آيات من القرآن الكريم

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)
إن القضية بين الفلاسفة الطبيعيين، والدين الإسلامي في أصل الخلق أن الطبيعيين يقولون - باطلا -: إن الأشياء كانت من العقل الأول كما يكون المعلول من علته. وإن ذلك يقتضي جدلا وحدة المخلوقات جنسًا وشكلا وحقيقة، ولكنها متغايرة في كل شيء، متغايرة في طبعها وشكلها وطعومها وألوانها مما يدل على أن لها خالق مدبر فعال لما يريد، مبدع على غير مثال ولا محاذاة.
(وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ متَجَاوِرَاتٌ) بعضها طيب تخرج نباتها، وبعضها سبخة لا تخرج زرعا، وبعضها صخري، وبعضها رملي، وبعضها صالح للزرع دون الغراس، وبعضها صالح لها. وإنه لَا يخصص هذه لهذه الصفة، وللأخرى غيرها إلا للطيف الخبير مبدع السماوات والأرض، فدل هذا على وجود المنشئ المدبر لهذا الكون، الذي يغير ويبدل بإرادة مبدعة.
وفوق هذا، هذه الأرض المتدانية المتقاربة تسقى بماء واحد، ويختلف بعضها عن بعض في الأكل مع أن التربة تكون أحيانا واحدة، وتسقى بماء واحد، وتبذر بها بذور واحدة ورعايتها واحدة، ومع ذلك تأتي إحداها بالخير الوفير وإحداها لا يكون فيها الخير الكثير، فدل هذا على أن هناك مريدا يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، وكل عنده بمقدار، وكلّ بوقت معلوم، ولِحِكَم يعلمها اللطيف الخبير.

صفحة رقم 3896

(وَجَنَّاتٌ منْ أَعْنَابٍ) انتقل البيان من الأرْض إلى ما تثمره، وما تأتي به من خير، وابتدأ بجنات الأعناب؛ لأنها كانت أحب الثمار إليهم، يتخذون منها سكَرا ورزقا حسنا، ولأنها سهلة لينة، ولأنها أطيب ما تخرجه الأرض العربية.
(وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) هذا إحصاء من غير استقراء لبعض ما ينتج في الأرض العربية وغيرها من الأرضين، وهي متنوعة، فزروع مختلفة من حبوب وبقول، ومختلفة الأنواع، وتخرج مختلفة في طعومها، ونوعها، وإشباعها للحاجات المختلفة ففيها اللين، وفيها الصلب، وذكر الجنات من الأعناب رمز لغيرها من أنواع الثمار كالرمان والخوخ وغيرها.
(صِنْوَانٌ وَغَيْر صِنْوَانٍ) النخلات، أو النخلتان اللتان تخرجان من أصل واحد، أي النخيل سواء أكان مجتمعا من أصل واحد، أم كان متفرقا، وفي هذا إشارة إلى أنه لو كانت مخلوقة بالطبع أو بالعلة ما اختلفت صنوانًا وغير صنوان.
ثم بين سبحانه اتحاد سبب الإنتاج فقال: (يُسْقَى بِمَاءِ وَاحِد)، أي أن التربة واحدة، والبذر واحد، والسقي واحد، ومع ذلك يفضل بعَضها على بعض في الأكل ما بين حلو ومر، ورديء وجيد، وغير ذلك مما هو مختلف؛ ولذا قال تعالى: (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) والأُكُل هو الثمر.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (ذلك) إشارة إلى الاختلاف مع أن قطع الأرض متجاورة، وأن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل - الممتدة الجذور وتسقى بماء واحد - وهو صنوان وغير صنوان، في كل ذلك آيات مبينة لقدرة الخالق، لقوم يعملون عقولهم ويدركون أن هذا يدل على خالق مختار فعال لما يريد.
* * *

صفحة رقم 3897

إنكار البعث أعجب العجب
(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)
* * *
الخطاب للنبي - ﷺ -، وقيل الخطاب لكل من يقرأ القرآن، والأول أولى لأنه جاء بعد ذلك (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) والاستعجال منهم لَا يكون إلا للنبي - ﷺ -.
ومعنى النص السامي: وإن يكن من شأنك يا محمد أن تعجب من أمر فالأمر الجدير بالعجب، أو هو أجدر الأمور بالعجب، فهو قولهم

صفحة رقم 3898
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية