آيات من القرآن الكريم

فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

٨٤ - وقوله تعالى: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ﴾ أي ما دفع عنهم الضر، ﴿مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد من الأموال والأنعام والثمار (١).
وقال الكلبي: ما كانوا يعملون (٢).
قال المفسرون: أي من أعمالهم القبيحة (٣).
٨٥ - قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ قال ابن عباس: يريد الثواب والعقاب، وقال في قوله: ﴿مَا خَلَقَ الله ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [يونس: ٥] يريد بالعدل والثواب والعقاب، يفسر ذلك العدل الذي ذكره. قال أهل المعاني: يعني أن الأمم التي ذكرها كفروا بالله وكذبوا رسله فأهلكهم؛ لأنه خلق السموات والأرض بالحق، أي بالعدل، وهو أن يثيب المصدق ويعذب المكذب (٤).
ثم قال لنبيه: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ﴾ قال ابن عباس: يريد عن المشركين. ﴿الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾، قال الكلبي: يقول أعرض إعراضًا جميلًا بغير فحش ولا جزع (٥)، كأنه يقول: إن القيامة تأتي فَيُجازَوْنَ بقبيح أعمالهم فاصفح الآن.

(١) ورد غير منسوب في: "تفسير الوسيط"، تحقيق: سيسي ٢/ ٣٦٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١٢، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٣، وابن كثير ٢/ ٦١٢، وصديق خان ٧/ ١٩٢.
(٢) "تنوير المقباس" ص ٢٨٠ بنحوه.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٤/ ٥١، والثعلبي ٢/ ١٥٠ أ، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٨٩، والخازن ٣/ ١٠١، وصديق خان ٧/ ١٩٢.
(٤) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤١٢، والخازن ٣/ ١٠١، والبقاعي ٤/ ٢٣٤.
(٥) "تنوير المقباس" ص ٢٨٠ بنصه، وورد بنحوه وبمعناه غير منسوب في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٢٤، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن الجوزي ٤/ ٤١٢، والفخر الرازي ١٩/ ٢٠٦، والبقاعي ٤/ ٢٣٤، وأبي السعود ٥/ ٨٨.

صفحة رقم 644

قال المفسرون: والصفح منسوخ بآية السيف (١).

(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٨ب، والطبري ١٤/ ٥١ عن قتادة والضحاك ومجاهد وسفيان بن عيينة، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢/ ٤٨٢ عن ابن عباس وقتادة، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٧، و"تفسير هود الهواري" ٢/ ٣٥٤، والثعلبي ٢/ ١٥٠ ب، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي ص ٣٢٩ عن قتادة، "تفسير الماوردي" ٣/ ١٧٠، والطوسي ٦/ ٣٥٢، و"تفسير البغوي" ٤/ ٣٩٠، والزمخشري ٢/ ٣١٨، وابن عطية ٨/ ٣٤٩، وابن الجوزي ٤/ ٤١٢، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص ١٨٤ عن مجاهد وقتادة، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٥٤، وابن كثير ٢/ ٦١٢، ذكر القائلون بالنسخ في هذه الآية، أنها نُسخت بآيات السيف والقتال وبراءة. ودعوى النسخ بآية السيف -كما مرّ في الدراسة- قد توسع فيها المفسرون، فنسخوا بها كثيرًا من الآيات التي تظهر سماحة الإسلام، ومداراة أهل الكفر والنفاق، والحث على الصبر وتحمل الأذى عند الضعف، ومن ذلك هذه الآية، وفي دعوى نسخها نظر؛ لعدم ثبوته عن الصحابة بطريق صحيح، فلم يَنسبه إلا النحاس إلى ابن عباس، ومع كونه من المبالغين في دعاوى النسخ -كما قال الزرقاني- فقد أورد الخبر بصيغة التمريض، ويؤيد القول ببطلان دعوى النسخ في هذه الآية، أنه لا تعارض بين الدعوة إلى الصفح الجميل والقتال -كما قال الجمل- لأن مورد الآيتين مختلف، فالمسالمة مطلوبة عند الضعف، والمسايفة مطلوبة عند القوة، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدماً، فانتفاء الحكم لانتفاء علته لا يعد نسخاً، بل حتى مع توفر القوة فإن العفو عند المقدرة والصفح الجميل مع الأعداء خُلق محمود، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح مع كفار قريش، ولهذا أنكر الفخر الرازي النسخ في هذه الآية، وقال: وقيل هو منسوخ بآية السيف، وهو بعيد؛ لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح، فكيف يصير منسوخاً؟! انظر: "البرهان في علوم القرآن" ٢/ ٤٠ - ٤٣، "تفسير الفخر الرازي" ١٩١/ ٢٠٦، "حاشية الجمل على الجلالين" ٢/ ٥٥٣، "مناهل العرفان" ٢/ ١٥٠.

صفحة رقم 645
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
عدد الأجزاء
1