
بأنهم لا يظلمون أحدًا ولا يرزأون شيئًا لأحد في سفرهم، ولا يعيثون في بستان أحد ولا زرعه، حتى يُرْوَى أنهم قد كمَّموا (١) أفواه إبلهم لئلا تعيث (٢) في زرع، ومن كانت هذه صفته فهو غير قاصد لفساد.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ وذلك أنهم لما وجدوا بضاعتهم (في رحالهم لم يستحلوا أخذها وبادروا بردها، قالوا: فلو كنا سارقين لم نردد بضاعتكم) (٣) حين أصبناها مع أمتعتنا، ومن رد ما وجده كيف يكون سارقًا.
٧٤ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ﴾ أي ما جزاء السرق إن كنتم كاذبين في قولكم: (ما كنا سارقين)، وقد سبق من الكلام ما يدل على السرق.
٧٥ - وقوله تعالى: ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ قال ابن عباس (٤) والمفسرون (٥): كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته، وكان استعباد السراق لهم يجري مجرى القطع لنا، فلذلك قالوا: جزاؤه في وُجد في رحله، أي: جزاء السَّرَق من وجد السرق في رحله ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ أي فالسارق جزاء السرق.
(١) في (أ)، (ج): (كعموا).
(٢) في (ب): (تعبث).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج) وهو في (ب).
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٣٢٦، والطبري ١٣/ ٢٢، وابن المنذر عن الكلبي كما في "الدر" ٤/ ٥١، و"تنوير المقباس" ص ١٥٢، و"زاد المسير" ٤/ ٢٦٠.
(٥) الطبري ١٣/ ٢٢، الثعلبي ٧/ ٩٧ ب، البغوي ٤/ ٢٦١، ابن عطية ٨/ ٣٠، و"زاد المسير" ٤/ ٥١، القرطبي ٩/ ٢٣٤، ابن كثير ٢/ ٥٣٢.

قال أبو إسحاق (١): جزاؤه ابتداء، و (من وجد في رحله) الخبر والمعنى: حزاء السارق الإنسان الموجود في رحله المسروق، ويكون قوله ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ زيادة في الإبانة [كما تقول: جزاء السارق القطع فهو جزاؤه، فتذكر (فهو جزاؤه) زيادة في الإبانة] (٢).
قال: ويجوز أن يكون قوله: ﴿مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ جملة في موضع خبر الابتداء والعائد منها إلى الابتداء جزاؤه التي بعد، فهو كأنه قيل: قالوا جزاؤه من وجد في رحله، فهو هو، أي: فهو الجزاء، وهو كناية عن السارق، أي فالسارق جزاؤه، ولكن الإظهار كان أحسن هاهنا لئلا (٣) يقع في الكلام لبس، ولئلا يتوهم أن (هو) إذا (٤) عادت ثانية فليست براجعة على الجزاء، والعرب إذا فَخَّمتْ (٥) أمرًا جعلت العائد عليه إعادة لفظه بعينه.
أنشد النحويون (٦):
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) في (أ)، (ب)، (ج): (لئن لا)، وما ذكرته في (ي) وهو في "معاني القرآن للزجاج" ٣/ ١٢١.
(٤) في (ج) "ذا" من غير ألف.
(٥) في الزجاج: "إذا أقحمت أمر الشيء".
(٦) البيت ينسب لعدي بن زيد وهو في "ديوانه" ص ٦٥، و"الأشباه والنظائر" ٨/ ٣٠، و"شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي / ٣٦، ولسوادة ابنه، ولأمية بن أبي الصلت انظر: "الخزانة" ١/ ١٨٣، و"شواهد المغني" /٢٩٦، و"اللسان" (نغص) ٨/ ٤٤٨٨، وسيبويه ١/ ١٨٣، و"معاني الزجاج" ١/ ٤٥٦، و"شرح شواهد المغني" ص ١٨٦.