
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأي الناس أشد تعذيبًا ممن اختلق على الله كذبًا فكذب عليه؟ (١) = (أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) يعرضون يوم القيامة على ربهم"، (٢) فيسألهم عما كانوا في دار الدنيا يعملون، كما:
١٨٠٨٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا)، قال: الكافر والمنافق، (أولئك يعرضون على ربهم)، فيسألهم عن أعمالهم.
* * *
وقوله: (ويقول الأشهاد)، يعني الملائكة والأنبياء الذين شهدوهم وحفظوا عليهم ما كانوا يعملون = وهم جمع "شاهد" مثل "الأصحاب" الذي هو جمع "صاحب" = (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم)، يقول: شهد هؤلاء الأشهاد في الآخرة على هؤلاء المفترين على الله في الدنيا، فيقولون: هؤلاء الذين كذبوا في الدنيا على ربهم، يقول الله: (ألا لعنة الله على الظالمين)، يقول: ألا غضب الله على المعتدين الذين كفروا بربّهم.
* * *
وبنحو ما قلنا في قوله (ويقول الأشهاد)، قال أهل التأويل.
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: " يكذبون على ربهم "، والأجود أن تبقى على سياقة الآية.

*ذكر من قال ذلك:
١٨٠٨١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويقول الأشهاد)، قال: الملائكة.
١٨٠٨٢- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الملائكة.
١٨٠٨٣- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ويقول الأشهاد)، والأشهاد: الملائكة، يشهدون على بني آدم بأعمالهم.
١٨٠٨٤- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (الأشهاد)، قال: الخلائق = أو قال: الملائكة.
١٨٠٨٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، بنحوه.
١٨٠٨٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (ويقول الأشهاد)، الذين كان يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا = (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم)، حفظوه وشهدوا به عليهم يوم القيامة = قال ابن جريج: قال مجاهد: "الأشهاد"، الملائكة.
١٨٠٨٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش عن قوله: (ويقول الأشهاد)، قال: الملائكة.
١٨٠٨٨- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ويقول الأشهاد)، يعني الأنبياء والرسل، وهو قوله: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ)، [سورة النحل: ٨٩]. قال: وقوله: (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم)، يقولون: يا ربنا أتيناهم بالحق فكذبوا، فنحن نشهد عليهم أنهم كذبوا عليك يا ربنا.

١٨٠٨٩- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد وهشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز المازني قال، بينا نحن بالبيت مع عبد الله بن عمر، وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر، ما سمعت رسول الله ﷺ يقول في النجوى؟ (١) فقال: سمعت نبي الله ﷺ يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كَنَفه فيقرّره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف! (٢) مرتين، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم. قال: فيعطى صحيفة حسناته = أو: كتابه = بيمينه. وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الأشهاد: "ألا هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين". (٣)
١٨٠٩٠- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا هشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (٤)
١٨٠٩١- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: كنا نحدَّث أنه لا يخزَى يومئذ أحدٌ، فيخفى خزيُه على أحد ممن خلق لله = أو: الخلائق.
* * *
(٢) مضى في رقم: ٦٤٩٧: " رب اغفر "، مكان " رب أعرف ".
(٣) الأثر: ١٨٠٨٩ - مضى هذا الخبر بإسناده، وتخريجه في رقم: ٦٤٩٧ (ج ٦: ١١٩، ١٢٠).
(٤) الأثر: ١٨٠٩٠ - مضى هذا الإسناد برقم: ٦٤٩٧، أيضًا.