آيات من القرآن الكريم

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ

وبما يلقاه المؤمن من نعيم خالد في الآخرة، ولأن الآخرة خير وأبقى. وبما أنه نبيّ لم يطلب أقلّ من مرتبة الأنبياء وكرامتهم، فسأل الله أن يجعله مع الصالحين، وهم الأنبياء والرّسل عليهم السّلام، في ثوابهم ومراتبهم ودرجاتهم.
أما تمني الموت فلم يكن مطلقا، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام، أي إذا جاء أجلي توفّني مسلما، وهذا قول الجمهور، فاللهم اجعل وفاتنا على الإيمان.
ولا يجوز في شريعتنا تمنّي الموت، بدليل ما
ثبت عند الإمام أحمد وفي الصّحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به، فإن كان لا بدّ متمنّيا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرا لي»
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أحمد ومسلم: «لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا».
الفصل التّاسع عشر من قصّة يوسف إثبات نبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم الإخبار عن المغيبات والإعراض عن التّأمل في الآيات ودعوة النّبي إلى التّوحيد
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٨]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)

صفحة رقم 76

الإعراب:
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ.. ذلِكَ: مبتدأ، ومِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ، نُوحِيهِ إِلَيْكَ:
خبران له.
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ.. بِمُؤْمِنِينَ ما: نافية حجازية، وأَكْثَرُ: اسمها، وبِمُؤْمِنِينَ: متعلّق بخبرها. ووَ لَوْ حَرَصْتَ اعتراضية. بَغْتَةً منصوب على الحال، وأصله المصدر.
عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي أَنَا: تأكيد للضمير المستتر في أَدْعُوا وفي عَلى بَصِيرَةٍ لأنه حال من أَدْعُوا ومَنِ اتَّبَعَنِي عطف عليه، يريد: أدعو إليها أنا، ويدعو إليها من اتّبعني. ويجوز أن يكون أَنَا مبتدأ وخبره عَلى بَصِيرَةٍ خبر مقدّم، أي على حجة وبرهان، لا على هوى. هذِهِ سَبِيلِي مبتدأ وخبر.
البلاغة:
وَلَوْ حَرَصْتَ اعتراضية بين اسم ما الحجازية وخبرها، للدّلالة على أن الهداية بيد الله وحده.
وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ على حذف مضاف، أي وما تسألهم على تبليغ القرآن الكريم من أجر.
مُعْرِضُونَ ومُشْرِكُونَ سجع: وهو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير.
المفردات اللغوية:
ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف عليه السّلام، والخطاب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم. مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ أخبار ما غاب عنك يا محمد. لَدَيْهِمْ لدى إخوة يوسف عليه السّلام. إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ في كيده، أي إلقائه في الجبّ، وأَجْمَعُوا: عزموا عليه. وَهُمْ يَمْكُرُونَ به، أي لم تحضرهم، فتعرف قصّتهم، فتخبر بها، وإنما ذلك من تعليم الله تعالى لك، وقوله: وَما كُنْتَ

صفحة رقم 77

لَدَيْهِمْ..
إلخ الآية دليل على صدق الإخبار بالمغيب عنك، والمعنى: هذا النّبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي، لأنك لم تحضر إخوة يوسف عليه السّلام حين عزموا على ما همّوا به من أن يجعلوه في غيابة الجبّ، وهم يمكرون به وبأبيه، ليرسله معهم. ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحدا سمع ذلك، فتعلّمته منه. وإنما حذف هذا الكلام استغناء بذكره في غير هذه القصة مثل:
ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا [هود ١١/ ٤٩].
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ أي أهل مكة. وَلَوْ حَرَصْتَ على إيمانهم، وبالغت في إظهار الآيات لهم. بِمُؤْمِنِينَ لعنادهم وتصميمهم على الكفر. وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ على الإنباء أو القرآن الكريم. مِنْ أَجْرٍ من جعل تأخذه كما يفعل حملة الأخبار. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ ما هو أي القرآن الكريم إلا عظة للعالمين من الإنس والجنّ. وَكَأَيِّنْ وكم من آية، والمراد بها كثير من الآيات الدّالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده، فالآية هنا: دليل على وجود الصانع ووحدانيته. يَمُرُّونَ عَلَيْها يمرّون على الآيات، أي يشاهدونها. وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ لا يتفكّرون فيها، ولا يعتبرون بها.
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ حيث يقرّون بوجوده وخالقيته، أي أنه الخالق الرّازق.
إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ به بعبادة الأصنام، فكانوا يقولون في تلبيتهم: «لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك»، أو يشركون باتّخاذ الأحبار أربابا من دون الله، ونسبة التّبنّي إليه، أو القول بالنور والظلمة. قيل: الآية في مشركي مكة، وقيل: في المنافقين، وقيل:
في أهل الكتاب، والأولى حملها على العموم.
غاشِيَةٌ نقمة تغشاهم أو عقوبة تحيط بهم وتعمّهم أو تشملهم. بَغْتَةً فجأة. وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بوقت إتيانها. هذِهِ سَبِيلِي طريقي. أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ إلى دين الله. عَلى بَصِيرَةٍ حجة واضحة ومعرفة تامة. وَمَنِ اتَّبَعَنِي ومن آمن بي. وَسُبْحانَ اللَّهِ أنزهه تنزيها عن الشّركاء. وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وما أنا من جملة المشركين، وهو من جملة سبيله أيضا.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى قصة يوسف عليه السّلام، أراد الحقّ تعالى أن يثبت بها نبوّة النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، عن طريق أنها إخبار بالغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولم يشاهده النّبي صلّى الله عليه وسلّم ولا قومه، مما يدلّ على كون القرآن كلام الله تعالى، وكون نبوّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حقّا وصدقا.
ثم ندّد الله تعالى بموقف المشركين من الإيمان بالله تعالى، فذكر أن هناك

صفحة رقم 78

كثيرا من الآيات الدّالة على وجود الصانع ووحدانيته، ولكن لا يلتفت إليها أولئك المشركون، وإنّما يعرضون عنها.
وحسم الحقّ تعالى الموقف، فأبان أن سبيل دعوة النّبي صلّى الله عليه وسلّم هو الدّعوة إلى التّوحيد، ورفض الشّرك بمختلف أشكاله وأنواعه.
التّفسير والبيان:
ذلك المذكور من قصة يوسف بدءا من رؤياه الرؤيا وإلقائه في الجبّ إلى أن أصبح حاكم مصر الفعلي، وبيان موقف إخوته منه، وحال أبيهم يعقوب عليه السّلام، هو من أخبار الغيب الّتي لم يطّلع عليها النّبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يرها هو وقومه، والخطاب له، وهي وحي من الله تعالى إليه، لتثبيت فؤاده، وصبره على أذى قومه وإعراضهم عن دعوته.
والمقصد الإخبار عن الغيب، فيكون معجزا، لأنه صلّى الله عليه وسلّم ما طالع الكتب، ولم يتتلمذ لأحد، ولم يكن حاضرا معهم، فإخباره بهذه القصة الطويلة من غير تحريف ولا غلط إعجاز.
وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ.. بمثابة الدّليل على كونه من الغيب، أي وما كنت حاضرا عندهم، ولا مشاهدا لهم، حين عزموا على إلقائه في الجبّ، وهم يمكرون به وبأبيه، ولكنّا أعلمناك به وحيا إليك، وإنزالا عليك، كقوله تعالى في قصّة مريم: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:
٣/ ٤٤]، وقوله سبحانه: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ إلى قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا [القصص ٢٨/ ٤٤- ٤٦]، وقوله عزّ وجلّ: وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا [القصص ٢٨/ ٤٥].

صفحة رقم 79

وبالرّغم من هذه الأخبار المعجزة التي فيها عبرة وعظة لم يؤمن أكثر النّاس، كما قال تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ.. أي وليس أكثر النّاس بمصدّقين بدعوتك ورسالتك، ولو حرصت وتهالكت على إيمانهم، لتصميمهم على الكفر وعنادهم.
والمراد بالآية العموم، كقوله تعالى: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [الرّعد ١٣/ ١]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أراد أهل مكة. ووجه اتصال الآية بما قبلها على قول ابن عباس: أن كفار قريش وجماعة من اليهود طلبوا هذه القصة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سبيل التّعنّت، واعتقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه إذا ذكرها، فربّما آمنوا، فلمّا ذكرها أصرّوا على كفرهم، فنزلت هذه الآية، وكأنه إشارة إلى قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص ٢٨/ ٥٦] «١».
ومعنى الحرص: طلب الشّيء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد، وجواب لَوْ محذوف لأن جوابيكون مقدّما عليها، فلا يجوز أن يقال: قمت لو قمت.
ثم نفى تعالى أن يكون للمشركين عذر بعدم الإيمان بدعوتك فقال:
وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ.. أي ما تسأل منكري نبوّتك يا محمد على هذا النّصح والدّعاء إلى الخير والرّشد من أجر، أي من جعل ولا أجرة، بل تفعله ابتغاء وجه الله ونصحا لخلقه، فما عليهم إلا الاستجابة لدعوتك، لأنك لا تقصد إلا اتّباع أمر ربّك ونصحهم الخالص.
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ أي ما هذا القرآن الذي أرسلك به ربّك إلا تذكير وموعظة لكلّ العالمين من الإنس والجنّ، به يتذكّرون وبه يهتدون، وينجون به في الدّنيا والآخرة. وهذا دلّ على عموم رسالته صلّى الله عليه وسلّم.

(١) تفسير الرّازي: ١٨/ ٢٢٣

صفحة رقم 80

والسّبب في أن أكثر النّاس لا يؤمنون أنهم في غفلة عن التّفكّر في الدّلائل الدّالّة على وجود الصانع وتوحيده، فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ.. أي وكم من آية دالّة على توحيد الله وكمال علمه وقدرته في السّموات والأرض من كواكب ثابتة وسيّارة وجبال وبحار، ونبات وشجر، وحيوان وحي وميت، وثمار متشابهة ومختلفة في الطّعوم والرّوائح والألوان والصّفات، يمرّ على تلك الآيات ويشاهدها أكثرهم، وهم غافلون عنها، لا يتفكّرون بما فيها من عبر وعظات، وكلّها تشهد على وجود الله تعالى ووحدانيته.
وفي كلّ شيء له آية... تدلّ على أنه واحد
والآية هنا: الدّليل على وجود الله تعالى وتوحيده.
وأما علماء الفضاء والفلك فدأبهم الرّصد المادي كرصد الحركة أو الثّبات، واستنباط القوانين العلمية، لكنهم لا يفكرون غالبا في الخالق الموجد، وفي عظمة المدبّر والمقدّر.
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ.. أي وما يكاد يقرّ أكثر المشركين بوجود الله، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان ٣١/ ٢٥] إلا وتراهم يقعون في الشّرك، لإشراكهم مع الله الأصنام والأوثان في العبادة.
فكلّ عبادة أو تقديس وتعظيم لغير الله شرك،
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله: أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه».
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد بن أبي فضالة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ليوم لا ريب فيه، ينادي مناد: من

صفحة رقم 81

كان أشرك في عمل عمله لله، فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشّركاء عن الشّرك».
وروى التّرمذي وحسّنه ابن عمر: «من حلف بغير الله فقد أشرك»
أي حلف بغير الله قاصدا تعظيمه مثل الله فقد أشرك.
وروى أحمد عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر، قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال:
الرّياء، يقول الله تعالى يوم القيامة: إذا جاز النّاس بأعمالهم، اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدّنيا، فانظروا، هل تجدون عندهم جزاء؟»
.
وروى أحمد عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أيها النّاس، اتّقوا هذا الشّرك، فإنه أخفى من دبيب النّمل» ثم بيّن للصحابة كيف يتّقى الشّرك الخفي، فقال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه».
ثم هدد الله تعالى المشركين بالعقاب فقال: أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ أي أفأمن هؤلاء المشركون بالله أن تأتيهم عقوبة تغشاهم وتشملهم، أو يأتيهم يوم القيامة فجأة، وهم لا يحسون ولا هم يشعرون بذلك، وهذا كالتأكيد لقوله:
بَغْتَةً.
ونظير الآية قوله تعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [النّحل ١٦/ ٤٥- ٤٧].
وقوله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَ

صفحة رقم 82

أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ؟ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ
[الأعراف ٧/ ٩٧- ٩٩].
وإبهام السّاعة مبعث الهيبة والخوف من الله دون وازع مشاهد أو قريب.
ثم أبان الله تعالى بعد كل تلك الأدلة هدف دعوة النّبي صلّى الله عليه وسلّم وثقته بها، فقال: قُلْ: هذِهِ سَبِيلِي.. أي قل يا محمد للثقلين: الإنس والجن: إن هذه الطريقة التّي أتبعها، والدّعوة الّتي أدعو إليها وهي شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أدعو إلى دين الله بها، على يقين، وحجة واضحة قاطعة، وبرهان، أدعو أنا، ويدعو إليها كل من اتبعني أي آمن بي وصدّق برسالتي.
وسبحان الله أي وأنزه الله وأجلّه وأعظمه وأقدسه من أن يكون له شريك أو نظير أو عديل أو نديد أو ولد أو والدّ أو صاحبة أو وزير أو مشير، تبارك وتعالى وتقدس الله عن ذلك علوا كبيرا: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ، وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء ١٧/ ٤٤].
وبعد أن أثبت الوحدانية لله نفى الشّرك نفيا قاطعا للرّد على المشركين الذين كانوا يقرون بوجوده ثم يشركون به في العبادة إلها آخر فقال: وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي أنا بريء من جميع المشركين على مختلف أنواعهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
١- الإخبار بقصة يوسف وغيرها من قصص الأنبياء السّابقين مع أقوامهم من أنباء الغيب الدّالة على المعجزة: وهي كون القرآن كلام الله، وصدق النّبي صلّى الله عليه وسلّم في دعوته، فذلك معجزة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

صفحة رقم 83

٢- نزلت آية وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، أي حتى ولو أخبرتهم بقصة يوسف، فلم يؤمنوا، أي لست تقدر على هداية من أردت هدايته.
٣- مهمة كل نبي تبليغ الوحي المنزل عليه بإخلاص وقصد الثواب عند الله عز وجل، دون تكليف النّاس بشيء من الأجر أو المقابل.
٤- القرآن والوحي عظة وتذكرة للعالمين قاطبة، لا للعرب خاصة، إنه تذكرة لهم في دلائل التّوحيد والعدل والنّبوة، والمعاد والقصص، والتّكاليف والعبادات، ففيه منافع عظيمة.
٥- ما أكثر الآيات، أي الدّلائل الدّالة على وجود الله تعالى ووحدانيته، وقدرته وحكمته وعلمه ورحمته، في السّموات والأرضين من نجوم وكواكب وبحار وأنهار وجبال ونباتات وأشجار، وصحار شاسعات، وأحياء وأموات، وحيوان وثمرات مختلفة الطعوم والرّوائح والألوان والصّفات. وهذه كلها أدلة محسوسة.
٦- إيمان المشركين مزيف باطل، فهم يقرون بوجود الله خالقهم وخالق الأشياء كلها، وهم يعبدون الأوثان. قال ابن عباس: نزلت في تلبية مشركي العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وعنه أيضا أنهم النّصارى. وعنه أيضا أنهم المشبّهة الذين يشبهون الله بخلقه، آمنوا مجملا وأشركوا مفصّلا. وقيل: نزلت في المنافقين، والأولى حملها على العموم، والمعنى كما قال الحسن وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه.
٧- عذاب الله وعقابه، وإتيان السّاعة (يوم القيامة) يأتيان فجأة، من حيث لا يشعر النّاس بهما.
٨- طريقة النّبي صلّى الله عليه وسلّم وسنته ومنهاجه، ومنهاج أتباعه المؤمنين به الدّعوة

صفحة رقم 84
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية