنه خلق لهم أموراً لو عدها لهم لم يفهموا المراد على سبيل التجديد والاستمرار في الدنيا

صفحة رقم 110

والآخرة ﴿ما لا تعلمون *﴾ فلا تعلمون له موجداً غيره ولا مدبراً سواه.

صفحة رقم 111
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن، برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي
الناشر
دار الكتاب الإسلامي، القاهرة
عدد الأجزاء
22
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية