آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ
ﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، يَقُولُ تَعَالَى ذَاكِرًا لُطْفَهُ وَرَحْمَتَهُ وَعَائِدَتَهُ وَإِنْزَالَهُ الْيُسْرَ فِي حَالِ الْعُسْرِ: إِنَّهُ أَوْحَى إِلَى يُوسُفَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ الضَّيِّقِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ وَتَثْبِيتًا لَهُ، إِنَّكَ لَا تَحْزَنْ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ لَكَ مِنْ ذَلِكَ فَرَجًا وَمُخْرَجًا حَسَنًا، وَسَيَنْصُرُكَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَيُعْلِيكَ وَيَرْفَعُ دَرَجَتَكَ وَسَتُخْبِرُهُمْ بِمَا فَعَلُوا مَعَكَ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ، وَقَوْلُهُ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. قَالَ مُجَاهِدٌ وقتادة: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِيحَاءِ اللَّهِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَتُنْبِئُهُمْ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا فِي حَقِّكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَكَ وَلَا يَسْتَشْعِرُونَ بِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ»
: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَسَدِيُّ عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ إخوة يوسف عليه فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، قَالَ:
جِيءَ بِالصُّوَاعِ «٢» فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذَا الْجَامُ «٣» أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ، يُدْنِيهِ دونكم، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ، قَالَ:
ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ، قال: فَأَتَيْتُمْ أَبَاكُمْ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ وَجِئْتُمْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، قَالَ:
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الْجَامَ لَيُخْبِرُهُ بِخَبَرِكُمْ. قَالَ ابن عباس: فلا نَرَى هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِيهِمْ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٦ الى ١٨]
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يَا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ (١٨)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ إِخْوَةُ يُوسُفَ بَعْدَ مَا أَلْقَوْهُ في غيابة الجب، ثم رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ يَبْكُونَ وَيُظْهِرُونَ الْأَسَفَ وَالْجَزَعَ عَلَى يُوسُفَ وَيَتَغَمَّمُونَ لِأَبِيهِمْ، وَقَالُوا مُعْتَذِرِينَ عَمَّا وَقَعَ فِيمَا زَعَمُوا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ أَيْ نَتَرَامَى، وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا أَيْ ثِيَابِنَا وَأَمْتِعَتِنَا، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ جَزِعَ مِنْهُ وَحَذِرَ عَلَيْهِ.
وقوله: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ تَلَطُّفٌ عَظِيمٌ فِي تَقْرِيرِ مَا يُحَاوِلُونَهُ، يَقُولُونَ: وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تُصَدِّقُنَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَوْ كُنَّا عِنْدَكَ صَادِقِينَ، فَكَيْفَ وَأَنْتَ تَتَّهِمُنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّكَ خَشِيتَ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ، فَأَنْتَ مَعْذُورٌ فِي تَكْذِيبِكَ لَنَا لِغَرَابَةِ مَا وَقَعَ، وَعَجِيبِ مَا اتَّفَقَ لَنَا في أمرنا هذا وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ أَيْ مَكْذُوبٍ مُفْتَرَى، وَهَذَا مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُؤَكِّدُونَ بِهَا مَا تَمَالَئُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَكِيدَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إلى

(١) تفسير الطبري ٧/ ١٥٩.
(٢) الصواع: مكيال، يكال به.
(٣) الجام إناء من فضة.

صفحة رقم 321
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية