آيات من القرآن الكريم

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

وساق لفظة الترك استجلابا لهما عسى أن يتوكأ الترك الحقيقي الذي هو بعد أخذ في الشيء، والقوم المتروكة ملتهم: الملك وأتباعه. وكرر قوله: هُمْ على جهة التأكيد، وحسن ذلك للفاصلة التي بينهما.
وقوله: وَاتَّبَعْتُ الآية، تماد من يوسف عليه السلام في دعائهما إلى الملة الحنيفية، وزوال عن مواجهة- مجلث- لما تقتضيه رؤياه.
وقرأ «آبائي» بالإسكان في الياء الأشهب العقيلي وأبو عمرو، وقرأ الجمهور «آبائي» بياء مفتوحة، قال أبو حاتم: هما حسنتان فاقرأ كيف شئت. وأما طرح الهمزة فلا يجوز، ولكن تخفيفها جيد فتصير ياء مكسورة بعد ياء ساكنة أو مفتوحة.
وقوله: ذلِكَ إشارة إلى ملتهم وشرعهم، وكون ذلك فضلا عليهم بين، إذ خصهم الله تعالى بذلك وجعلهم أنبياء. وكونه فضلا على الناس هو إذ يدعون به إلى الدين ويساقون إلى النجاة من عذاب الله عز وجل.
وقوله مِنْ شَيْءٍ هي مِنْ الزائدة المؤكدة التي تكون مع الجحد. وقوله لا يَشْكُرُونَ يريد الشكر التام الذي فيه الإيمان.
قوله عز وجل:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٢]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)
وصفه لهما ب صاحِبَيِ السِّجْنِ هو: إما على أن نسبهما بصحبتهما للسجن من حيث سكناه- كما قال: أَصْحابُ الْجَنَّةِ [الأعراف: ٤٤، الحشر: ٢٠]، وأَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة: ١١٩] ونحو هذا- وإما أن يريد صحبتهما له في السجن، فأضافهما إلى السجن بذلك، كأنه قال: يا صاحبيّ في السجن، وهذا كما قيل في الكفار إن الأصنام شركاؤهم وعرضه عليهما بطول أمر الأوثان بأن وصفها «بالتفرق»، ووصف الله تعالى ب «الوحدة» و «القهر» تلطف حسن وأخذ بيسير الحجة قبل كثيرها الذي ربما نفرت منه طباع الجاهل وعاندته، وهكذا الوجه في محاجة الجهلة أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها، فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها، ثم كذلك أبدا حتى يصل إلى الحق، وإن أخذ الجاهل بجميع المذهب الذي يساق إليه دفعة أباه للحين وعانده وقد ابتلي بأرباب متفرقين من يخدم أبناء الدنيا ويؤملهم.

صفحة رقم 245

وقوله: إِلَّا أَسْماءً ذهب بعض المتكلمين إلى أنه أوقع في هذه الآية الأسماء على المسميات وعبر عنها بها إذ هي ذوات أسماء.
قال القاضي أبو محمد: والاسم الذي هو ألف وسين وميم- قد يجري في اللغة مجرى النفس والذات والعين، فإن حملت الآية على ذلك صح المعنى، وليس الاسم- على هذا- بمنزلة التسمية التي هي رجل وحجر، وإن أريد بهذه الأسماء التي في الآية أسماء الأصنام التي هي بمنزلة اللات والعزى ونحو ذلك من تسميتها آلهة، فيحتمل أن يريد: إلا ذوات أسماء، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ويحتمل- وهو الراجح المختار إن شاء الله- أن يريد: ما تعبدون من دونه ألوهية ولا لكم تعلق بإله إلا بحسب أن سميتم أصنامكم آلهة، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط لا بالحقيقة، وأما الحقيقة فهي وسائر الحجارة والخشب سواء، فإنما تعلقت عبادتكم بحسب الاسم الذي وضعتم، فذلك هو معبودكم إذا حصل أمركم فعبر عن هذا المعنى باللفظ المسرود في الآية، ومن هذه الآية وهم من قال- في قولنا: رجل وحجر- إن الاسم هو المسمى في كل حال، وقد بانت هذه المسألة في صدر التعليق.
ومفعول «سميتم» الثاني محذوف، تقديره: آلهة، هذا على أن «الأسماء» يراد بها ذوات الأصنام، وأما على المعنى المختار- من أن عبادتهم إنما هي لمعان تعطيها الأسماء وليست موجودة في الأصنام- فقوله سَمَّيْتُمُوها بمنزلة وضعتموها، فالضمير للتسميات، ووكد الضمير ليعطف عليه.
وال سُلْطانٍ الحجة، وقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء، أي فما بالها إذن؟ ويحتمل أن يريد الرد على حكمهم في نصبهم آلهة دون الله تعالى وليس لهم تعدي أمر الله في أن لا يعبد غيره، والْقَيِّمُ معناه: المستقيم. وأَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لجهالتهم وغلبة الكفر.
ثم نادى يا صاحِبَيِ السِّجْنِ ثانية لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب، فروي أنه قال لنبو: أما أنت فتعود إلى مرتبتك وسقاية ربك، وقال لمجلث: أما أنت فتصلب، وذلك كله بعد ثلاث، فروي أنهما قالا له: ما رأينا شيئا وإنما تحالمنا لنجربك وروي أنه لم يقل ذلك إلا الذي حدثه بالصلب وقيل: كانا رأيا ثم أنكرا.
وقرأت فرقة: «يسقي ربه» من سقى، وقرأت فرقة من أسقى، وهما لمعنى واحد لغتان وقرأ عكرمة والجحدري: «فيسقى ربه خمرا» بضم الياء وفتح القاف أي ما يرويه.
وأخبرهما يوسف عليه السلام عن غيب علمه من قبل الله تعالى: إن الأمر قد قضي ووافق القدر.
وقوله: وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ الآية. «الظن» هاهنا- بمعنى اليقين، لأن ما تقدم من قوله:
قُضِيَ الْأَمْرُ يلزم ذلك، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود: وقال قتادة: «الظن» - هنا- على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن.
قال القاضي أبو محمد: وقول يوسف عليه السلام: قُضِيَ الْأَمْرُ دال على وحي ولا يترتب قول

صفحة رقم 246
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية