آيات من القرآن الكريم

قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ

[سورة هود (١١) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]

قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ اسْتِعْجَالِ قَوْمِ نُوحٍ نِقْمَةَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ وَسُخْطَهُ، وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ. قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا أَيْ حَاجَجْتَنَا فَأَكْثَرَتْ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْنُ لَا نَتَبِّعُكَ فَأْتِنا بِما تَعِدُنا أَيْ مِنَ النِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ ادْعُ عَلَيْنَا بِمَا شِئْتَ فَلْيَأْتِنَا مَا تَدْعُو بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أَيْ إِنَّمَا الَّذِي يُعَاقِبُكُمْ وَيُعَجِّلُهَا لَكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يُجْدِي عَلَيْكُمْ إِبْلَاغِي لَكُمْ وَإِنْذَارِي إياكم ونصحي إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ أَيْ إغواؤكم وَدَمَارَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَيْ هُوَ مالك أزمة الأمور المتصرف الْحَاكِمُ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَجُورُ، لَهُ الْخَلْقُ وَلَهُ الْأَمْرُ وَهُوَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ مَالِكُ الدُّنْيَا والآخرة.
[سورة هود (١١) : آية ٣٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)
هَذَا كَلَامٌ مُعْتَرَضٌ فِي وَسَطِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مُؤَكِّدٌ لَهَا. مقرر لها يقول تعالى لمحمد: أَمْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ الْجَاحِدُونَ افْتَرَى هَذَا وَافْتَعَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي أَيْ فَإِثْمُ ذَلِكَ عَلَيَّ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ مُفْتَعَلًا وَلَا مُفْتَرًى لِأَنِّي أَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العقوبة لمن كذب عليه.
[سورة هود (١١) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى نُوحٍ لَمَّا اسْتَعْجَلَ قَوْمُهُ نِقْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ وَعَذَابَهُ لَهُمْ فَدَعَا عَلَيْهِمْ نُوحٌ دَعْوَتَهُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نُوحٍ: ٢٦] فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [الْقَمَرِ: ١٠] فعند ذلك أوحى الله إِلَيْهِ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا يَهُمَّنَّكَ أَمْرُهُمْ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ يَعْنِي السَّفِينَةَ بِأَعْيُنِنا أي بمرأى منا وَوَحْيِنا أي تعليمنا لك ما تَصْنَعُهُ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ فَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَغْرِزَ الْخَشَبَ وَيُقَطِّعَهُ وَيُيَبِّسَهُ فَكَانَ ذَلِكَ فِي مِائَةِ سَنَةٍ وَنَجَرَهَا فِي مِائَةِ سَنَةٍ أخرى وقيل في أربعين سنة والله أَعْلَمُ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ

صفحة رقم 276

إِسْحَاقَ عَنِ التَّوْرَاةِ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَهَا مِنْ خَشَبِ السَّاجِ وَأَنْ يَجْعَلَ طُولَهَا ثَمَانِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا وَأَنْ يَطْلِيَ بَاطِنَهَا وَظَاهِرَهَا بِالْقَارِ وَأَنْ يَجْعَلَ لَهَا جُؤْجُؤًا أزورا «١» يَشُقُّ الْمَاءَ، وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَ طُولُهَا ثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ فِي عَرْضِ خَمْسِينَ وَعَنِ الْحَسَنِ طُولُهَا ستمائة ذارع وعرضها ثلاثمائة وَعَنْهُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ طُولُهَا أَلْفٌ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ فِي عَرْضِ سِتِّمِائَةٍ وَقِيلَ طُولُهَا أَلْفَا ذارع وَعَرْضُهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالُوا كُلُّهُمْ وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ كُلُّ طَبَقَةٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَالسُّفْلَى لِلدَّوَابِّ وَالْوُحُوشِ وَالْوُسْطَى لِلْإِنْسِ وَالْعُلْيَا لِلطُّيُورِ وَكَانَ بَابُهَا فِي عَرْضِهَا وَلَهَا غِطَاءٌ مِنْ فَوْقِهَا مُطْبِقٌ عَلَيْهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «٢» أَثَرًا غَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ يُوسُفَ بن مهران عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا قَالَ فانطلق بهم حتى انتهى إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذلك التراب بكفه فقال أَتُدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هَذَا كَعْبُ حَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ فضرب الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ قَالَ قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ قَدْ شاب قال له عيسى عليه السلام: أهكذا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لَا. وَلَكِنِّي مُتُّ وَأَنَا شَابٌّ ولكني ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ، قَالَ حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ؟ قَالَ: كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا سِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ فَطَبَقَةٌ فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوُحُوشُ وَطَبَقَةٌ فِيهَا الْإِنْسُ وَطَبَقَةٌ فِيهَا الطَّيْرُ فَلَمَّا كثر روث الدَّوَابِّ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اغْمِزْ ذَنَبَ الْفِيلِ فَغَمَزَهَ فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْثِ فلما وقع الفأر بجوف السفينة يقرضها وحبالها أوحى الله إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سَنَّوْرٌ وَسَنَّوْرَةٌ فَأَقْبَلَا عَلَى الْفَأْرِ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ؟ قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ.
قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ قَالَ فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا وَدَعَا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أُنْسٍ وَأَمَانٍ فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَّا نَنْطَلِقُ بِهِ إِلَى أَهْلِينَا فَيَجْلِسُ مَعَنَا وَيُحَدِّثُنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتْبَعُكُمْ مَنْ لَا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ: عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَعَادَ تُرَابًا.
وَقَوْلُهُ: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ أي يهزئون بِهِ وَيُكَذِّبُونَ بِمَا يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ مِنَ الْغَرَقِ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ الآية وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَتَهْدِيدٌ أَكِيدٌ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ أي يهينه فِي الدُّنْيَا وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ أَيْ دائم مستمر أبدا.

(١) الجؤجؤ: الصدر، وأزور: من الزور: وهو الميل. كهيئة صدر السفينة.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ٣٦، ٣٧.

صفحة رقم 277
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية