
﴿سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال﴾ قوله تعالى: ﴿سواءٌ منكم مَن أسَرَّ القول ومَن جَهَرَ به﴾ إسرار القول: ما حدّث به نفسه، والجهر ما حَدّث به غيره. والمراد بذلك أنه تعالى يعلم ما أسره الإنسان من خير وشر. ﴿ومَن هو مستخفٍ بالليل وساربٌ بالنهار﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعلم من استخفى بعمله في ظلمة الليل، ومن أظهره في ضوء النهار. الثاني: يرى ما أخفته ظلمة الليل كما يرى ما أظهره ضوء النهار، بخلاف المخلوقين الذين يخفي عليهم الليل أحوال أهلهم. قال الشاعر:
(وليلٍ يقول الناسُ في ظلُماتِه | سَواءٌ صحيحات العُيون وعورها) |

بالعشي، والسروج بالغداة، قال قيس بن الخطيم:
(أنَّى سَرَبْتِ وكُنْتِ غير سروب | وتقرب الأحلام غير قريب) |

الثاني: يحفظونه من الجن والهوام المؤذية ما لم يأت قدر، قاله أبو مالك وكعب الأحبار. وإن قيل بالقول الثالث: وهو الأشبه: أن المعقبات الملائكة ففيما أريد بحفظهم له وجهان: أحدهما: يحفظون حسناته وسيئاته بأمر الله. الثاني: يحفظون نفسه. فعلى هذا في تأويل قوله تعالى ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: يحفظونه بأمر الله، قاله مجاهد. الثاني: يحفظونه من أمر الله حتى يأتي أمر الله، وهو محكي عن ابن عباس. الثالث: أنه على التقديم والتأخير وتقديره: له معقبات من أمر الله تعالى يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، قاله إبراهيم. وفي هذه الآية قولان: أحدهما: أنها عامة في جميع الخلق، وهو قول الجمهور. الثاني: أنها خاصة نزلت في رسول الله ﷺ حين أزمع عامر بن الطفيل وأريد بن ربيعة أخو لبيد على قتل رسول الله ﷺ فمنعه الله عز وجل منهما وأنزل هذه الآية فيه، قاله ابن زيد. ﴿إنَّ الله لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيِّرُوا ما بأنفسِهم﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أن الله لا يغير ما بقوم من نعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من معصية. الثاني: لا يغير ما بهم من نعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة. ﴿وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا فلا مرد له﴾ فيه وجهان:
صفحة رقم 99
أحدهما: إذا أراد الله بهم عذاباً فلا مرد لعذابه. الثاني: إذا أراد بهم بلاء من أمراض وأسقام فلا مرد لبلائه. ﴿وما لهم مِن دونه من وال﴾ فيه وجهان: أحدهما: من ملجأ وهو معنى قول السدي. الثاني: يعني من ناصر، ومنه قول الشاعر:
٨٩ (ما في السماء سوى الرحمن من والِ} ٩