آيات من القرآن الكريم

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﰿ

وَالرِّحَالُ: جَمْعُ رَحْلٍ، وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْبَعِيرِ مِنْ مَتَاعِ الرَّاكِبِ، وَلِذَا سُمِّيَ الْبَعِيرُ رَاحِلَةً.
وَالِانْقِلَابُ: الرُّجُوعُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فِي [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ١٤٤].
وَجُمْلَةُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ جَوَابٌ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ اسْتَشْعَرَ بِنَفَاذِ رَأْيِهِ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ غَيْرَ وَاجِدِينَ بِضَاعَةً لِيَبْتَاعُوا بِهَا الْمِيرَةَ لِأَنَّهُ رَأَى مَخَايِلَ الضّيق عَلَيْهِم.
[٦٣، ٦٤]
[سُورَة يُوسُف (١٢) : الْآيَات ٦٣ إِلَى ٦٤]
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)
مَعْنَى مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْكَيْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ بِالطَّعَامِ الْمُعَبَّرِ عَنهُ بالجهاز قرينَة أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْكَيْلِ يَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلِأَنَّ تَرْكِيبَ مُنِعَ مِنَّا يُؤْذِنُ بِذَلِكَ، إِذْ جَعَلُوا الْكَيْلَ مَمْنُوعَ الِابْتِدَاءِ مِنْهُمْ لِأَنَّ مِنْ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ.
وَالْكَيْلُ مَصْدَرٌ صَالِحٌ لِمَعْنَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِسْنَادِ إِلَى الْفَاعِلِ، أَيْ لَنْ نَكِيلَ، فَالْمَمْنُوعُ هُوَ ابْتِدَاءُ الْكَيْلِ مِنْهُمْ. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِمْ مَا يُكَالُ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْكَيْلِ بِطَلَبِهِ، أَيْ مُنِعَ مِنَّا ذَلِكَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّنَا لَا نُمْنَحُهُ إِلَّا إِذَا وَفَّيْنَا بِمَا وَعَدْنَا مِنْ إِحْضَارِ أَخِينَا. وَلِذَلِكَ صَحَّ تَفْرِيعُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا عَلَيْهِ، فَصَارَ تَقْدِير الْكَلَامِ:
مُنِعْنَا مِنْ أَنْ نَطْلُبَ الْكَيْلَ إِلَّا إِذَا حَضَرَ

صفحة رقم 15

مَعَنَا أخونا. فَتعين أَنه حَكَوُا الْقِصَّةَ لِأَبِيهِمْ مُفَصَّلَةً وَاخْتَصَرَهَا الْقُرْآن لظُهُور المرد. وَالْمَعْنَى: إِنْ أَرْسَلْتَهُ مَعَنَا نَرْحَلْ لِلِاكْتِيَالِ وَنَطْلُبْهُ. وَإِطْلَاقُ الْمَنْعِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَجَازٌ، لِأَنَّهُمْ أُنْذِرُوا بِالْحِرْمَانِ فَصَارَ طَلَبُهُمْ مَمْنُوعًا مِنْهُمْ لِأَنَّ طَلَبَهُ عَبَثٌ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَكْتَلْ بِنُونِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ- بِتَحْتِيَّةٍ عِوَضَ النُّونِ- عَلَى أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى أَخانا أَيْ يَكْتَلْ مَعَنَا.
وَجُمْلَةُ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَأَرْسِلْ. وَأَكَّدُوا حِفْظَهُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَبِحَرْفِ التَّوْكِيدِ.
وَجَوَابُ أَبِيهِمْ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنِّي آمَنُكُمْ عَلَيْهِ كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَاذَا أَفَادَ ائْتِمَانُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ حَتَّى آمَنَكُمْ عَلَيْهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ، فَهُوَ يَسْتَفْهِمُ عَنْ وَجْهِ التَّأْكِيدِ فِي قَوْلِهِمْ: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْجُمْلَةِ عَلَى احْتِمَالَيْهَا هُوَ التَّفْرِيعُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً [سُورَة يُوسُف: ٦٤]، أَيْ خَيْرٌ حِفْظًا مِنْكُمْ، فَإِنْ حَفِظَهُ اللَّهُ سَلِمَ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ لَمْ يَسْلَمْ كَمَا لَمْ يَسْلَمْ أَخُوهُ مِنْ قَبْلُ حِينَ أَمِنْتُكُمْ عَلَيْهِ.
وَهُمْ قَدِ اقْتَنَعُوا بِجَوَابِهِ وَعَلِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ مُرْسِلٌ مَعَهُمْ أَخَاهُمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُرَاجِعُوهُ فِي شَأْنه.
وحافِظاً مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ حافِظاً عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهِيَ حَال لَازِمَة.

صفحة رقم 16
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية