آيات من القرآن الكريم

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

وقالت فرقة: المراد يُجادِلُنا في مؤمني قوم لوط- وهذا ضعيف- وأمره بالإعراض عن المجادلة يقتضي أنها إنما كانت في الكفرة حرصا عليهم، والمعنى: قلنا يا إبراهيم أعرض عن المجادلة في هؤلاء القوم والمراجعة فيهم، فقد نفذ فيهم القضاء، وجاءَ أَمْرُ رَبِّكَ الأمر هنا: واحد الأمور بقرينة وصفه بالمجيء، فإن جعلناه مصدر أمر قدرنا حذف مضاف، أي جاء مقتضى أمر ربك ونحو هذا وقوله آتِيهِمْ عَذابٌ ابتداء وخبر جملة في موضع خبر «إن» وقيل: آتِيهِمْ خبر «إن» فهو اسم فاعل معتمد، وعَذابٌ فاعل ب آتِيهِمْ.
وهذه الآية مقتضية أن الدعاء إنما هو أن يوفق الله الداعي إلى طلب المقدور، فأما الدعاء في طلب غير المقدور فغير مجد ولا نافع.
قوله عز وجل:
[سورة هود (١١) : الآيات ٧٧ الى ٨٠]
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)
«الرسل» هنا هم الملائكة الذين كانوا أضياف إبراهيم عليه السّلام، وذلك أنهم لما خرجوا إلى بلد لوط- وبينه وبين قرية إبراهيم ثمانية أميال- وصلوه، فقيل: وجدوا لوطا في حرث له، وقيل: وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم- وهي أكبر حواضر قوم لوط- فسألوها الدلالة على من يضيفهم، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط، وقالت لهم: مكانكم وذهبت إلى أبيها فأخبرته، فخرج إليهم، فقالوا له:
نريد أن تضيفنا الليلة، فقال لهم: أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم؟ فقالوا وما عملهم؟ فقال أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض وقد كان الله عز وجل قال للملائكة: لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما قال لوط هذه قال جبريل لأصحابه: هذه واحدة وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات، ثم دخل لوط بهم المدينة وحينئذ سِيءَ بِهِمْ أي أصابه سوء. وسِيءَ فعل بني للمفعول، و «الذرع» :
مصدر مأخوذ من الذراع، ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به: ضاق بهذا الأمر ذراع فلان، وذرع فلان، أي حيلته بذراعه، وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا: فلان رحب الذراع، إذا وصفوه باتساع القدرة ومنه قول الشاعر:

يا سيد ما أنت من سيد موطأ الأكناف رحب الذراع
وقوله: هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ أشار به إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه واحتياجه إلى المدافعة مع ضعفه عنها، وعَصِيبٌ بناء اسم فاعل معناه: يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السلمة إذا أراد خبطها ونفض ورقها، ومنه قول الحجاج في خطبته: ولأعصبنكم عصب السلمة، فهو من

صفحة رقم 193

العصابة ثم كثر وصفهم اليوم بعصيب، ومنه قول الشاعر، وهو عدي بن زيد: [الوافر]

وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يوم عصيب
ومنه قول الآخر: [الطويل]
فإنك إلا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب
ف «عصيب» - بالجملة- في موضع شديد وصعب الوطأة، واشتقاقه كما ذكرنا.
وقوله تعالى: وَجاءَهُ قَوْمُهُ الآية، روي أن امرأة لوط الكافرة لما رأت، الأضياف ورأت جمالهم وهيئتهم خرجت حتى أتت مجالس قومها فقالت لهم: إن لوطا أضاف الليلة فتية ما ريء مثلهم جمالا وكذا وكذا، فحينئذ جاءوا يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، ومعناه يسرعون، والإهراع هو أن يسرع أمر بالإنسان حتى يسير بين الخبب والخمر، فهي مشية الأسير الذي يسرع به، والطامع المبادر إلى أمر يخاف فوته، ونحو هذا يقال هرع الرجل وأهرعه طمع أو عدو أو خوف ونحوه.
والقراءة المشهورة: «يهرعون» بضم الياء أي يهرعون الطمع، وقرأت فرقة: «يهرعون» بفتح الياء، من هرع، ومن هذه اللفظة قول مهلهل: [الوافر]
فجاءوا يهرعون وهم أسارى تقودهم على رغم الأنوف
وقوله: وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ، أي كانت عادتهم إتيان الفاحشة في الرجال، فجاءوا إلى الأضياف لذلك فقام إليهم لوط مدافعا، وقال: هؤُلاءِ بَناتِي فقالت فرقة أشار إلى بنات نفسه وندبهم في هذه المقالة إلى النكاح، وذلك على أن كانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة، أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا. وقالت فرقة: إنما كان الكلام مدافعة لم يرد إمضاؤه، روي هذا القول عن أبي عبيدة، وهو ضعيف، وهذا كما يقال لمن ينهى عن مال الغير: الخنزير أحل لك من هذا وهذا التنطع ليس من كلام الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وقالت فرقة: أشار بقوله: بَناتِي إلى النساء جملة إذ نبي القوم أب لهم، ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب: ٦] وهو أب لهم وأشار أيضا لوط- في هذا التأويل- إلى النكاح.
وقرأت فرقة- هي الجمهور- «هن أطهر» برفع الراء على خبر الابتداء، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ومحمد بن مروان وسعيد بن جبير: «أطهر» بالنصب قال سيبويه: هو لحن، قال أبو عمرو بن العلاء: احتبى فيه ابن مروان في لحنه، ووجهه عند من قرأ به النصب على الحال بأن يكون بَناتِي ابتداء وهُنَّ خبره، والجملة خبر هؤُلاءِ.
قال القاضي أبو محمد: وهو إعراب مروي عن المبرد، وذكره أبو الفتح وهو خطأ في معنى الآية، وإنما قوم اللفظ فقط والمعنى إنما هو في قوله: أَطْهَرُ وذلك قصد أن يخبر به فهي حال لا يستغنى عنها- كما تقدم في قوله: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هود: ٧٢]، والوجه أن يقال: هؤُلاءِ بَناتِي ابتداء وخبر، وهُنَّ فصل وأَطْهَرُ حال وإن كان شرط الفصل أن يكون بين معرفتين ليفصل الكلام من النعت إلى

صفحة رقم 194
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية