آيات من القرآن الكريم

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
ﭙﭚﭛﭜ

وَصِيغَةُ اللَّهُ الصَّمَدُ صِيغَةُ قَصْرٍ بِسَبَبِ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ فَتُفِيدُ قَصْرَ صِفَةِ الصَّمَدِيَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ لِإِبْطَالِ مَا تَعَوَّدَهُ أَهْلُ الشِّرْكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ دُعَائِهِمْ أَصْنَامَهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ وَالْفَزَعِ إِلَيْهَا فِي نَوَائِبِهِمْ حَتَّى نَسُوا اللَّهَ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَيْلَةَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: «لَقَدْ عَلِمْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ آخَرُ لَقَدْ أَغْنَى عني شَيْئا»
. [٣]
[سُورَة الْإِخْلَاص (١١٢) : آيَة ٣]
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣)
جُمْلَةُ: لَمْ يَلِدْ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُ الصَّمَدُ، أَوْ حَالٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ اللَّهُ الصَّمَدُ، لِأَنَّ مَنْ يُصْمَدُ إِلَيْهِ لَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَلِدَ لِأَنَّ طَلَبَ الْوَلَدِ لِقَصْدِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي إِقَامَة شؤون الْوَالِدِ وَتَدَارُكِ عَجْزِهِ، وَلِذَلِكَ اسْتُدِلَّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ الْغَنِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [يُونُس: ٦٨] فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَتِ الْآيَةُ الْأَوْلَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ تَعَدُّدَ الْإِلَهِ بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالِ، أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَعَدُّدَ الْإِلَهِ بِطَرِيقِ تَوَلُّدِ إِلَهٍ عَنْ إِلَهٍ، لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مُسَاوٍ لِمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ.
وَالتَّعَدُّدُ بِالتَّوَلُّدِ مُسَاوٍ فِي الِاسْتِحَالَةِ لِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ بِالْأَصَالَةِ لِتَسَاوِي مَا يَلْزَمُ عَلَى التَّعَدُّدِ فِي كِلَيْهِمَا مِنْ فَسَادِ الْأَكْوَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاء: ٢٢] (وَهُوَ بُرْهَانُ التَّمَانُعِ) وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ عَنِ اللَّهِ مَوْجُودٌ آخَرُ لَلَزِمَ انْفِصَالُ جُزْءٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلْأَحَدِيَّةِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا وَبَطَلَ اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى فَعَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ لذَلِك، لِأَن البنوّة لِلْإِلَهِ تَقْتَضِي إِلَهِيَّةَ الِابْنِ قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٢٦].
وَجُمْلَةُ لَمْ يُولَدْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَمْ يَلِدْ، أَيْ وَلَمْ يَلِدْهُ غَيْرُهُ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِرَاسِ سَدًّا لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَالِدٌ، فَأُرْدِفَ نَفْيُ الْوَلَدِ بِنَفْيِ الْوَالِدِ. وَإِنَّمَا قُدِّمَ نَفْيُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ إِذْ قَدْ نَسَبَ أَهْلُ الضَّلَالَةِ الْوَلَدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَنْسُبُوا

صفحة رقم 618
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية