آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ سَعَى فِي إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْغَيْرِ فَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ الْغَيْرَ عَلَى السَّعْيِ إِلَى إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ مَعْنَاهُ وَلَا تَسْعَوْا فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ الْغَيْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ سَعْيٌ مِنْكُمْ فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ أَنْفُسِكُمْ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ مَصَالِحَ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ. وَالثَّالِثُ: وَلَا تَعْثَوْا فِي الأرض مفسدين مصالح الأديان. ثم قال: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قُرِئَ تَقِيَّةُ اللَّه وَهِيَ تَقْوَاهُ وَمُرَاقَبَتُهُ الَّتِي تَصْرِفُ عَنِ الْمَعَاصِي. ثُمَّ نَقُولُ الْمَعْنَى: مَا أَبْقَى اللَّه لَكُمْ مِنَ الْحَلَالِ بَعْدَ إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ خَيْرٌ مِنَ الْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ يَعْنِي الْمَالُ الْحَلَالُ الَّذِي يَبْقَى لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِطَرِيقِ الْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ وَقَالَ الْحَسَنُ: بَقِيَّةُ اللَّه أَيْ طَاعَةُ اللَّه خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْقَلِيلِ، لِأَنَّ ثَوَابَ الطَّاعَةِ يَبْقَى أَبَدًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: حَظُّكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ، وَأَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْبَقِيَّةِ إِمَّا الْمَالُ الَّذِي يُبْقَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا ثَوَابُ اللَّه، وَإِمَّا كَوْنُهُ تَعَالَى رَاضِيًا عَنْهُ وَالْكُلُّ خَيْرٌ مِنْ قَدْرِ التَّطْفِيفِ، أَمَّا الْمَالُ الْبَاقِي فَلِأَنَّ النَّاسَ إِذَا عَرَفُوا إِنْسَانًا بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْخِيَانَةِ اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ وَرَجَعُوا فِي كُلِّ الْمُعَامَلَاتِ إِلَيْهِ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ بَابُ الرِّزْقِ، وَإِذَا عَرَفُوهُ بِالْخِيَانَةِ وَالْمَكْرِ انْصَرَفُوا عَنْهُ وَلَمْ يُخَالِطُوهُ الْبَتَّةَ فَتُضَيَّقُ أَبْوَابُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِنْ حَمَلْنَا هَذِهِ الْبَقِيَّةَ عَلَى الثَّوَابِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ كُلَّ الدُّنْيَا تَفْنَى وَتَنْقَرِضُ وَثَوَابُ اللَّه بَاقٍ، وَأَمَّا إِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى حُصُولِ رِضَا اللَّه تَعَالَى فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ، فَثَبَتَ بِهَذَا الْبُرْهَانِ أَنَّ بَقِيَّةَ اللَّه خَيْرٌ. ثُمَّ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْإِيمَانَ فِي كَوْنِهِ خَيْرًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مُقِرِّينَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَرَفُوا أَنَّ السَّعْيَ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَفِي الْحَذَرِ مِنَ الْعِقَابِ خَيْرٌ لَهُمْ مِنَ السَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْقَلِيلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْتَرِزْ/ عَنْ هَذَا التَّطْفِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنِّي نَصَحْتُكُمْ وَأَرْشَدْتُكُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أَيْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى مَنْعِكُمْ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْقَبِيحِ. الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ يُوجِبُ زَوَالَ نِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى فَقَالَ: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ يَعْنِي لَوْ لَمْ تَتْرُكُوا هَذَا الْعَمَلَ الْقَبِيحَ لَزَالَتْ نِعَمُ اللَّه عَنْكُمْ وَأَنَا لَا أَقْدِرُ على حفظها عليكم في تلك الحالة.
[سورة هود (١١) : آية ٨٧]
قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)
[في قوله تعالى قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ أَصَلاتُكَ بِغَيْرِ وَاوٍ. وَالْبَاقُونَ أَصَلَوَاتُكَ عَلَى الْجَمْعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ بِشَيْئَيْنِ، بِالتَّوْحِيدِ وَتَرْكِ الْبَخْسِ فَالْقَوْمُ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَمْرَهُ بِهَذَيْنَ النَّوْعَيْنِ مِنَ الطَّاعَةِ، فَقَوْلُهُ: أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا مَا نَشؤُا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ الْبَخْسِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدْ أَشَارُوا فِيهِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِطَرِيقَةِ التقليد،

صفحة رقم 386
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية