٦- دلّت الآية مع الأحاديث الواردة في سبب نزولها على أن القبلة واللّمس الحرام لا يجب فيهما الحدّ. واختار ابن المنذر أنه لا يجب فيهما أدب أو تعزير.
٧- القرآن الكريم موعظة وتوبة لمن اتّعظ وتذكّر، وخصّ الذّاكرين بالذّكر لأنهم المنتفعون بالذّكرى.
٨- الصّبر على الصّلاة كما قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [طه ٢٠/ ١٣٢]، والصّبر على الطّاعات، وعلى ما يلقاه المؤمن من أذى الأعداء، وعلى الشّدائد والمصائب، الصّبر على كلّ ذلك إحسان وفضيلة، وله ثواب عظيم،
وقد قال النّبي صلى الله عليه وسلّم فيما رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان: «الصّبر نصف الإيمان، واليقين: الإيمان كلّه» إلا أنه ضعيف.
سبب إهلاك القرى والأمم السّالفة
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٦ الى ١١٩]
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)
الإعراب:
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ
منصوب لأنه استثناء منقطع، ويجوز فيه الرّفع على البدل من
صفحة رقم 175
أُولُوا بَقِيَّةٍ كما جاز الرّفع في قوله تعالى: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ [يونس ١٠/ ٩٨] وإن كان استثناء منقطعا، وهي لغة بني تميم.
وَاتَّبَعَ عطف على مضمر دلّ عليه الكلام إذ المعنى: فلم ينهوا عن الفساد، واتّبع الذين ظلموا.
وَكانُوا مُجْرِمِينَ عطف على اتَّبَعَ أو جملة اعتراضية.
بِظُلْمٍ حال من الفاعل، أي واستحال في الحكمة أن يهلك الله القرى ظالما لها.
المفردات اللغوية:
فَلَوْلا فَلَوْلا: للتّحضيض والحثّ على الفعل، أي فهلا كان. مِنَ الْقُرُونِ جمع قرن، وهو الجيل من الناس المقترنون في زمن واحد، وشاع تقديره بمئة سنة. أُولُوا بَقِيَّةٍ أولو عقل ورأي وبصر بالأمور، أو أولو فضل، والأصل في البقية: ما يبقى من الشيء بعد ذهاب أكثره، واستعمل كثيرا في الباقي الأصلح لإنفاق الأردأ عادة وإبقاء الأجود، وتلك قاعدة بقاء الأصلح، ومنه يقال: فلان من بقيّة القوم، أي من خيارهم. ويجوز أن يكون مصدرا كالتّقية، أي ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب.
ما أُتْرِفُوا فِيهِ أي ما أنعموا فيه من الشهوات. وَكانُوا مُجْرِمِينَ أي كافرين، وهو سبب استئصال الأمم، وهو فشو الظلم فيهم، واتّباعهم الهوى، وترك النّهي عن المنكرات مع الكفر. بِظُلْمٍ بشرك. وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ فيما بينهم، لا يضمون إلى شركهم فسادا وتباغيا، وذلك لفرط رحمة الله ومسامحته في حقوقه، ولذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد على حقوق الله تعالى.
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً مسلمين كلّهم، وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كلّ أحد، وأن ما أراده يجب وقوعه. وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ بعضهم على الحق، وبعضهم على الباطل، لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقا. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ إلا أناسا هداهم الله من فضله، فاتّفقوا على ما هو أصول دين الحقّ والعمدة فيه. وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ: إن كان الضمير للناس، فالإشارة إلى الاختلاف، واللام للعاقبة، أي الصّيرورة، أو أن الضّمير يعود للنّاس وإلى الرّحمة. وإن كان الضّمير يعود لمن رحم، فإلى الرّحمة.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وعيده وقضاؤه وأمره. مِنَ الْجِنَّةِ الجنّ، سمّوا بهذا لاستتارهم.
وقوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أي من عصاتهما. أَجْمَعِينَ صفة للعصاة، أو منهما أجمعين لا من أحدهما.
صفحة رقم 176
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى ما حلّ بالأمم السّابقة المكذّبة لرسلها، من عذاب الاستئصال في الدّنيا، واستحقاق النّار في الآخرة، ذكر هنا سبب العذاب وهو أمران: الأول- أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض، والثاني- أن الظّالمين اتّبعوا طلب الشّهوات واللّذات، واشتغلوا بتحصيل الرّياسات.
والظّالمون: هم تاركو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
التّفسير والبيان:
فهلا وجد من القرون، أي الأمم والأقوام الماضية الذين أهلكناهم بظلمهم وفسادهم جماعة أولو عقل ورأي وبصيرة وأهل خير ينهون عما كان يقع بينهم من الشّرور والمنكرات والفساد في الأرض. وهذا توبيخ للكفار.
لكن قد وجد قليل من هؤلاء، وهم الذين أنجاهم الله تعالى عند حلول غضبه وفجأة نقمته، قد نهوا عن الفساد في الأرض. فهذا استثناء منقطع، ولا يمكن جعله استثناء متّصلا، وإلا كان القليل من النّاجين غير مرغّبين في النّهي عن الفساد.
واتّبع الظّالمون أنفسهم، وهم الأكثرية ما أترفوا فيه من نعيم وعزّة وسلطان.
والمترف: الذي أبطرته النّعمة وسعة المعيشة. والمراد بالذين ظلموا: تاركو النّهي عن المنكر. واتّباعهم التّرف: اشتغالهم بالشّهوات والمال واللّذات والرّياسات، واستمرارهم على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات، وعدم التفاتهم إلى إنكار المصلحين منهم، وإيثار الترف على الآخرة.
وَكانُوا مُجْرِمِينَ أي والحال أنهم كانوا ظالمين. فالله تعالى لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها، كما قال تعالى: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [هود ١١/ ١٠١]، وقال تعالى: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصّلت ٤١/ ٤٦].
صفحة رقم 177
وفي الآية إيماء إلى أن التّرف مدعاة إلى الإسراف، والإسراف يفضي إلى الفسوق والعصيان، والظّلم والانحراف، وتلك عادة متّبعة كما قال تعالى:
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها، فَفَسَقُوا فِيها، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ، فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
[الإسراء ١٧/ ١٦].
ثمّ بيّن تعالى عدله وسنّته في المصلحين، فقال تعالى: وَما كانَ رَبُّكَ أي ليس من شأن الله تعالى أن يهلك أهل القرى، ظالما لها، وأهلها قوم مصلحون، تنزيها لذاته تعالى عن الظّلم، وإيذانا بأن إهلاك المصلحين من الظّلم. وقيل الظّلم: الشّرك، ومعناه: أنه لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها، وهم مصلحون في المعاملات فيما بينهم، أو في أمورهم الاجتماعية، يتعاطون الحقّ فيما بينهم، ولا يضمون إلى شركهم فسادا آخر، أي لا ينزل عذاب الاستئصال لأجل كون القوم مجرّد كونهم معتقدين للشّرك والكفر، بل إنما ينزل العذاب إذا أساؤوا في المعاملات، وسعوا في الإيذاء والظّلم، كما فعل قوم شعيب، وقوم هود، وقوم فرعون، وقوم لوط. ويؤيده أنّ الأمم تبقى مع الكفر، ولا تبقى مع الظّلم.
ثم أخبر الله تعالى أنه قادر على جعل الناس أمة واحدة من إيمان أو كفر، فقال تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ.. قال الزّمخشري معبّرا عن مذهب المعتزلة:
يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل ملّة واحدة، وهي ملّة الإسلام، كقوله تعالى: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [المؤمنون ٢٣/ ٥٢]. فهم يحملون الآية على مشيئة الإلجاء والإجبار، والمراد نفي الاضطرار، وأنه لم يقهرهم على الاتّفاق على دين الحقّ، ولكنه مكّنهم من الاختيار الذي هو أساس التّكليف، فاختار بعضهم الحقّ، وبعضهم الباطل، فاختلفوا، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك أي إلا أناسا هداهم الله ولطف بهم، فاتّفقوا على دين الحقّ غير مختلفين فيه.
ويرى أهل السّنّة: أن الآية بيان لقدرة الله تعالى على جعل الناس كلهم على
صفحة رقم 178
منهج واحد من إيمان أو كفر، بخلقهم قابلين دينا واحدا، لكنه تعالى لم يشأ ذلك، مثل قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً [يونس ١٠/ ٩٩] وإنما شاء أن يكون لهم دور اختياري في الاتّجاه إلى الحقّ والإيمان ونبذ الضّلالة والشّرك، وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ استثناء منقطع، أي لكن من رحم ربّك بالإيمان والهدى فإنه لم يختلف.
وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ أي في الأديان والاعتقادات والمذاهب والآراء، وقيل: في الهدى، أو في الرّزق يسخر بعضهم بعضا، قال ابن كثير: والمشهور الصّحيح الأول.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ أي المرحومين من أتباع الرّسل الذين تمسّكوا بما أمروا به من الدّين، الذي أخبرتهم به رسل الله إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتى جاء خاتم الرّسل، ففاز من اتّبعه بسعادة الدّنيا والآخرة، فهم الفرقة النّاجية.
وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قال الزّمخشري ممثلا رأي المعتزلة: لِذلِكَ: إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام الأول وتضمّنه، يعني: ولذلك المذكور من التّمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف، خلقهم، ليثيب مختار الحقّ بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره «١».
ويرى أهل السّنة كما ذكر أبو حيان: أنّ اللام ليست للتّعليل، وإنما هي على التّحقيق لام الصّيرورة في ذلك المحذوف، أي ليس الاختلاف والرّحمة علّة الخلق، وإنما خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف. مثل قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص ٢٨/ ٨]. ولا يتعارض هذا مع قوله
(١) الكشّاف: ٢/ ١٢٠
صفحة رقم 179
تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذّاريات ٥١/ ٥٦] لأن معنى هذا الأمر بالعبادة «١».
والإشارة في قوله تعالى: لِذلِكَ: إشارة إلى الاختلاف والرّحمة معا في رأي ابن عباس، واختاره الطّبري، وقال مجاهد وقتادة: لِذلِكَ: إشارة إلى الرّحمة التي تضمّنها قوله تعالى: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ والضّمير في خَلَقَهُمْ عائد على المرحومين.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ.. أي سبق في قضاء الله وقدره لعلمه التّام وحكمته النّافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنّة، ومنهم من يستحق النّار، وأنه لا بدّ أن يملأ جهنّم من هذين الثّقلين: الجنّ والإنس، وهم الذين لا يهتدون بما أرسل الله به الرّسل من الآيات والأحكام. قال ابن عباس: خلقهم فريقين: فريقا يرحم فلا يختلف، وفريقا لا يرحم فيختلف، فذلك قوله تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. وقوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ مَنْ: لبيان الجنس، أي من جنس الجنّة وجنس النّاس.. وقوله تعالى: أَجْمَعِينَ تأكيد.
وفي الصّحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اختصمت الجنّة والنّار، فقالت الجنّة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء النّاس وسقطهم «٢»، وقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، فقال الله عزّ وجلّ للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنّار: أنت عذابي أنتقم بك ممن أشاء، ولكلّ واحدة منكما ملؤها، فأما الجنّة فلا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنّة، وأما النّار فلا تزال تقول: هل من مزيد، حتى يضع لها ربّ العزّة قدمه، فتقول: قط قط «٣»، وعزّتك».
(١) البحر المحيط: ٥/ ٢٧٣
(٢) السّقط: رديء المتاع.
(٣) قط بمعنى حسب، وهو الاكتفاء. والقطّ: الكتاب والصّكّ بالجائزة، ومنه قوله تعالى:
عَجِّلْ لَنا قِطَّنا.
صفحة رقم 180
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
١- وجوب النّهي عن المنكر والفساد، والأمر بالمعروف، كما قال تعالى:
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران ٣/ ١٠٤]،
وفي الحديث الصّحيح: «إن الناس إذا رأوا المنكر، فلم يغيّروه، أوشك أن يعمّهم الله بعقاب».
٢- المصلحون في كلّ زمان، النّاهون عن الفساد في الأرض كقوم يونس، وأتباع الأنبياء وأهل الحقّ ناجون من عذاب الله تعالى.
٣- التّرف يدعو عادة إلى الإسراف المؤدّي إلى الفسوق والعصيان والظلم، والمترف: الذي أبطرته النّعمة وسعة المعيشة.
٤- الظّلم أو الاجرام كالشّرك والكفر وإلحاق الأذى والضّرر بالنّاس سبب موجب للعقاب في الدّنيا والآخرة، لكن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدّنيا من الشّرك، وإن كان عذاب الشّرك في الآخرة أصعب.
٥- لم يكن الله ليهلك قوما بالكفر وحده، حتى ينضم إليه الفساد في المعاملات والعلاقات الاجتماعية، كما أهلك الله قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، وقوم لوط باللواط.
٦- الله تعالى قادر على جعل النّاس كلّهم أمّة واحدة من إيمان أو كفر. قال الضّحّاك في آية: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ..: أهل دين واحد، أهل ضلالة، أو أهل هدى. وقال سعيد بن جبير: على ملّة الإسلام وحدها.
وأما قوله تعالى: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ فقال مجاهد وقتادة: أي على أديان شتّى.
صفحة رقم 181
وقوله تعالى: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قال الحسن ومقاتل وعطاء: الإشارة إلى الاختلاف، أي وللاختلاف خلقهم. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضّحّاك: ولرحمته خلقهم. واختار الطّبري وتابعه القرطبي: الإشارة بذلك للاختلاف والرّحمة، وهو أولى في تقديري لأنه يعمّ، أي ولما ذكر خلقهم. ولام وَلِذلِكَ للعاقبة والصّيرورة كما بيّنا.
والقول بعموم إشارة وَلِذلِكَ أشار إليه مالك رحمه الله قال أشهب:
سألت مالكا عن هذه الآية قال: خلقهم ليكون فريق في الجنّة، وفريق في السّعير، أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وأهل الرّحمة للرّحمة. وقال ابن عباس أيضا كما تقدّم: خلقهم فريقين: فريقا يرحمه وفريقا لا يرحمه.
٧- استدلّ أهل السّنّة بآية: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ على أنّ الهداية والإيمان لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى لأن تلك الرّحمة ليست عبارة عن إعطاء القدرة والعقل، وإرسال الرّسل، وإنزال الكتب، وإزالة العذر، فإن كلّ ذلك حاصل في حقّ الكفار، فلم يبق إلا أن يقال: تلك الرّحمة هو أنه سبحانه خلق فيه تلك الهداية والمعرفة «١».
٨- مما ثبت في الأزل وأخبر تعالى عنه وقدر أنه يملأ ناره، ويملأ جنّته، فقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ.. ،
وأخرج البخاري عن أبي هريرة أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم قال عن الجنّة والنّار: «ولكلّ واحدة ملؤها».