
وقد ورد فى تواريخ أكثر الأمم القديمة ذكر الطوفان، منها ما هو موافق لما فى سفر التكوين، ومنها ما هو مخالف له فروى اليونان خبرا عن الطوفان أورده أفلاطون قال: إن كهنة المصريين قالوا لسولون (الحكيم اليوناني) إن السماء أرسلت طوفانا غيّر وجه الأرض، وروى عن قدماء الفرس طوفان أغرق الله به الأرض بما انتشر فيها من الفساد والشر بفعل (اهريمان) إله الشر، وقالوا إن هذا الطوفان فار أولا من تنور العجوز (زول كوفه) إذ كانت تخبز خبزها فيه، ولكن المجوس أنكروا عموم الطوفان وقالوا إنه كان خاصا بإقليم العراق وانتهى إلى حدود كردستان.
عمر نوح عليه السلام
جاء فى الكتاب الكريم فى سورة العنكبوت: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ».
وجاء فى سفر التكوين نحو من هذا، وقد اشتبه الأمر على الناس فى أزمنة مختلفة حتى زعم بعضهم أن السنة عند المتقدمين أقل من السنة عند أهل القرون المعروفة بعد تدوين التاريخ، ولا دليل على هذا.
والذي يظهر أن أعمار آدم وذريته إلى ما قبل الطوفان أو قبل ما كشف من آثار التاريخ لا تقاس بما عرف بعد ذلك، لأن معيشة الإنسان الفطرية كانت أسلم للأبدان وأقل توليدا للأمراض: وقول الله هو الحق ويجب الإيمان به على كل حال، قال الشاعر:
نجيت يا رب نوحا واستجبت له | فى فلك ماخر فى اليمّ مشحونا |
وعاش يدعو بآيات مبيّنة | فى قومه ألف عام غير خمسينا |
[سورة هود (١١) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) صفحة رقم 46

المعنى الجملي
هذا القصص ذكر فى سورة الأعراف بأسلوب ونظم يخالف ما هنا، وفى كل منهما من العظة والعبرة ما ليس فى الآخر، وسيأتى فى السور التالية بسياق آخر.
وقد جاء فى بعض الروايات أن هودا أول من تكلم بالعربية، فهو أول رسول عربى من ذرية نوح، وآخر رسول هو محمد ﷺ وهو عربى أيضا.
الإيضاح
(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) أي وأرسلنا إلى عاد الأولى أخاهم فى النسب والوطن هودا فقال لهم:
يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره فلا تعبدوا من دونه وثنا ولا صنما، فما أنتم فى عبادتكم غيره من الأنداد والشركاء إلا مفترون الكذب عليه بتسميتكم إياهم شفعاء تتقربون بهم أو بقبورهم أو بصورهم وتماثيلهم وترجون النفع وكشف الضر عنكم بجاههم عنده.
(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله والبراءة من الأوثان أجرا فتتهمونى بأنى أريد المنفعة لنفسى، ما ثوابى الذي أرجوه على تبليغى إياكم إلا على الله الذي خلقنى على الفطرة السليمة مبرّأ من هذه البدع الوثنية التي ابتدعها قوم نوح حين صنعوا التماثيل لحفظ ذكرى الصالحين، فزيّن لهم الشيطان تعظيم هذه التماثيل فعبدوها، أفلا تعقلون ما يقال لكم فتميزوا بين ما يضر وما ينفع، وإنى لكم ناصح أمين فلا أغشكم فيما أدعوكم إليه.