
ثم قال: ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ هذا خطاب للنبي ﷺ، والمراد: أمته، ﴿إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾، أي: القرآن حق من عند الله تعالى، فلا تكونوا أيها المؤمنون في شك من ذلك.
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي: " لا يصدقون، بأن ذلك كذلك. ﴿شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾: وقف عند نافع على معنى: ويتلوالقرآن شاهد من الله، وهو جبريل.
﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾: وقف، وكذلك: ﴿فالنار مَوْعِدُهُ﴾، وكذلك ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾.
قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ إلى قوله ﴿هُمُ الأخسرون﴾
والمعنى: من أعظم جرماً ممن اختلق على الله سبحانه، الكذب، أي: كذب بآياته، وحججه، وهو النبي ﷺ، وما جاء به.

﴿أولئك يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ﴾، يوم القيامة، فيسألهم عن أعمالهم في الدنيا.
قال ابن جريج: ذلك الكافر، والمنافق.
﴿وَيَقُولُ الأشهاد﴾: الذين شهدوا على أعمالهم، وحفظوها عليهم:
﴿هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ﴾ في الدنيا ﴿أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾: أي: غضبه، وإبعاده من رحمته.
قال مجاهد: الأشهاد هنا: الملائكة الحفظة، وكذلك قال قتادة. وقال الضحاك: الأشهاد: الأنبياء، والرسل، صلوات الله عليهم، يقولون: هؤلاء الذين كذبوا بما جئنا به من عند ربنا.
ثم بين تعالى الظالمين مَنْ هُمْ فقال: ﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾: أي: يُزَيِّغون أن يدخلوا في الإيمان. ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾: أي: يلتمسون لسبيل الله تعالى، العوج والزيغ. وسبيل الله هو الإيمان به، وبما جاء من عنده، وهم مع ذلك

" وَبِالآخِرَةِ هُمْ / كَافِرُونُ ": أي: جاحدون، لا يصدقون بالبعث، ﴿على رَبِّهِمْ﴾: وقف.
ثم قال تعالى: ﴿أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض﴾ والمعنى: أولئك الذين هذه صفتهم، لم يكونوا معجزين ربهم، سبحانه، في الأرض بهرب، أو باستخفاء، إذا أراد عقابهم. ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾: أي: ليس لهم من يمنعهم من الله تعالى، إذا أراد الانتقام منهم.
ثم قال تعالى: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع﴾ ولا يعقلون عن الله تعالى. ﴿ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ﴾. ولا يهتدون إلى رشدهم. وقيل: إن المعنى يضاعف لهم العذاب أبداً: أي: وقت استطاعتهم السمع والبصر.
وقيل: إن " ما " للنفي، فيحسن الابتداء بها على هذا، ولا يحسن على القولين الأولين.
ومعنى النفي هنا أن الضمير في " يستطيعون "، و " يبصرون ": الأصنام، والنفي

عنها: أي: لم تكن تسمع، ولا تبصر. وهذا التأويل مروي عن ابن عباس.
وقيل: المعنى: إن الضمير " لهم "، والنفي " عنهم ": أي: لم يكونوا ليسمعوا شيئاً ينفعهم من الإيمان، ولا يبصرونه، لأن الله، تعالى، حال بينهم وبين ذلك، لما سبق في علمه، فهو مثل قوله: ﴿يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤]: بين الكافر والإيمان، وبين المؤمن والكافر. ومثله: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣]، ومثله ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾ [يونس: ٩٩] بالله، تعالى. ختم على قلوبهم، وعلى أبصارهم بكفرهم. قال ذلك قتادة، فقال: فهم صمٌّ عن الحق، فما يسمعونه، بُكْمٌ، فما ينطقون به. عميٌ فلا يبصرون. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهـ، إن المعنى: لا يستطيعون أن يسمعوا سماع منتفع بما يسمع، ولا يبصرون إبصار مُهتَدٍ، لاشتغالهم بالكفر.

قال الزجاج: ذلك كان منهم لبغضهم النبي ﷺ، فلا يسمعون عنه، ويفهمون ما يقول.
قال الفراء: سبق لهم في اللوح المحفوظ أنه يضلهم.
قوله: ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ وقف عند نافع، ﴿العذاب﴾: وقف إن جعلت " ما " نَفياً خاصة.
ثم قال تعالى: ﴿أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: غبنوا أنفسهم حظها كم رحمة الله تعالى.
﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾: أي: بَطُلَ كذبهم، وافراؤهم على الله، سبحانه.
ثم قال تعالى: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون﴾، و ﴿لاَ جَرَمَ﴾ عند سيبويه، والخليل بمعنى: حق. وأن في موضع رفع، وجيء بـ " لا " عند

الخليل ليعلم أن المخاطل لم يُبتدأ به كلامه، وإنما خاطب غيره.
وقال الزجاج: لا هنا نفي لما ظنوا أنهم ينفعهم كأنه كان المعنى: لا ينفعهم ذلك.
﴿جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة﴾، أي: كسب ذلك الفعل لم الخُسْرَان، ف " أن " عنده في موضع نصب.
وقال الكسائي: المعنى: " لا صَدَّ "، ولا مَنْعَ عن أنهم ". فإنَّ في موضع نصب أيضاً، فحذف الخافض. وحُكِيَ: لاجَرَ " بغير ميم لغة ناسٍ من فُزَارة.
وحكى / الفراء: " لا ذَا جَرَمْ لغة لبني عامر.
وقال الفراء: هي كلمة كانت في الأصل، والله أعلم، بمنزلة: لا بد أنك قائم،