آيات من القرآن الكريم

سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ
ﮕﮖﮗﮘ

الْمَعْنَى وُجُوهًا: أَحَدُهَا: لَمْ يَنْفَعْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ بِمَالِهِ يَعْنِي رَأْسَ الْمَالِ وَالْأَرْبَاحِ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمَالَ هُوَ الْمَاشِيَةُ وَمَا كَسَبَ مِنْ نَسْلِهَا، وَنِتَاجِهَا، فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ النَّعَمِ وَالنِّتَاجِ وَثَالِثُهَا: مالُهُ الَّذِي وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَالَّذِي كَسَبَهُ بِنَفْسِهِ وَرَابِعُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَسَبَ وَلَدُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»
وَرُوِيَ أَنَّ بَنِي أَبِي لَهَبٍ احْتَكَمُوا إِلَيْهِ فَاقْتَتَلُوا فَقَامَ يَحْجِزُ بَيْنَهُمْ فَدَفَعَهُ بَعْضُهُمْ فَوَقَعَ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَخْرِجُوا عَنِّي الْكَسْبَ/ الْخَبِيثَ
وَخَامِسُهَا: قَالَ الضَّحَّاكُ: مَا يَنْفَعُهُ مَالُهُ وَعَمَلُهُ الْخَبِيثُ يَعْنِي كَيْدَهُ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَسَادِسُهَا: قَالَ قَتَادَةُ: وَما كَسَبَ أَيْ عَمَلُهُ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ كَقَوْلِهِ: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ [الْفُرْقَانِ: ٢٣] وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ.
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قال هاهنا: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وَقَالَ في سورة: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى [اللَّيْلِ: ١] فَمَا الْفَرْقُ؟ الْجَوَابُ: التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْمَاضِي يَكُونُ آكَدَ كَقَوْلِهِ: مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الْحَاقَّةِ: ٢٨] وَقَوْلِهِ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْلِ: ١].
السُّؤَالُ الثَّانِي: ما أغنى عنه ماله وكسبه فيما ذا؟ الْجَوَابُ: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَدَاوَةِ الرَّسُولِ: فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يُغْنِيَا عَنْهُ فِي دَفْعِ النَّارِ وَلِذَلِكَ قَالَ: سَيَصْلى.
[سورة المسد (١١١) : آية ٣]
سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ (٣)
وَفِيهِ مَسَائِلُ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ أَبِي لَهَبٍ فِي الْمَاضِي بِالتَّبَابِ وَبِأَنَّهُ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَكَسْبُهُ، أَخْبَرَ عَنْ حَالِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنَّهُ سَيَصْلَى نَارًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: سَيَصْلى قُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِضَمِّهَا مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْآيَاتُ تَضَمَّنَتِ الْإِخْبَارَ عَنِ الْغَيْبِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالتَّبَابِ وَالْخَسَارِ، وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ وَثَانِيهَا: الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ، وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ. رَوَى أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ دَخَلَ بَيْتَنَا، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ أَنَا، وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ الْقَوْمَ وَيَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ، فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَّا بَعَثَ مَكَانُهُ رَجُلًا آخَرَ، فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ وَاقِعَةِ أَهْلِ بَدْرٍ وَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْقِدَاحَ أَلْحِيهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ، فَكُنْتُ جَالِسًا هُنَاكَ وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ، وَقَدْ سَرَّنَا ما جاءنا من الخبر إذ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ، فَجَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ وَكَانَ ظَهْرِي إِلَى ظَهْرِهِ، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سفيان بن الحرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ:
كَيْفَ الْخَبَرُ يَا ابْنَ أَخِي: فَقَالَ: لَقِينَا الْقَوْمَ وَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقْتُلُونَنَا كَيْفَ أَرَادُوا، وَايْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ تَأَمَّلْتُ النَّاسَ، لَقِيَنَا رِجَالٌ بِيضٌ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة، ثم قلت:
أولئك والله الملائكة، فأخذني وضربني على الأرض، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ فَضَرَبَنِي وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا، فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ فَضَرَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَشَجَّتْهُ، وَقَالَتْ: تَسْتَضْعِفُهُ أَنْ غَابَ سَيِّدُهُ، وَاللَّهِ نَحْنُ مُؤْمِنُونَ مُنْذُ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ صدق فيما قال، فانصرف ذليلا، فو الله مَا عَاشَ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ، / وَلَقَدْ

صفحة رقم 352
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية