آيات من القرآن الكريم

الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
ﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الهمزة
مكية
قوله تعالى: ﴿ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ إلى آخرها.
أي: قبوح لكل طغان (في الناس، عيّاب لهم).
وقل: ويل: واد في جهنم يسيل بصديد أهل النار، وقد تقدم [ذكر هذا].
والهمزة: الذي يغتاب الناس ويطغن فيهم.
وقال ابن عباس: هو المشّاء بالنمائم المفرّق بين الناس.
وقال مجاهد: الهمزة: الذي يأكل لحوم الناس، (يعني: يغتابهم). قال: واللمزة: الكافر.

صفحة رقم 8427

وعنه أيضاً أنه قال: " بالهمزة الطعان، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس.
قال أبو العالية: " الهمزة يهمزه في وجهه، واللمز من خلفه " وقال قتادة ([يهمز] ويلمز بلسانه) وعينه، ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وقال عبد الله بن أبي نجيح: الهمزة باليد والعين، واللمزة باللّسان.
وقال ابن زيد: الهمزة: الذي يهمز (الناس) بيده وقد يضربهم، واللمزة الذي يَلمِزُهُم بلسَانِه ويعيبهم.
وقيل: إنها نزلت في جميل بن عارم الجمحي.
وقيلك في الأخنس بن شريق.
قال ابن عباس: هو مشرك، كان يهمز الناس ويلمزهم.

صفحة رقم 8428

وقال مجاهد: هي عامة.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ﴾.
أي: جمعه وأحصى عدده ولم ينفقه في سبيل الله ولا أدى حق الله منه.
وقرأ الحسن: " وعَدَدَه "، بالتخفيف، يريد: عَدَّه، ثم أظهر التضعيف، وهو بعيد، إنما يجوز في الشعر، كما قال:
أَنِي [أَجوَدُ] لأَقْوَامٍ وَإِنْ [ضَنِنُوا].... وقيل: إنما قرأ ذلك على معنى: الذي جمع مالاً (وجمع) عدده، [أي]: عشيرته، فيكون عطفاً على المال، وذلك حسن.

صفحة رقم 8429

ثم قال تعالى: ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾.
أي: يظن هذا الجامع للمال ولا ينفقه في سبيل الله، ولا يخرج حق الله منه.
وقيل: ﴿وَعَدَّدَهُ﴾ من العدة، أي: [اعتد] به ودفعه ذخيرة، ومنه: ﴿أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾ [الكهف: ٢٩].
وقيل: (إن) معنى (وعدده)، أي: كثره، يحسب أن ماله مخلده في الدنيا فلا يموت.
ووقع ﴿أَخْلَدَهُ﴾ في موضع " يخلده "، كما يقال للرجل يأتي الذنب الموبق: دخل، والله، فلان النار أي سيدخلها. ويقال للرجل يأتي المرء يهلك فيه: عطب، والله، فلان، أي: سيعطب.
وقيل: إن الفعلَ على حاله ماضياً، والمعنى: يحسب هذا الإنسان أن ماله أحياء في الدنيا فيما مضى من عمره. هذا معنى قول ابن كيسان.

صفحة رقم 8430

ثم قال تعالى: ﴿كَلاَّ...﴾ أي: ليس الأمر ما ظن أن ماله يخلده في الدنيا، وهو التمام عند نافع وأبي حاتم ونصير.
والتمام عند الأخفش: ﴿أَخْلَدَهُ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة﴾ أي: ليطرحن في النار، وهذا قسم.
والحطمة: اسم من أسماء النار، سميت بذلك لحطمها كل ما ألقى فيها، كما يقال للرجل الأكول: حُطَمةُ.
وقيل: الحطمة: اسم للباب الثالث من أبواب جهنم. وهي أبواب بعضها فوق بعضٍ تمضي سُفلاً سفلاً، أعاذنا الله منها.
وقرأ الحسن: " لَيُنْبَذَن] في الحطمة "، يعني به الهمزة اللمزة وماله.
وروي عنه: " لينبذُن "، بالضم، على [معنى] الجمع، يعني به الهمزة واللمزة والمال.

صفحة رقم 8431

وقيل: يعني به الهمزة واللمزة والذي جمع مالاً.
وفيه بعد، لأن ذلك كله في ظاهر الخطاب يرجع إلى واحد.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة﴾.
أي: وأي شيء أشعرك يا محمد أي شيء الحطمة؟! ثم أخبر عنها ما هي فقال:
﴿نَارُ الله الموقدة﴾.
(أي: هي نار الله الموقدة)، ثم وصفها فقال:
﴿التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة﴾.
أي: التي تُبلِغَ ألمها ووجعها القلوبَ. والاطلاع والبلوغ/ قد يكونانن بمعنًى، حكي عن العرب سمَاعاً: متى اطَّلعتَ أرضنا (واطلعتُ أرضي)، بمعنى: بلغت.
قال محمد بن كعب القرظي: تحرقه كله حتى يبقى فؤاده نضيحاً.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ﴾.
أي: إن الحطمة على الهمّازين اللّمازين - الذين جمعوا المال ومنعوا منه حقّ الله - مطقبة.
قال سعيد: بلغني أن في النار رجلاً في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام: يا حنّان يا منّان، فيقول ربّ العزّة تعالى ذكره: يا جبريل، أخرج عبدي من النار،

صفحة رقم 8432

فيأتيها فيجدها مطقبة. قال: فيرجع فيقول: يارب، إنها عليهم مؤصدة. فيقول: يا جبريل فُكَّها وأخرج عبدي النار، قال: فيفكّها ويخرج مثل الجبل، فيطرح على ساحل الحنة حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً.
عَمَد جَمع عمود عند الفراء، ما قالوا: أَدِيمُ وأَدَمُ.
وقيل: هو اسم للجمع وليس يجمع على الحقيقة.
وقال أبو عبيدة: هو جمع عمادٍ.
وقال قطرب: هو جمع لا واحد له.
فأما من قرأ " عُمُد "، بضمتين، فهو جمع عمود على القياس، كعجوز وعُجُز، وكتاب وكُتب، ورغيف ورُغُفٌ. وفعل وفعال أخوا فَعُول.
والمعنى: إن جهنم عليهم مطبقة بعمد ممدة عليهم.

صفحة رقم 8433

وفي قراءة عبد الله: " موصدة بِعَمَدٍ ممدةٍ، أي: مغلقةٍ مطبقبة بعمد ممدة.
وقال ابن عباس: (معناه) أنهم أدخلوها في عمد فمدت عليهم بعماد في أعناقهم السلاسل فشدت بها الأبواب.
وقال ابن زيد: (في عمد) [من] حديد مغلولين فيها، وتلك العمد (من) نار قد احترقت من النار، فهي نار ممدودة عليهم، وقال قتادة: كنا نحدث أنّها عمد يعذبون بها في النار وهو اختيار الطبري.
وقال أبو صالح: هي القيود.

صفحة رقم 8434
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية