وَ «الْأَمْس» هُنَا يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْمَاضِي لَا حَقِيقَةُ أَمْسٍ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِكَ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ مُعْرَبًا ; وَكَانَ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ وَلَا إِضَافَةٍ، نَكِرَةً.
قَالَ تَعَالَى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ) : الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، وَالْعَامِلُ فِيهَا الِاسْتِقْرَارُ فِي «لِلَّذِينَ» ; أَيِ اسْتَقَرَّتْ لَهُمُ الْحُسْنَى مَضْمُونًا لَهُمُ السَّلَامَةُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْحُسْنَى ; لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا عُطِفَ عَلَى الْمَصْدَرِ احْتَاجَ إِلَى «أَنْ» ذِكْرًا أَوْ تَقْدِيرًا وَ «أَنْ» غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ مَرْفُوعٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا) : مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ قَوْلُهُ: «مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ» أَوْ قَوْلُهُ: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ) : أَوْ قَوْلُهُ: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ)، وَيَكُونُ (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا) مُعْتَرِضًا بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ. وَالثَّانِي: الْخَبَرُ (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ). وَجَزَاءُ مُبْتَدَأٌ. وَفِي خَبَرِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: بِمِثْلِهَا، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، كَقَوْلِهِ: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشُّورَى: ٤٠] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ زَائِدَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ: جَزَاءُ سَيِّئَةٍ مُقَدَّرٌ بِمِثْلِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةً بِجَزَاءٍ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَاقِعٌ.
(وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) : قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى كَسَبُوا وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي ; وَإِنْ قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْمَاضِي فَضَعِيفٌ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ حَالٌ. (
قِطَعًا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَهُوَ جَمْعُ قِطْعَةٍ، وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ «لِأُغْشِيَتْ».
وَ (مِنَ اللَّيْلِ) : صِفَةٌ لِقِطَعٍ.
وَ (مُظْلِمًا) حَالٌ مِنَ اللَّيْلِ ; وَقِيلَ: مِنْ «قِطَعٍ»، أَوْ صِفَةٌ لِـ «قِطَعٍ» وَذَكَّرَهُ لِأَنَّ الْقِطَعَ فِي مَعْنَى الْكَثِيرِ.
وَيُقْرَأُ بِسُكُونِ الطَّاءِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «مُظْلِمًا» صِفَةً لِقِطَعٍ، أَوْ حَالًا مِنْهُ، أَوْ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مِنَ اللَّيْلِ» أَوْ حَالًا مِنَ «اللَّيْلِ».
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَكَانَكُمْ) : هُوَ ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ الْأَمْرِ ; أَيِ الْزَمُوا ; وَفِيهِ ضَمِيرٌ فَاعِلٌ.
وَ (أَنْتُمْ) تَوْكِيدٌ لَهُ، «وَالْكَافُ وَالْمِيمُ» فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عِنْدَ قَوْمٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ: الْكَافُ لِلْخِطَابِ لَا مَوْضِعَ لَهَا، كَالْكَافِ فِي إِيَّاكُمْ.
(وَشُرَكَاؤُكُمْ) عَطْفٌ عَلَى الْفَاعِلِ.
(فَزَيَّلْنَا) : عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ، لِأَنَّهُ مِنْ زَالَ يَزُولُ ; وَإِنَّمَا قُلِبَتْ يَاءً ; لِأَنَّ وَزْنَ الْكَلِمَةِ فَيْعَلَ ; أَيْ زَيْوَلْنَا، مِثْلَ بَيْطَرَ وَبَيْقَرَ ; فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَعْرُوفِ، قُلِبَتْ يَاءً. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ زِلْتُ الشَّيْءَ، أَزِيلُهُ، فَعَيْنُهُ عَلَى هَذَا يَاءٌ، فَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ فَعَّلْنَا وَفَيْعَلْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)).