آيات من القرآن الكريم

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ

ولا محالة، وقالت فرقة: معناها حق أن الله، ومذهب سيبويه أن لا، نفي لما تقدم من الكلام، وجَرَمَ معناه حق ووجب، ونحو هذا، هذا هو مذهب الزجاج، ولكن مع مذهبهما لا ملازمة ل جَرَمَ لا تنفك هذه من هذه، وفي جَرَمَ لغات قد تقدم ذكرها في سورة هود، وأنشد أبو عبيدة: / جرمت فزارة/ وقال معناها حقت عليهم وأوجبت أن يغضبوا، وأَنَّ على مذهب سيبويه فاعلة ب جَرَمَ، وقرأ الجمهور «أن»، وقرأ عيسى الثقفي «إن» بكسر الألف على القطع، قال يحيى بن سلام والنقاش: المراد هنا بما يسرون مشاورتهم في دار الندوة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عام في الكافرين والمؤمنين، فأخذ كل واحد منهم بقسطه، وفي الحديث «لا يدخل الجنة وفي قلبه مثقال حبة من كبر»، وفيه «أن الكبر منع الحق وغمص الناس». ويروى عن الحسن بن علي أنه كان يجلس مع المساكين ويحدثهم، ثم يقول إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وروي في الحديث «أنه من سجد لله سجدة من المؤمنين فقد برىء من الكبر». وقوله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ الآية، الضمير في لَهُمْ لكفار مكة، ويقال إن سبب الآية كان النضر بن الحارث، سافر عن مكة إلى الحيرة وغيرها، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال ككليلة ودمنة، وأخبار السندباد، ورستم، فجاء إلى مكة، فكان يقول: إنما يحدث محمد بأساطير الأولين، وحديثي أجمل من حديثه، وقوله ماذا يجوز أن تكون «ما» استفهاما، و «ذا» بمعنى الذي، وفي أَنْزَلَ ضمير عائد، ويجوز أن يكون «ما» و «ذا» اسما واحدا مركبا، كأنه قال: أي شيء وقوله أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ليس بجواب على السؤال لأنهم لم يريدوا أنه نزل شيء ولا أن تم منزلا، ولكنهم ابتدوا الخبر بأن هذه أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وإنما الجواب على السؤال، قول المؤمنين في الآية المستقبلة خَيْراً [النحل: ٣٠] وقولهم: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ إنما هو جواب بالمعنى، فأما على السؤال وبحسبه فلا، واللام في قوله لِيَحْمِلُوا يحتمل أن تكون لام العاقبة لأنهم لم يقصدوا بقولهم أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «ليحملوا الأوزار»، ويحتمل أن يكون صريح لام كي، على معنى قدر هذا، ويحتمل أن تكون لام الأمر، على معنى الحتم عليهم بذلك، والصغار الموجب لهم، و «الأوزار» الأثقال، وقوله وَمِنْ للتبعيض، وذلك أن هذا الواهن المضل يحمل وزر نفسه كاملا ويحمل وزرا من وزر كل مضل بسببه ولا تنقص أوزار أولئك، وقوله بِغَيْرِ عِلْمٍ يجوز أن يريد بها المضل أي أضل بغير برهان قام عنده، ويجوز أن يريد بِغَيْرِ عِلْمٍ من المقلدين الذين يضلون، ثم استفتح الله تعالى الإخبار عن سوء ما يتحملونه للآخرة، وأسند الطبري وغيره في معنى هذه الآية حديثا، نصه «أيما داع دعا إلى ضلالة فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، وأيما داع دعا إلى الهدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» وساءَ فعل مسند إلى ما، ويحتاج في ذلك هنا إلى صلة.
قوله عز وجل:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧)

صفحة رقم 387

قال ابن عباس وغيره من المفسرين: الإشارة ب الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إلى نمرود الذي بنى صرحا ليصعد فيه إلى السماء على زعمه، فلما أفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش، بعث الله عليه رمحا فهدمته، «وخر سقفه» عليه وعلى أتباعه، وقيل: جبريل هدمه بجناحه وألقى أعلاه في البحر وانحقف من أسلفه، وقالت فرقة أخرى: المراد ب الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جميع من كفر من الأمم المتقدمة ومكر ونزلت فيه عقوبة من الله تعالى، وقوله على هذا فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ إلى آخر الآية، تمثيل وتشبيه، أي حالهم بحال من فعل به هذا، وقالت فرقة: المراد بقوله فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ أي جاءهم العذاب من قبل السماء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ينحو إلى اللعن، ومعنى قوله مِنْ فَوْقِهِمْ رفع الاحتمال في قوله فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ فإنك تقول انهدم على فلان بناؤه وهو ليس تحته، كما تقول: انفسد عليه متاعه، وقوله مِنْ فَوْقِهِمْ ألزم أنهم كانوا تحته. وقوله فَأَتَى أي أتى أمر الله وسلطانه، وقرأ الجمهور «بنيانهم»، وقرأت فرقة «بنيتهم»، وقرأ جعفر بن محمد «بيتهم»، وقرأ الضحاك «بيوتهم»، وقرأ الجمهور «السقف» بسكون القاف، وقرأت فرقة بضم القاف وهي لغة فيه، وقرأ الأعرج «السّقف» بضم السين والقاف، وقرأ مجاهد «السّقف» بضم السين وسكون القاف، وقوله ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية، ذكر الله تعالى في هذه الآية المتقدمة حال هؤلاء الماكرين في الدنيا، ثم ذكر في هذه حالهم في الآخرة وقوله يُخْزِيهِمْ لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم، وذلك كله راجع إلى إدخالهم النار، وهذا نظير قوله رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: ١٩٢]. وقوله أَيْنَ شُرَكائِيَ توبيخ لهم وأضافهم إلى نفسه في مخاطبة الكفار أي على زعمكم ودعواكم، قال أبو علي: وهذا كما قال الله تعالى حكاية ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: ٤٩] وكما قال يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزخرف: ٤٩].
قال القاضي أبو محمد: والإضافات تترتب معقولة وملفوظا بأرق سبب، وهذا كثير في كلامهم، ومنه قول الشاعر:

إذا قلت قدني قال تالله حلفة لتغني عني ذا إنائك أجمعا
فأضاف الإناء إلى حابسه، وقرأ البزي عن ابن كثير «شركاي» بقصر الشركاء، وقرأت فرقة «شركاءي» بالمد وياء ساكنة، وتُشَاقُّونَ معناه تحاربون وتحارجون، أي تكون في شق والحق في شق، وقرأ الجمهور «تشاقون» بفتح النون، وقرأ نافع وحده بكسر النون، ورويت عن الحسن بخلاف وضعف هذه القراءة أبو حاتم، وقد تقدم القول في مثله في الحجر في تُبَشِّرُونَ [الحجر: ٥٤]، وقرأت فرقة «تشاقونّي» بشد النون وياء بعدها، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين، وقال يحيى بن سلام: هم المؤمنون وهذا الخطاب منهم يوم القيامة.

صفحة رقم 388
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية