آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ

وَيَتَسَلَّى بِهِ عَنْ وَلَدِهِ الَّذِي فَقَدَهُ فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ أَيْ بَدَلَهُ يَكُونُ عِنْدَكَ عِوَضًا عنه، إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي الْعَادِلِينَ الْمُنْصِفَيْنِ الْقَابِلَيْنِ لِلْخَيْرِ، قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ أَيْ كَمَا قُلْتُمْ وَاعْتَرَفْتُمْ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ أي إن أخذنا بريئا بسقيم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَمَّا يَئِسُوا مِنْ تَخْلِيصِ أَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ الَّذِي قَدِ الْتَزَمُوا لِأَبِيهِمْ بِرَدِّهِ إِلَيْهِ، وَعَاهَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ خَلَصُوا أَيِ انْفَرَدُوا عَنِ النَّاسِ نَجِيًّا يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قالَ كَبِيرُهُمْ وَهُوَ رُوبِيلُ، وَقِيلَ: يَهُوذَا، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْبِئْرِ عند ما هَمُّوا بِقَتْلِهِ، قَالَ لَهُمْ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَرُدُّنَّهُ إِلَيْهِ فَقَدْ رَأَيْتُمْ كَيْفَ تَعَذَّرَ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَكُمْ مِنْ إِضَاعَةِ يُوسُفَ عَنْهُ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ أَيْ لَنْ أُفَارِقَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ رَاضِيًا عَنِّي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي قِيلَ: بِالسَّيْفِ، وَقِيلَ: بِأَنْ يُمَكِّنَنِي مِنْ أَخْذِ أَخِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُخْبِرُوا أَبَاهُمْ بِصُورَةِ مَا وَقَعَ، حَتَّى يَكُونَ عُذْرًا لَهُمْ عِنْدَهُ، وَيَتَنَصَّلُوا إِلَيْهِ وَيَبْرَءُوا مِمَّا وَقَعَ بِقَوْلِهِمْ وَقَوْلُهُ: وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ قال قتادة وعكرمة: ما علمنا أَنَّ ابْنَكَ سَرَقَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: مَا عَلِمْنَا فِي الْغَيْبِ أنه سرق لَهُ شَيْئًا، إِنَّمَا سَأَلَنَا مَا جَزَاءُ السَّارِقِ؟ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها: قِيلَ الْمُرَادُ مِصْرُ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ غَيْرُهَا، وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أَيِ الَّتِي رَافَقْنَاهَا، عَنْ صِدْقِنَا وَأَمَانَتِنَا وَحِفْظِنَا وَحِرَاسَتِنَا، وَإِنَّا لَصادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرْنَاكَ بِهِ من أنه سرق وأخذوه بسرقته.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٣ الى ٨٦]
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٦)
قَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ لَهُمْ حِينَ جَاءُوا عَلَى قَمِيصِ يُوسُفَ بِدَمٍ كَذِبٍ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا جَاءُوا يعقوب وأخبروه بما جرى، اتهمهم فظن أَنَّهَا كَفَعْلَتِهِمْ بِيُوسُفَ، قَالَ: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ «١» وقال بعض

(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٢٧٤.

صفحة رقم 346

النَّاسِ: لَمَّا كَانَ صَنِيعُهُمْ هَذَا مُرَتَّبًا عَلَى فِعْلِهِمُ الْأَوَّلِ، سُحِبَ حُكْمُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَصَحَّ قَوْلُهُ:
بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ثُمَّ تَرَجَّى مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَوْلَادَهُ الثَّلَاثَةَ:
يُوسُفَ وَأَخَاهُ بِنْيَامِينَ وَرُوبِيلَ الَّذِي أَقَامَ بِدِيَارِ مِصْرَ يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ فِيهِ، إِمَّا أَنْ يَرْضَى عَنْهُ أَبُوهُ، فَيَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ أَخَاهُ خُفْيَةً، وَلِهَذَا قَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ أَيِ الْعَلِيمُ بِحَالِي، الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ.
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ أَيْ أَعْرَضَ عَنْ بَنِيهِ، وَقَالَ مُتَذَكِّرًا حُزْنَ يُوسُفَ الْقَدِيمَ الْأَوَّلَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ جَدَّدَ لَهُ حُزْنُ الِابْنَيْنِ الْحُزْنَ الدَّفِينَ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ:
أنبأنا الثَّوْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ العُصْفُريُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الِاسْتِرْجَاعَ «١»، أَلَّا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ «٢» أَيْ سَاكِتٌ لَا يَشْكُو أَمْرَهُ إِلَى مَخْلُوقٍ، قَالَهُ قتادة وغيره. وقال الضحاك: فهو كظيم كئيب حزين.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْأَلُونَكَ بِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، فَاجْعَلْنِي لَهُمْ رَابِعًا، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: أَنْ يَا دَاوُدُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ بِسَبَبِي فَصَبَرَ، وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ، وَإِنَّ إسحاق بذل مهجة دمه بِسَبَبِي فَصَبَرَ، وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ، وَإِنَّ يعقوب أخذت منه حبيبه فابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَصَبَرَ، وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ». وَهَذَا مُرْسَلٌ وَفِيهِ نَكَارَةٌ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ هُوَ الذَّبِيحُ، وَلَكِنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ لَهُ، مَنَاكِيرُ وَغَرَائِبُ كَثِيرَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَقْرَبُ مَا فِي هَذَا أَنْ الأحنف بن قيس رحمه الله حكاه عن بعض بَنِي إِسْرَائِيلَ كَكَعْبٍ وَوَهْبٍ وَنَحْوِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فإن بني إسرائيل يَنْقُلُونَ أَنَّ يَعْقُوبَ كَتَبَ إِلَى يُوسُفَ لَمَّا احْتَبَسَ أَخَاهُ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ يَتَلَطَّفُ لَهُ فِي رد ابنه، وَيَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مُصَابُونَ بِالْبَلَاءِ، فَإِبْرَاهِيمُ ابْتُلِيَ بِالنَّارِ، وَإِسْحَاقُ بِالذَّبْحِ، وَيَعْقُوبُ بِفِرَاقِ يُوسُفَ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ لَا يَصِحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَقَّ لَهُ بَنُوهُ.
وَقَالُوا لَهُ عَلَى سَبِيلِ الرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ أَيْ لَا تُفَارِقُ تَذَكُّرَ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أي ضَعِيفَ الْقُوَّةِ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ يَقُولُونَ إن اسْتَمَرَّ بِكَ هَذَا الْحَالُ خَشِينَا عَلَيْكَ الْهَلَاكَ والتلف الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
أَيْ أَجَابَهُمْ عَمَّا قالوا بقوله: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي
أَيْ هَمِّي وَمَا أَنَا فِيهِ لَى اللَّهِ
وحده، أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ

(١) الاسترجاع: أي القول: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ»، إذا نزلت مصيبة.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٢٧٦.

صفحة رقم 347
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية