تفسير سورة البقرة

تفسير غريب القرآن للكواري

تفسير سورة سورة البقرة من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري.
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿الم﴾ أصَحّ الأقوال فيها أنها حروف ليست لها معنى؛ لأن القرآن نَزَلَ بلغة العرب، وليس لهذه الحروف معنى في العربية، وهذا قول «مجاهد»، وأما الحكمة منها فهي الإشارة إلى بيان إعجاز القرآن، وهذا اختيار «شيخ الإسلام» وتلميذه.
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ القرآن، وقيل: اللَّوْح المحفوظ.
﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ الرَّيْبُ: الشَّكّ المصحوب بالقَلَقِ.
﴿خَتَمَ﴾ غطَّى وَطَبَعَ فَلَا يدخل إليها الإيمان، كوضع الخَاتَم أو الطَّابع على الظرف حتى لا يدخله شيء.
﴿غِشَاوَةٌ﴾ غِطاء على العين يمنع الرؤية.
﴿يُخَادِعُونَ اللهَ﴾ بإظهار الإيمان وإخفاء الكفر حتى يعصموا أنفسهم.
﴿مَّرَضٌ﴾ شكٌّ ونفاق وألم وخوف من افتضاح أمرهم والضرب على أيديهم.
﴿كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ الصحابة، فهو عام أُرِيدَ به الخُصُوص، أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقَلْبِ واللِّسَانِ.
﴿السُّفَهَاء﴾ جمع سَفِيهٍ: ضَعِيف العقل لا يُحْسِن التصرف والتَّدْبِيرَ.
﴿لَقُوا﴾ اللقاء: الملاقاة والمواجهة وجهًا لوجه.
﴿شَيَاطِينِهِمْ﴾ أي: رؤساءهم الذين شابهوا الشيطان، وهو من بَعُدَ عن الحق من الجنِّ والإنس.
﴿يَمُدُّهُمْ﴾ يُمْهِلُهم، والمَد والإمداد واحد لكن الغالب استعمال الأول في الشر، والثاني في الخير.
﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ الطّغيان: مجاوَزَةُ الحَدِّ في الأمْرِ والإِسْرَاف فيه.
﴿يَعْمَهُونَ﴾ العَمَهُ: هو انْطِمَاسُ البصيرة والتَّحَيُّر في الرَّأيِ وفعله، والعَمَهُ للقَلْبِ كالعَمَى لِلْبَصَرِ وينتج عنه الحيرَة والضَّلَالُ.
﴿مَثَلُهُمْ﴾ صِفَتُهُم وَحَالُهم.
﴿اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ أوْقَدَ نارًا.
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ لا يَسْمَعُون ولا يَنْطِقُون ولا يُبْصِرُون.
﴿كَصَيِّبٍ﴾ الصيب: المَطَرُ، من الصوب وهو النزول؛ لأن المطر يصوب؛ أي: ينزل من السحاب إلى الأرض، والمراد: أصحاب الصيب؛ لأن المشبه به الذين أصابَهُم الصيب.
﴿الصَّوَاعِقِ﴾ جمع صَاعِقَة: وهي ما تُضْعِفُ؛ أي: تُهْلِكُ إما بالنار، أو بالصوت.
﴿حَذَرَ المَوْتِ﴾ خوفًا من المَوْت.
﴿يَكَادُ﴾ يقترب.
﴿يَخْطَفُ﴾ يَأْخذُ بِسُرْعة.
﴿شُهَدَاءكُم﴾ آلهتكم الذين تشهدون لهم بالإلوهية.
﴿مُتَشَابِهًا﴾ أي: يُشْبِهُ بعضه بعضًا في الجودة والحسن، ويختلف في الطعم، وتتشابه مع ثمر الدنيا في الأسماء.
﴿لاَ يَسْتَحْيِي﴾ لا يمنعه الحياء من ضَرْبِ الأمثال وإن صَغرت كالبَعُوضَة.
﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ في الحقارة؛ أي: أدنى من البعوضة كجناحها، أو أعلى منها كالذبابة، و «فوق» من الأضداد تطلق على الأقل والأكثر.
﴿إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ الخارجون عن طاعة الله، والمراد هنا: الخروج الكامل الذي هو الكفر.
﴿يَنقُضُونَ﴾ النقض: الحل بعد الإبرام.
﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾ ما عهد به إلى الناس من الإيمان والطاعة له ولرسوله - ﷺ -.
﴿كُنتُمْ أَمْوَاتًا﴾ قبل خلقكم، أو قبل نفخ الروح.
﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ أي: خَلَقَكُم ونَفَخَ فيكم أرواحَكُم.
﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عند انقضاء آجالكم.
﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ يَوْمَ القِيَامَةِ.
﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي: تُحْشَرون إلى الموقف عند الله سبحانه، فيُجَازِيكم بأعمالكم.
﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء﴾ أي: علا إلى السماء، وهذا اختيار «ابن جرير»، أو قصد إلى السماء وهذا اختيار «ابن كثير».
﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ عَدَّل خلقهن، فلا اعوجاج فيه.
﴿خَلِيفَةً﴾ الخليفة: الخالف لمن كان قبله، أي: من الملائكة، والمراد بالخليفة: آدم عليه السلام.
﴿وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾ بالقتل والإيذاء.
﴿بِحَمْدِكَ﴾ أي: حامدين لك.
﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ التقديس: التطهير، أي: وننزهُك عما لا يليق بك مما نسبه إليك الملحدون وافْتَرَاهُ الجاحدون.
﴿الأَسْمَاء﴾ أسماء المسميات كلها، وقيل: أسماء الملائكة، وأسماء ذرية آدم.
﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ أي: عَرَضَ المسميات، وعَرْضُ الشيء: إظهاره ليعرف العارض منه حاله.
﴿اسْجُدُوا﴾ أمرهم بالسجود لآدم إكرامًا له وتعظيمًا، وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله وبادروا كلّهم بالسجود.
﴿رَغَدًا﴾ أي: أكلًا رغدًا واسعًا كثيرًا لا عناء فيه.
﴿فَأَزَلَهُمَا﴾ أي: أوقعهما في الزَّلَل بتزيينه لهم.
﴿اهْبِطُوا﴾ ضمير الجمع لآدم وحواء وإبليس.
﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ آدم وذريته أعداءٌ لإبليس وذريته.
﴿فَتَلَقَّى﴾ أي قَبِلَ وأَخَذَ.
﴿كَلِمَاتٍ﴾ ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ... ﴾ الآية.
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: يا أولاد يعقوب، والأصل في (بني) للذكور، لكن إذا كانت لقبيلة أو لأمة شملت الذكور والإناث.
﴿اذْكُرُوا﴾ بالقلب واللسان والجوارح.
﴿نِعْمَتِيَ﴾ عليكم بإرسال الرسل وإنزال الكتاب والنجاة من فرعون وغير ذلك مما أنعمتُ به عليكم.
﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ ما أخذ عليهم في التوراة مِنَ اتِّبَاعِ محمَّد - ﷺ -، وقيل: هو أداء الفرائض.
﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ بما ضَمِنت لكم من الجزاء.
﴿فَارْهَبُونِ﴾ فخافوني ولا تخافوا غيري، والرهبة: شدة الخوف.
﴿مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ﴾ أي: لما في التوراة والإنجيل من أوصاف محمد.
﴿وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ﴾ لا تكونوا أول مَنْ كَفَرَ، وحقُّكم أن تكونوا أول المصدقين.
﴿الْبِرِّ﴾ أي: الإيمان والخير.
﴿تَنسَوْنَ﴾ تتركونها عن أمرها بذلك.
﴿تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾: تقرأون التوراة.
﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ سُمِّيَ العقل عقلًا؛ لأنه يعقلُ به ما ينفعه من الخير، ويتعقل به عمَّا يضرُّه.
﴿وَاسْتَعِينُوا﴾ الاستعانة: طلب العون للقدرة على القول والعمل.
﴿بِالصَّبْرِ﴾ الصبر: حَبْسُ النفس على ما تَكْرَهُ.
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ أي: الصلاة -أو الاستعانة- لَشَاقَّةٌ وثَقِيلَة.
﴿إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ﴾ الخشوع هو: خُضُوعُ القَلْبِ والطمأنينة، وسُكُونُهُ لله تعالى، وانْكِسَارُهُ بين يَدَيْهِ ذُلًّا وافتقارًا، وإيمانًا به وبِلِقَاءِهِ.
﴿يَظُنُّونَ﴾ والظن هنا بمعنى اليَقِينِ.
﴿مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ بالموْتِ، وراجعون إليه يَوْمَ القيامة.
﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ أي: على عالمي زمانهم.
﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نفْسٍ شَيْئًا﴾ أي: لا تُغْنِي نفس عن نفس أخرى، أي عنها ما دامت كافرة.
﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ على فرض أنها تقدمت بِعَدلٍ وهو الفداء فإنه لا يؤخذ منها.
﴿نَجَّيْنَاكُم﴾ النَّجَاة: الخَلاصُ من الهَلَكَةِ، كالخلاص مِنَ الغَرَقِ والخلاص من العذاب.
﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾ أَتْبَاع فرعون، ملك مصر على عهد موسى عليه السلام.
﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ يَبْغُونَكم سوء العذاب وهو أشدُّه وأفْظَعُهُ ويُذِيقُونَكُم إيَّاه.
﴿يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾: يتركون ذَبْحَ البنات لِيَكْبَرْنَ لِلْخِدْمَة.
﴿بَلاءٌ﴾ أي النجاة من فرعون، بلاء: إما بمعنى النعمة العظيمة، أو بمعنى الاختبار ليُعْلَمَ مَنْ يَشْكُر.
﴿وَإِذْ فَرَقْنَا﴾ صَيَّرْنَاه فِرْقَتَيْن، وما بينهما يبس لا ماء فيه لتسلكوه فتنجوا، والبحر هو بحر القلزم (الأحمر).
﴿وَاعَدْنَا﴾ وَاعَدَ في الخير والشر، والوَعْد في الخير، وأَوْعَدَ في الشر.
﴿الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ الكتاب: التوراة، والفرقان: المعجزات التي فَرَّقَ الله تعالى بها بَيْن الحقِّ والبَاطل.
﴿تَهْتَدُونَ﴾ إلى معرفة الحق في كلِّ شؤونِكم من أمور الدين والدنيا.
﴿فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ أجمعوا على أنه ليس معناه قَتْلُ كلِّ رجل نفسه، بل المراد أن يقتل بعضُهُم بعضًا.
﴿نَرَى اللهَ جَهْرَةً﴾ نراه عيانًا.
﴿الصَّاعِقَةُ﴾ نارٌ محرقة تكون مع السحب والأمطار والرعود.
﴿بَعَثْنَاكُم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ أي: أحييناكم بعد الموت الحقيقي بالصاعقة لتكملوا بقية آجالكم، وليس المراد بالموت النوم؛ لأنه يسمى وفاة لا موتًا.
﴿ظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ أي: جَعَلْنَا السَّحَابَ ظِلًّا عليكم في التيه ليقيكم حر الشمس، وسمي السحاب غمامًا؛ لأنه يغمُّ السماء؛ أي: يسترها.
﴿المَنَّ﴾ أصل المَنِّ: هو ما يُكْرِمُ به اللهُ من غير تَعَبٍ، والمراد هنا شيء سائل يقع على الشجر يُشْبِهُ العَسَلَ، وقيل: نَوْعٌ مِنَ الحَلْوَى.
﴿والسَّلْوَى﴾ طائر يقال له: السّمانيّ.
﴿مِن طَيِّبَاتِ﴾ الطيِّب: الحلال.
﴿الْقَرْيَةَ﴾ أي: بيت المقدس.
﴿رَغَدًا﴾ عيشًا واسعًا هنيئًا.
﴿الْبَابَ﴾ أي: باب بيت المقدس، أو باب القرية.
﴿حِطَّةٌ﴾ أي: قولوا هذه الكلمة، والتقدير: سؤالنا حِطَّةٌ، والمعنى: حطَّ ذنوبنا.
﴿نَغْفِرْ﴾ نمحو ونستر.
﴿رِجْزًا﴾ وباء الطاعون.
﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ يَخْرُجُونَ عن طاعة الله ورسوله - ﷺ -.
﴿اسْتَسْقَى﴾ طلب السقيا.
﴿تَعْثَوْاْ﴾ العثُوُّ هو أشد الفساد.
﴿بَقْلِهَا﴾ النبات الذي ليس له ساق.
﴿وقِثَّآئِهَا﴾ قيل: هو الخِيار.
﴿وفُومِهَا﴾ الثوم، وقيل: الحنطة.
﴿أَدْنَى﴾ أقل صلاحًا ومنفعة، كاستبدال الفوم والبقل بالمن والسلوى.
﴿مِصْرًا﴾ مدينة من المدن، قيل لهم هذا وهم في التيه كالتعجيز لهم والتحدي؛ لأنهم نكلوا عن قتال الجبارين فأصيبوا بالتيه، وحرموا خيرات مدينة القدس وفلسطين.
﴿الذِّلَّةُ﴾ الذل والهوان والصغار والاحتقار.
﴿المَسْكَنَةُ﴾ الفقر، فترى اليهود -ولو كانوا أغنياء- كأنهم فقراء فهم أشدُّ الناسِ حرصًا على المال.
﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ قَيْدٌ لبيان الواقع والتشنيع بفعلهم؛ لأنه لا يمكن قتل نبي بحق أبدًا.
﴿هَادُوا﴾ أي صاروا يهودًا وانتسبوا إلى دين اليهود، وهي شريعة موسى نسبة إلى جدهم «يهوذا» أكبر ولد يعقوب، سواء كان الواحد منهم من سبط يهوذا أو من باقي الأسباط، فاليهود: عَلَم أعجمي على هذه الأمة من الناس، وقيل: اليهود جمع يهودي.
﴿وَالنَّصَارَى﴾ جمع نصران كسكران، والنسبة إليه: نَصْراني لتَنَاصُرِهم، فهي على هذا عربية مشتقة، وقيل: من الناصرة في شمال فلسطين، فهي علم أعجمي.
﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ أظهر الأقوال أنهم قوم ليسوا على دين اليهود، ولا النصارى، ولا المجوس، ولا المشركين، وإنما هم قَوْمٌ باقون على فطرتهم ولا يَتَدَيَّنُون بِدِين.
﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ العهد الذي أُخِذَ عليكم في التوراة.
﴿رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ﴾ الطور في الأصل: اسم لكل جبل، والمراد هنا إما جبل معين، أو الجبل الذي كلَّمَ الله عليه موسى عليه السلام.
﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ أي: أقبلوا على التوراة بجِدٍّ ونَشَاط.
﴿خَاسِئِينَ﴾ أذلَّاء صاغرين، مُبْعَدِين عن الخَيْرِ.
﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أي: تلك العقوبة، وقيل: القرية التي كانت حاضرة البحر جعلناها عبرة للقرى؛ لأنهم علموا بما نَزَلَ بِهِمْ من العُقُوبَةِ.
﴿نَكَالًا﴾ النَّكَال والتَّنْكِيل: العقوبة التي تَمْنع الشخص من الرجوع إلى الفعل مرة أخرى، وقيل: النَّكال: العِبَر، وأصل النكال: المنع.
﴿بَقَرَةً﴾ هذا مُطَلق وعمومه بَدَلي، فلو ذَبَحُوا أَيَّ بَقَرَةٍ لَكَفَى.
﴿فَارِضٌ﴾ هي البَقَرَةُ المُسِنّة الكبيرة، وسمِّيَتْ بذلك؛ لأنها فرضت سنها أي: قطعتها وبلغت آخرها.
﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ أي: وسط بين الفارض والبكر.
﴿صَفْرَاء فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ شَدِيدُ الصُّفْرَةِ.
﴿لَا ذَلُولٌ﴾ الذلول: هي الرَّضِيّة التي زالت صعوبتها، فأصبحت سَهْلَةً مُنْقَادَة، وقيل: الذَّلول: التي ذَلَّلَهَا العمل.
﴿تُثِيرُ الأَرْضَ﴾ تقلبها بالمِحْرَاث فيثور غبارها، والمعنى أنها لم تستعمل في الحرث ولا في سقاية الزرع.
﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ سليمة من العيوب؛ كالعَوَر والعَرَجِ.
﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ الشِّيَة: العَلَامة؛ أي: لا يوجد فيها لَوْنٌ غَيْر لَوْنِهَا في سَوَاد أو بَيَاضٍ.
﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ قصة البقرة السابقة كانت لِقَتْلِ النَّفْسِ، ونسب القتل للجماعة وإن كان القاتل واحدًا لوجود القاتل فيهم.
﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ الدَّرْءُ: الدَّفْعُ، فالمتخاصِمُونَ كل منهم يدفع عن نفسه التهمة.
﴿اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ ولم يبين القرآن أيَّ جُزْءٍ مِنْهَا، وفي الآية إِضْمار تقديره: فضربوه فَصَارَ حَيًّا وَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ.
﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾ التَّحْرِيفُ: المَيْلُ بِالْكَلَامِ على وَجْهٍ لَا يَدُلُّ عَلَى معناه، كَمَا قالوا في نَعْتِ الرَّسُولِ - ﷺ - في التَّوْرَاةِ: أكْحَل العينين ربعة جعد الشعر حسن الوجه، قالوا: طويل أزرق العينين، سبط الشعر.
﴿بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي بما عرَّفكم في التوراة من نعت محمد - ﷺ -.
﴿أُمِّيُّونَ﴾ الأمي المنسوب إلى أُمِّه، فكأنه ما زال في حجر أمه لم يتعلم القراءة.
﴿إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ الأماني: جمع أمنية وهي إما ما يتمناه المرء في نفسه من شيء يريد الحصول عليه، وإما القراءة أي تلاوة الكتاب في تمني الكتاب إذا قرأه.
﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ أحاط كفره بما له من الحسنات.
﴿لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ﴾ لا يَسْفِكُ بعضُكم دماءَ بعض.
﴿وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم﴾ أي لا يُخْرِجُ بعضكم بعضًا من داره.
﴿تَظَاهَرُونَ﴾ المعاونة والمظاهرة واحد، وأصْلُهُ من الظَّهْرِ، فَكُلّ يجعل الآخر ظهرًا له ويَتَقَوَّى به.
﴿بِبَعْضِ الْكِتَابِ﴾ وهو أنهم كانوا يَفْدُون الأسير، وكان الله قد أخذ عليهم أربعة عهود: تَرْكَ القتل، وتَرْكَ الإِخْرَاج، وترك المظاهرة، وفك أسراهم فأعرضوا عن الكل إلا الفداء.
﴿خِزْيٌ﴾ الذل والهوان.
﴿قَفَّيْنَا﴾ أتْبَعْنَا، وأصْلُهُ من القَفَا، تقول: قَفَوْتُ الرَّجُل: إذا سِرْت خَلْفَه، والقائف: المتتبِّع للآثار.
﴿بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ جِبْريل عليه السلام.
﴿غُلْفٌ﴾ جمع: أَغْلَف، وهو كل شيء جعلته في غلاف، فزعموا أن قلوبهم في أغْلِفَة مُغَطَّاة لا تصل إليها دعوة الرسل.
﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ أي حكم بصدق التوراة والإنجيل، وجاء مطابقًا لما أخبرت التوراة والإنجيل، فَدَلَّ على أن التوراة والإنجيل أخبرت بالرسول باسمه، أو وصفه المميِّز لغيره.
﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ أي: يطلبون الفتح؛ أي: النصر بالنبي - ﷺ - على المشركين، والاستفتاح: الاستنصار.
﴿مَا عَرَفُوا﴾ الرسول الذي عرفوا نَعْتَه وصِفَتَهُ.
﴿سَمِعْنَا﴾ أي: سمعنا قولك بِحَاسَّة السمع.
﴿وَعَصَيْنَا﴾ أمرك؛ أي: لا نقبل ما تأمرنا به.
﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾ أي حبّ العجل الذي عبدوه بدعوة السامري لهم.
93
﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ أي: إيمانكم الذي زعمتم أنكم تُؤْمِنون بما أُنْزِل عليكم وتكفرون بما وراءه، فإن هذا الصنع هو قولكم: سمعنا وعصينا، يدل على أنكم كاذبون في قولكم: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾.
93
﴿خَالِصَةً﴾ خاصة لا يدخلها أحدٌ سواكم.
﴿فَتَمَنَّوُاْ المَوْتَ﴾ تمنُّوه في نفوسكم، واطلبوه بِأَلْسِنَتِكم، فإنَّ مَن كانت له الدار الآخرة لا خير له في بقائه في الدنيا.
﴿حَيَاةٍ﴾ التنكير فيها لتَعُمّ كل حياة ولو كانت ذَمِيمة.
﴿الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ هم غير أهل الكتاب من سائر الكفار.
﴿يَوَدُّ﴾ يحب.
﴿بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ بمبعده من العذاب.
﴿أَن يُعَمَّرَ﴾ أي: يعيش ألف سنة.
﴿وَمِيكَالَ﴾ ميكال وميكائيل: مَلَكٌ مِنْ أَعْظَمِ الملائكة، وقيل: معناه عبيد الله.
﴿نَبَذَهُ﴾ طَرَحَهُ وألقاه غير آبه به وَلَا مُلْتَفِت إليه.
﴿وَرَاء ظُهُورِهِمْ﴾ أي: أعرضوا عنه ولم يَلْتَفِتُوا إليه لمُنَافَاتِهِ لِمَا هُمْ مَعْرُوفُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - ﷺ - كأنهم لا يعلمون، مع أنَّهم يَعْلَمُونَ حَقَّ العِلْمِ.
﴿وَاتَّبَعُوا﴾ أي: اليهود.
﴿مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ﴾ من تلا يتلوه؛ أي: تَبِعَهُ، والمعنى: ما تَتبعه الشياطين وتأخْذ بِهِ من السِّحْرِ والشَّعْوَذَةِ التي ابْتَدَعَتْهَا الشياطين ونَسَبَتْهَا إلى سُلَيْمَانَ، فَلَيْسَ تتلوا هنا بمعنى تقرأ.
﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ أي: في عَهْدِ سُلَيْمَان، أو في زمان ملك سليمان.
﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ أي لم يَتَعَلَّم السحر، وبه استدل مَنْ ذَهَبَ إلى أن السحر كفرٌ، وفي الآية دليل على أن سليمان لا يقِرّ السحر؛ لأنه لا يقر على الكفر.
﴿وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا﴾ أي: يَتَعَلَّمون السحر، ولهذا قال سبحانه: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ فالشياطين هم الذين اتخذوا السحر.
﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ﴾ الجملة معطوفة على قوله: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا﴾، أي واتبعوا أيضًا ما تتلو على الملكين بِبَابِلَ هاروت وماروت، وهاروت وماروت عطف بيان على الملكين، والمُنَزَّل عليهما شيء من السحر، وقد امتحن الله الناس بهما في ذلك الزمان بتعليم السحر لحكمة هو يعلمها، وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا: نحن فتنة فلا تكفر بتعلم السحر، وقد استدل به من قال بكفر تَعَلّم السحر، وهذا على من جعل «ما» اسمًا موصولًا، ومن المفسرين من جعل «ما» نافية؛ أي أن الله لم ينزل عليهما السِّحْرَ، وتقدير الكلام: وما كَفَرَ سليمان، وما أنزل على الملكين السحر، ولكن هاروت وماروت ومَنْ تَبِعَهُمَا مِنَ الشياطين هم الذين كفروا بالسحر وَعَلَّمُوا النَّاسَ، والأول أولى؛ لأنه ظاهر الآية.
﴿رَاعِنَا﴾ من المراعاة، وهي المحافظة على الشيء والعناية به، فارعني سمعك وراعني؛ أي: استمع لي، وكان اليهود يقولون: يا محمد راعنا، يريدون اسم فاعل من الرعونة، يعني أن الرسول راعن، ومعنى الرعونة: الحمق والهوج، ولمَّا دار اللفظ بين المعنيين مُنِعَ المؤمنون عنه سدًّا للذريعة.
﴿قُولُوا انظُرْنَا﴾ أي: أمْهِلْنَا وانتظر ما يكون من شأننا.
﴿أَوْ نُنسِهَا﴾ من النسيان أي: ننسها العباد فنزيلها من قلوبهم، أو ننسها الرسول، والمراد: رفع الآية؛ لأن مجرد النسيان لا يقتضي النسخ، ومن المفسرين من فسر النسخ بإقامة غيره مقامه، وفسر الإنساء بالرَّفْعِ من غير إقامة غيره مقامه.
﴿وَلِيٍّ﴾ حافظ يحفظكم بتولِّي أموركم.
﴿نَصِيرٍ﴾ ناصر يَدْفَع عنكم المكروهَ.
﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ﴾ اختلف في المخاطب بالآية، فذهب بعضهم إلى أنهم اليهود، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أنَّهُم المُشْرِكُونَ، وذَهَبَ آخَرُون إلى أنهم المسْلِمُونَ، والأقوال كلها صالحة.
﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ لا تؤاخذوهم ولا تَلُومُوهُمْ؛ إذِ العفو: ترك العقاب، والصفح الإعراض عن المذنب.
﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾ أي بالقتال، وهو قتال بني قريظة، وإجلاء بني النضير وفرض الجزية عليهم، وفي الآية دليل على جواز مُهَادَنَةِ الكفّار إذا لم يكن بالمسلمين قُوَّة.
﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾ أي: تلك المقالة أمَانِيُّهُمْ جمع أمْنِيّة، وهي ما يَتَمَنَّاهُ الإنسان ويَشْتَهِيهِ بدون سبب يصل به إليه.
﴿وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ عَمِلَ في هَدْمِهَا وتَخْرِيبِهَا، حقيقة أو بمنع الصلاة فيها وصرف الناس عن التعبد فيها؛ إذ هذا من خرابها أيضًا.
﴿خِزْيٌ﴾ الذل والهوان.
﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ هناك الله تعالى؛ إذ الله عز وجل محيط بخلقه فحيثما اتجه العبد شرقًا أو غربًا، شمالًا أو جنوبًا وجد الله تعالى.
﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ يسع علمه كلَّ شيء.
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ مبدعها أي: موجدها على غير مِثَال سابق.
﴿لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللهُ﴾ أي: هلا يكلمنا الله بأنك نبي فنؤمن بك.
﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ في اتفاقهم على الكفر.
﴿حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾ أي: يُحِلّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ ويقرؤونه حق قراءته.
﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ العدل: الفداء.
﴿وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾ وساطة أحد.
﴿وَإِذِ ابْتَلَى﴾ أي: امْتَحَنَ، واخْتَبَره بتكليفه بأمور شاقة.
﴿بِكَلِمَاتٍ﴾ اختلف المفسرون فيها، فذهب بعضهم إلى أنها الشرائع التي أمر الله العمل بها، فهذه كلمات شرعية، وسمي التكليف بلاء؛ لأنه يشق على الأبدان، وذهب آخرون إلى أنَّها الكلمات الشرعية الكَوْنِيَّة، ومن ذلك أن الله امْتَحَنَهُ بأن أُلقِيَ في النار.
﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ عَمِلَ بِهِنَّ.
﴿إِمَامًا﴾ الإمام: القُدْوَةُ في الخَيْرِ والشَّرِّ، والمراد هنا إمامة الخير.
﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ يجوز أن تكون للتبعيض، أو لبيان الجنس؛ أي: اجعل ذريتي كلهم أئمة.
﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ عهدي فاعل، والظالمين مفعول به، أي لا يصيب ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان كافرًا، وهذا هو المراد من الظالم هنا.
﴿مَثَابَةً﴾ مرجعًا أي: يثوب الناس إليه، أي يرجعون من كل مكان.
﴿وَأَمْنًا﴾ أي يأمن الناس فيه على دمائهم وأموالهم، وقد حرم الله هذا البلد يوم خلق السماوات والأرض.
﴿مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ المقام مكان القيام، وله إطلاقان: عام وخاص، فأما العام وهو مكان قيام إبراهيم للعبادة في جميع مشاعر الحج، وأما المعنى الخاص فمقام إبراهيم هو الحجر الذي قام إبراهيم عليه عند بناء البيت.
﴿مُصَلًّى﴾ إن أريد به المعنى اللغوي وهو الدعاء فيشمل جميع مناسك الحج؛ لأنها محل للدعاء، وإن أريد المعنى الشرعي اختص بالركعتين خلف المقام.
﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ من الأرجاس الحسية والمعنوية.
﴿الْعَاكِفِينَ﴾ أي: المقيمين عنده، والمجاورين له.
﴿اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ أي: مَنْ فيه؛ لأن البلد نفسه لا يوصف بالأمن.
﴿قَالَ وَمَن كَفَرَ﴾ أي: قال الله: وأرزق مَنْ كَفَرَ أَيْضًا، فهي معطوفة على «مَنْ آمن» ولكنه قال في الكافر: «فأمَتِّعُهُ قليلًا».
﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾ أُلْجِئه مُكْرَهًا إلى العذاب.
﴿الْقَوَاعِدَ﴾ القواعد: جمع قاعدة وهو الأساس.
﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ منقادين لك خاضعين راضين بحكمك عابدين لك.
﴿أَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ عَلِّمْنَا كيف نحج بيتك تنسُّكًا وتعبدًا لك، وفي هذا دليل على أن العبادات توقيفية.
﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ أجمع المفسرون على أن المراد بالرسول هو محمد - ﷺ -.
﴿الْحِكْمَةَ﴾ قيل: هي السنة، ويحتَمَل أن يكون المراد بها: مَعْرِفَة أسرار الشريعة.
﴿وَوَصَّى بِهَا﴾ الضمير يعود على «أسلمت لِرَبِّ العَالمَين» ويجوز أن يعود على «ملة إبراهيم» وهي الإسلام.
﴿وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ لا إشكال في كون إسحاق وإبراهيم آباء، أما إسْمَاعيل فعَمّ والعَمّ صِنْو الأب وبمنزلته، وقيل: إنه تغليب.
﴿كُونُوا هُودًا﴾ يعني من اليهود، والهود: جمع هائد، مثل «عود» جمع عائد.
﴿حَنِيفًا﴾ مستقيمًا على دين الله تعالى موحدًا فيه لا يشرك بالله شيئًا.
﴿الأسْبَاطِ﴾ هم أولاد يعقوب، وهم اثنا عشرَ ولدًا، ولكل واحد منهم من الأولاد جماعة، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب.
﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ﴾ أي آمنَّا أيضًا بالتوراة والإنجيل والكتب التي أوتيها جميع النبيين.
﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾ لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى، فالمسلمون يؤمنون بكل نبي أرسله الله وبكل كتاب أنزله الله.
﴿شِقَاقٍ﴾ الشقاق: المُخَالَفَةُ والمُعَانَدَةُ.
﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ﴾ وَعْدٌ من الله تعالى لنبيه أنه سَيَكْفِيهِ مَنْ عَانَدَهُ وخَالَفَهُ من المتولين عن الحق.
﴿صِبْغَةَ اللهِ﴾ الصبغة اللون، والمعنى: الْزَمُوا صبغة الله أي دين الله، وإنما سماه صبغة؛ لأن أثر الدين يظهر على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب.
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ أي: اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة.
﴿وَاشْكُرُوا لِي﴾ أي اشكروا لي ما أنعمت عليكم.
﴿وَاسْتَعِينُوا﴾ الاستعانة: طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل.
﴿لَا تَشْعُرُونَ﴾ الشعور: الإحساس بالشيء المفضي إلى العلم به.
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أي: نَخْتَبِرُكم.
﴿بِشَيْءٍ﴾ التنكير للتقليل، ويحتمل أن يكون للتكثير، وفي الآية خمس مصائب:
﴿مِنَ الخَوفْ﴾ الخوف العام في البلد، والخاص في الإنسان نفسه.
﴿الجُوعِ﴾ إما لقلة الطعام أو لقلة المال أو المرض.
﴿نَقْصٍ مِنَ الأَمَوَالِ﴾ وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية، وغرق، وضياع، وأخذ الظَّلَمَةِ للأموال.
﴿وَالأنفُسِ﴾ أي: ذهاب الأحباب من الأولاد والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من تحبه.
﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾ ما يصيبها من الآفات.
﴿مُصِيبَةٌ﴾ المصيبة: النكبة التي يتأذّى بها الإنسان وإن صغرت، وقيل: كل ما يؤلم القلب والبدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
﴿إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ أي مملوكون لله مدبرون تحت أمره وتصريفه، وهذه الكلمات ملجأ للمصابين وعصمة للممتحنين، فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله، والاعتراف بالبعث والنشور، وإن الدنيا ليست آخر كل شيء.
﴿صَلَوَاتٌ﴾ الصلوات هنا: المغفرة والثناء الحسن.
﴿وَرَحْمَةٌ﴾ ومن رحمته إياهم أن وَفّقَهُمْ للصبر الذي ينالون به كمال الأجر.
﴿المُهْتَدُونَ﴾ إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلاء الله تعالى لهم وصبرهم على ذلك.
﴿مِن شَعَآئِرِ﴾ أي: بعض شعائر الله، وليس المراد أن الجبل نفسه من الشعائر، بل المراد الطواف.
﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أي: لا يمهلون، من الإنظار، ولا يُنظرون من النظر بالعين.
﴿اخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ ما يجري فيهما من حوادث: كالحر والبرد، والنصر والخذلان، وطول الليل وقصره.
﴿الْفُلْكِ﴾ الفُلْكِ: واحده وجمعه سواء، فإذا أريد الجمع يؤنث: تجري الفلك، وإذا أريد المفرد يذكر: يجري الفلك، وهي هنا بموقع الجمع (الفلك التي تجري) والمقصود السفن والمراكب ونحوها مما ألهم الله عباده صنعتها والانتفاع بها.
﴿تَجْرِي﴾ تسير في البحر؛ أي: في جوفه، ويجوز أن تكون «في» بمعنى «على» أي على سطح البحر.
﴿وَبَثَّ فِيهَا﴾ أي نَشَرَ وَفَرَّقَ.
﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ أي: تنويعها في اتجاهها.
﴿وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ﴾ أي الغمام المُذلّل بأمر الله، وسمي سحابًا؛ لأنه ينسحب انسحابًا في الجو.
﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ صفة لأنداد، ويحتمل أن تكون استئنافية لبيان معنى اتخاذهم أندادًا.
﴿اتُّبِعُوا﴾ الرؤساء والسادة.
﴿اتَّبَعُوا﴾ الأتباع والضعفاء.
﴿الأَسْبَابُ﴾ التي يؤملون بها الانتفاع.
﴿كَرَّةً﴾ الرجوع إلى الدنيا.
﴿يَنْعِقُ﴾ يصيح، والمراد: دعاء الراعي وتصويته بالغنم.
﴿بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾ النداء يكون لجميع البهائم، والدعاء يكون للبهائم المعينة التي سَمَّاهَا باسمها فهي تقبل على الصوت، لكن إقبالها لا يعني أنها تعقل.
﴿وَاشْكُرُوا لِلهِ﴾ الشكر: القيام بطاعة المنعم.
﴿حَرَّمَ﴾ حَظَرَ ومَنَعَ.
﴿المَيْتَةَ﴾ ما مات من الحَيَوَان حَتْفَ أنْفِهِ بدون تَذْكِيَةٍ.
﴿الدَّمَ﴾ المسْفُوح السَّائِل، لا المختلط باللَّحْمِ.
﴿الْخِنزِيرِ﴾ حيوان خبيث معروف يأكل العذرة ولا يَغَار على أنثاهُ.
﴿اضْطُرَّ﴾ أكره بحكم الضرورة التي لحقته من جوع أو ضرب.
﴿بَاغٍ﴾ أي: طالب للمحرم مع قدرته على الحلال، أو مع عدم جوعه.
﴿وَلاَ عَادٍ﴾ أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له اضطرارًا.
﴿فَلا إِثْمَ﴾ لا جناح ولا ذنب عليه.
﴿مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ﴾ لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه إنما حصل لهم بأقبح المكاسب وأعظم المحرمات، فكان جزاؤهم من جنس عملهم.
﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ﴾ بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم، فهذا أعظم عليهم من عذاب النار.
﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾ أي: لا يُطَهِّرُهُمْ من الأخْلَاق الرَّذِيلَة.
﴿الضَّلاَلَةَ﴾ العماية المانعة من الهداية إلى المطْلوب.
﴿لَفِي شِقَاقٍ﴾ التنازع والعَدَاءُ حَتَّى يكون صاحبه في شق ومنازعة في آخر.
﴿الْبِرَّ﴾ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ وطَاعَةٍ لله ورَسُولِهِ - ﷺ -.
﴿وَالْيَتَامَى﴾ جمع يَتِيم، وهو مَنْ مَاتَ والدُهُ وهو لم يبلغ الحِنْثَ.
﴿وَالمَسَاكِينَ﴾ جمع مِسْكين؛ أي: فقير معدم أسْكَتَتْهُ الحَاجَةُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّصَرُّف.
﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ المُسَافِر البَعِيد الدَّار المنْقَطِع عن أهله وماله.
﴿وَالسَّائِلِينَ﴾ جمع سائل، وهو الفقير المحتاج الذي أذن له في السؤال لدفع غَائِلَة الحاجة عن نفسه.
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ الرقاب جمع رقبة، والإِنفاق منها معناه: في عتقها.
﴿الْبَأْسَاء والضَّرَّاء﴾ البَأْسَاء: شِدَّةُ البُؤْسِ مِنَ الفَقْرِ، والضَّرَّاء: شِدَّة الضّرّ من المَرَضِ.
﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ عِنْدَ القِتَالِ واشْتِدَادِهِ في سَبِيلِ اللهِ.
﴿الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في دَعْوَاهُم الإيمَان والبِرّ.
﴿الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ أي المُسَاوَاة فيه، وأن يُقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول؛ إقامةً للعدل والقِسْط بين العباد.
﴿الحُرُّ بِالحُرِّ﴾ يدخل بمنطوقها الذكر بالذكر.
﴿وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾ والأنثى بالذكر، والذكر بالأنثى فَيَكُون مَنْطُوقُهَا مقدمًا على مَفْهُومِ قَوْلِهِ: ﴿وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾ مع دلالة السنة على أنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بالأنثى.
وخرج من عموم هذا الأبَوَانِ وإن عَلَوْا فلا يُقْتَلَان بالوَلَدِ، لورود السنة بذلك.
﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ أي: عَفَا وَلِيّ المقتول عن القَاتِلِ إلى الدِّيَةِ، أي: عَفَا بَعْضُ الأولياء فإنه يَسْقُطُ القِصَاصُ.
﴿بِالمَعْرُوفِ﴾ من غير أن يشق عليه، ولا يحمله ما لا يطيق، بل يحسن الاقتضاء والطلب ولا يحرجه.
﴿وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ من غير مَطْلٍ ولا نقص ولا إساءة فِعْلِيّة أو قَوْلِيّة، فهل جزاء الإحسان إليه بالعفو إلا الإحسان بحسن القضاء؟!
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ أي: تَنْحَقِن بذلك الدِّمَاء وتنْقَمِعُ به الأشقياء؛ لأن من عَرَفَ أنه مَقْتُولٌ إذا قَتَلَ لا يَكاد يَصْدُرُ منه القَتْلُ.
﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ أي أسبابه؛ كالمرَضِ المشرف على الهلاك، وحضور أسباب المهالك.
﴿تَرَكَ خَيْرًا﴾ تَرَكَ المَالَ الكَثِيرَ عرفًا.
﴿حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ﴾ دلَّ على وجوب ذلك؛ لأن الحَقَّ هو الثّابِتُ.
﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ﴾ أي: من تَوَقَّعَ أو اطَّلَعَ.
﴿يُطِيقُونَهُ﴾ يطوِّقه؛ أي: يَتَكَلَّفُونَهُ ويَبْلُغ الطاقة منهم حتى يصبح شاقًّا عليهم.
﴿وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي: خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْفِدْيَةِ.
﴿الدَّاعِ﴾ الدعاء نوعان: دعَاء عِبَادَةٍ، ودُعَاء مَسْأَلة، والقُرْب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.
﴿بِالْبَاطِلِ﴾ خلاف الحق.
﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ﴾ الإدلاء أصلها مأخوذة من: أدلى دلوه، والذي يدلي دلوه يريد التوصل إلى الماء، فتدلوا إلى الحكام وسيلة لأكلها بأن تعطي الحكام الرشوة ليحكم لك، أو تجْحَد الحَقّ ولا تَنْسبه لصاحبه فيحكم الحاكم لك، والضمير في قوله «بها» يعود على الأموال أو المحاكمة.
﴿ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ تَمَكَّنْتُم مِنْ قَتْلِهِمْ.
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ الفتنة هِيَ صَدُّ الناسِ عن دينهم، فالكُفَّار يُقَاتَلُونَ حتى لا يَكون صدٌّ عن سبيل الله ويكون دين الله هو الغالب.
﴿الشَّهْرُ الحَرَامُ﴾ الشهر المحرم القتال فيه، والأشهر الحرُم أربعة: ثلاثة سرد وواحد فرد، فالثلاثة هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، والرابع الفرد رجب.
﴿الحُرُمَاتُ﴾ جمع حرمة كالشهر الحرام والبلد الحرام والإحرام.
﴿التَّهْلُكَةِ﴾ كل شيء تصير عاقبته إلى الهلاك، والمقصود: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة وذلك بترك الإنفاق في سبيل الله؛ لأنه سَبَبُ الهَلَاك؛ حيث إنه يُقَوِّي العَدُوَّ عليكم.
﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ أي: مُنِعْتُمْ عَنْ إتمام النسك، والإحصار في اللغة: الحَبْسُ.
﴿ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ﴾ قيل: المراد به نفسه؛ أي: لِمَنْ لم يكن حاضرًا المسجد الحرام، وقيل: المراد بالأهل: سَكَنُهُ الذي يَسْكُنُ إليه من زَوْجَةٍ وَأَبٍ وَأمّ وأولاد.
﴿حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ﴾ أهل الحرم، وقيل: أهل المواقيت، وقيل: أهل مكة ومن بينهم وبين مكة دون مسافة القَصْرِ، والأول أولى.
﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ﴾ لأنَّهم كانوا في الجاهلية يذكرون أمجاد آبائهم إذا انتهوا من المناسك، وكلٌّ يَفْخَرُ بِنَسَبِهِ، فَأَمَرَ الله أن نَذْكُرَه كَذِكْرِ الآبَاءِ.
﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ قال بعضُهم: يعني بل أشد، وذكر «ابن القيم» أن «أو» هنا ليست بمعنى «بل» ولكنها لتخفيف ما سبق، يعني: إن لم يزيدوا فلن ينقصوا.
﴿آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ اجمعوا بهذا الدعاء بين خَيْرِ الدنيا وخير الآخرة، وهذه الآية من جَوَامِعِ الدّعَاءِ التي عَمَّتِ الدنيا والآخرة.
﴿نَصِيبٌ﴾ حَظٌّ مما عَمِلُوا من الخير والدعاء.
﴿سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ سَرِيعُ المجَازَاةِ لِعِبَادِهِ.
﴿وَاذْكُرُوا اللهَ﴾ بالتَّوْحِيدِ والتَّعْظِيمِ والتَّكْبِيرِ في أدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وعِنْدَ رَمْيِ الجَمَرَاتِ.
﴿فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ هي أيَّامُ التَّشْرِيقِ الثّلَاثة.
﴿وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ أي: اسْتِمْرَاره في النِّفَاقِ إشهاد لله تعالى على ما في قَلْبِهِ، وقال آخرون: إن المعنى: أنْ يُقْسِمَ ويَحْلِفَ أنَّهُ مُؤْمِنٌ، والمَعْنَيَانِ حَقّ.
﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ شديد الخصومة، وقيل: إذا خاصَمْتَهُ وجَدْتَ فيه مِنَ اللَّدَدِ والصُّعُوبَةِ والتَّعَصُّبِ مَا يَتَرَتَّب على ذلك ما هو من مقابح الصفات، ليس كأخلاق المؤمنين الذين جعلوا السُّهُولَة مَرْكَبَهُم، والانقياد للحق وظيفتهم، والسماحة سجيتهم.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ يشري: أي يبيع؛ لأن شَرَى بمعنى باع، فإذا حذفت التاء فهي للبائع المعطي، أما اشْتَرَى فهو بمعنى ابْتَاعَ، فإذا وجدت التاء فهي للمشتري الآخذ.
قال بعضهم: إن المقصود هو «صهيب الرومي» لمَّا ترك للكفار كل ما يملك حتى يهاجر، وقال أكثر المفسرين: بل هي عامة لكل المؤمنين المجاهدين في سبيل الله.
﴿السِّلْمِ﴾ بِكَسْرِ السِّينِ أو فَتْحِهَا، والمراد أحكام الإسلام وشرائعه.
﴿كَآفَّةً﴾ حال من السلم؛ أي: ادخلوا في الإسلام جميعه ولا تدعوا شيئًا من شعائره.
﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ لا تَتَّبِعُوا وَسَاوِسَهُ، وَلَا تَسْلُكُوا طَرِيقَهُ، وما يدعوكم إليه مِنَ المَعْصِيَةِ وما يُزَيِّنُهُ لَكُمْ مِنَ الشَّرِّ، والخطوات جمع خُطْوَة: وهي مَا بَيْنَ القَدَمَيْنِ.
﴿عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظَاهِرُ العَدَاوَةِ.
﴿فَإِن زَلَلْتُمْ﴾ أي: عَدَلْتُم، أو: مِلْتِمْ، والمعنى متقارب؛ لأن العادل عن الشيء زَالٌّ عنه.
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ أي: ما يَنْتَظِرُ التَّارِكُونَ الدُّخُولَ فِي الإِسْلَامِ؟
﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ﴾ أي يأتيهم الله نفسه.
﴿فِي ظُلَلٍ﴾ جمع ظُلَّة، وهي مَا أظلَّكَ.
﴿مِنَ الْغَمَامِ﴾ السَّحَاب الرَّقِيقُ الأبْيَضُ، وسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأنَّهُ يَغمّ؛ أي: يَسْتُرُ.
﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أي: قويُّ الجَزَاءِ بالعُقُوبَةِ، وسُمِّيَ الجَزَاء عُقُوبَة وعقابًا؛ لأنه يقع عقب الذنب مؤاخذة به.
﴿يَسْخَرُونَ﴾ يحتقرون ويستهزئون.
﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي: فَوْقَ الكُفّارِ في الدَّرَجَةِ؛ لأنَّهُمْ في الجنة والكُفَّار في النَّارِ.
﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ عطاءً كثيرًا بلا حَصْر.
﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ جَمَاعة واحدة تَدِين بدين وَاحِد وهو دِين الإسلام، فاختلفوا بعد ذلك وتَدَافَعُوا وتَنَازَعُوا والْتَبَسَ الحَقُّ عَلَيْهِمْ.
﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ البشَارَةُ لمنِ امْتَثَلَ وَأَطَاعَ، والإِنْذَارُ عَنِ الوُقُوعِ في المخَالَفَةِ.
﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ والظَّاهِرُ أن كل الرسل معهم كتب، وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بعض الرسل مَعهم كتب، والظاهر أن كل رسول معه كتاب.
﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ مَفْعُول لأجله عَامِلُهُ اختلف، والبَغْيُ هو العُدْوَانُ، فالَّذِينَ اخْتَلَفُوا في مُحَمَّدٍ - ﷺ - مِنَ الْيَهُودِ والنَّصَارَى كَان اخْتِلَافُهُمْ بَغْيًا وعُدْوَانًا.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ هَلْ ظَنَنْتُمْ، والخِطَابُ لمُحَمَّدٍ - ﷺ - ومَنْ مَعَهُ مِنَ المؤمنين.
﴿وَزُلْزِلُوا﴾ الزَّلْزَلة هنا ليست زَلْزَلَةَ الأرض، وإنما المرَاد زَلْزَلَة القلوب بالمخاوف والقَلْقِ والشُّبُهَات والشَّهَوَاتِ، والإصابات في المال وفي البدن وفي النفس.
﴿مَتَى نَصْرُ اللهِ﴾ أي: بلغ بهم الهَمّ والبَلَاءُ واسْتَبْطَؤوا النَّصْرَ، ولم يَبْقَ لهم صبرٌ حتى قالوا: (متى نصر الله؟) أي: طَلَبُوا النَّصْرَ وَدَعُوا به.
﴿الْقِتَالُ﴾ مصدر قاتل، والمراد: قِتَالُ الكُفَّار أعْدَاء الله.
﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ مصدر بمعنى اسم المفعول، يعني: وهو مكروه لكم.
﴿عَسَى أَن تَكْرَهُوا﴾ (عسى) تأتي لأربعة معان:
للرجاء، والإشفاق، والتوقع، والتعليل. والظاهر أنها للتوقع أو للترجية بمعنى أن الله يريد من المخاطب أن يرجو هذا، أما الترجِّي فإن اللهَ لا يَتَرَجَّى؛ لأن كل شيء عنده هين.
﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ يعني: أن القتال في الأشهر الحرم من كبائر الذنوب، وأكثر أهل العلم على أن هذا الحكم منسوخ، والأول أظْهَر، وقد بيَّنَ الله أن الذين اعترضوا على القتال في الأشهر الحُرُم قد فعلوا ما هو أشْنَعُ من ذلك: الصدُّ عن سبيل الله، والكفر به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله.
﴿وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾ يجوز أن تكون من الفعل اللازم، أي: صدهم أنفسهم عن سبيل الله، ويجوز أن تكون من المُتَعَدِّي؛ أي: صَدّهم غيرهم عن سبيل الله، وكلا الأمرين حاصل من هؤلاء المشركين.
﴿وَكُفْرٌ بِهِ﴾ أي: بالله.
﴿وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ﴾ إذا كان معطوفًا على الضمير «به» فالمعنى فالكفر بالمسجد الحرام عدم احترامه، وإن كان معطوفًا على قوله: «عن سبيل الله» فالمعنى: وصد عن المسجد الحرام.
﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ﴾ أي: إخراج النبي - ﷺ - وأصحابه الذين هاجروا إلى المدينة.
﴿أَكْبَرُ عِندَ اللهِ﴾ أي: أعظم إثمًا وجرمًا.
﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ الصدُّ عن سبيل الله ومنع المؤمنين، وإيذاؤهم.
﴿وَالمَيْسِرِ﴾ القمار، وضابطه: أن يكون فيه بين غانم أو غارم.
﴿كَبِيرٌ﴾ أي في الكيفية، وفي قراءة: كثير؛ أي: في الكمية.
﴿إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ أي مداخلتهم على وَجْهِ الإصْلَاحِ لهُمْ ولأموالهم خيرٌ من مُجَانَبَتِهِمْ.
﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ تعاشروهم في الطعام والخدمة والسُّكْنَى.
﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ إِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ، ومن حق الأخ أن يخالِطَ أخَاهُ ويعينه.
﴿لأعْنَتَكُمْ﴾ أي: لَشَقَّ عليكم فيما يشرعه لكم، ومن ذلك أن يَشقّ عليكم في أمر اليَتَامَى بأن لا تخالطوهم، وأن تقدِّرُوا غِذَاءَهُمْ تَقْدِيرًا بالغًا.
﴿تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ﴾ تتزوجوا الوَثَنِيَّات والكافِرَات اللاتِي جَعَلْنَ مع الله إلهًا آخر.
﴿وَلأَمَةٌ﴾ رَقِيقة مَمْلُوكة.
﴿وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ﴾ يوضِّحُ لهُمْ أحْكَامَ شَرْعِهِ وأَدِلّة دِينِهِ.
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ﴾ أي: سؤالهم عن المحيض: هل تكون المرأة بحالها بعد الحَيْضِ، كما كانت قبل ذلك، أم تجتنب مطلقًا كما يفعل اليهود؟
﴿أَذًى﴾ ضرر يضر المُجَامع في أيامه.
﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي المَحِيضِ﴾ اتركوا جِمَاعَهُنَّ أيام الحيض.
﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ اغْتَسَلْنَ عند الجمهور، وعند الحنفية: أن ينقطع الحيض عنهن.
﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ الأمر فيه لِرَفْعِ الحَظْرِ، ومَنْ قَالَ بأنه للوجُوبِ فَضَعِيف.
﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ يريد مَكَانَ إِنْجَابِ الأولاد، فَشَبَّهَ النساء بالحَرْثِ؛ لأن الأرْضَ إذا حُرِثَتْ أنْبَتَتِ الزَّرْعَ، والمَرْأَة إذا وُطِئَتْ أنْبَتَتِ الوَلَدَ بِإِذْنِ اللهِ.
﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ إِذْنٌ بِجِمَاعِ المَرْأة مُقْبِلَة أو مدبرة إذا كان ذلك في القُبُلِ الذي هو مَنْبَتُ الزَّرْعِ وهي طَاهِرَة من الحَيْضِ والنِّفَاسِ.
﴿وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ﴾ أي: الطَّاعَات والعَمَلَ الصَّالِحَ، ومن ذلك أن يباشر الرجُلُ امْرَأَتَهُ ويُجَامِعُهَا على وَجْهِ القُرْبَة والاحْتِسَاب، وعلى رَجَاء تَحْصِيلِ الذّرِّيَّة الذين يَنْفَعُ اللهُ بِهِمْ.
﴿وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ﴾ أي: لا تُصَيِّرُوا الحَلِفَ بِاللهِ مُعْتَرِضًا بَيْنَكُم وَبَيْنَ البِرِّ والتَّقْوَى والإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ.
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ﴾ أي: لا يؤاخذكم بالعُقُوبَةِ، ولا بإلْزَامِ الكَفَّارَةِ.
﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أي: نَوَيْتُمْ عَقْدَهُ كما قال: «عقدتم الأيمان» فالقُلُوبُ لها كَسْبٌ، كما أن للجوارح كسبًا.
﴿يُؤْلُونَ﴾ يحلفون على تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَاتِهِم.
﴿الطَّلاَقَ﴾ فَكّ رَابِطَة الزَّوْجِيَّةِ بقوله: هي طالق، أو مطلقة، أو طَلَّقْتُكِ.
﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ يَنْتَظِرْنَ في العدة ويحبسن أنفسهن من الزواج، ومِن المُفَسِّرينَ مَنْ ذَهَبَ إلى أن «بأنفسهن» توكيد زيدت فيه الباء.
﴿وَبُعُولَتُهُنَّ﴾ أي: أزْوَاجهُنَّ، وقد يكون: إنه باعتبار ما كان، كما في قوله: «وآتوا اليتامى» أي: بعد البلوغ، وإنما اليتيم باعتبار ما كان.
﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ أي: حُقُوق الرجال أكثر من حقوق النساء، فعقل الرجل أكمل كما في شهادته، ودينُهُ أكْمَل فَإِنَّ المَرْأَةَ إذا حاضت لم تُصَلِّ، والولاية للرجال دون النساء، والزوج هو الذي ينفق، وفي الميراث للذَّكَرِ مثل حَظِّ الأُنثيين.
﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ﴾ أي: الطلاق الذي فيه رجعة، وأما الثالثة فليس له رجعة.
﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ أي: في المرة الثالثة.
﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ أي: نكاحًا صحيحًا ويَطَؤُهَا؛ لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحًا، ويدخل فيه الوَطْءُ.
﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ أي: الزَّوْجُ الثَّاني، وظاهر الآية أنها تحل بمجرد عَقْدِ الثاني عليها، لكن السُّنَّة بينت أنه لا بد من الوطء.
﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ قيل: المراد: قَارَبَ بلوغ أجلهن؛ لأن العدة إذا انْتَهَتْ فَلَا إِمْسَاكَ، والقول الثاني: بلوغ الأجَلِ حَقِيقَةً بِطُهْرِهَا مِنَ الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَغْتَسِلَ، فإذا اغْتَسَلَتْ فَقَدِ انْتَهَتِ العدة، وهذا هو المذهبُ لِظَاهِرِ الآية، أما الآخَرون فأوَّلُوا الآية بما قَارَبَ بلوغَ الأجَلِ، وقوله: «فأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» أي: رُدُّوهُنَّ إلى عِصْمَتِكُم.
﴿لتَعْتَدُوا﴾ اللام لِلْعَاقِبَةِ، والمعنى: لِتَقَعُوا فِي الاعْتِدَاءِ.
﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ عَبَّرَ الله عن الإضرار بالزَّوْجَةِ وَإِمْسَاكِهَا بقوله تعالى: ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾؛ لأَنّ مَنْ ظَلَمَ غَيْرَه بِعُدْوَان فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ في الحَقِيقَةِ، ويُؤْخَذ من حَسَنَاتِهِ.
﴿الْحِكْمَةِ﴾ السنَّة.
﴿أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ أي: الخاطبين لهن، وعبَّرَ عنهم بالأزواج باعتبار ما سَيَكون، فالخِطَاب للأولياء، وقيل: الخِطَاب للأزواج وكانوا في الجاهلية إذا طَلّقَ أحَدُهُم مَنَعَهَا أن تتزوج من غيره.
﴿ذَلِكَ﴾ المُشَار إليه ما سبق من الأحكام.
﴿حَوْلَيْنِ﴾ عَامَيْن.
﴿وَعلَى المَوْلُودِ لَهُ﴾ أي: على الزَّوْجِ أو عَلَى السَّيِّد، أو الوَاطِئ بِشُبْهَةٍ.
﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ أي: لا يَحِلُّ أن تُؤْذَى أمُّ الوَلَد بمنعها من إرضاع وَلَدِهَا أو بمنعها الأَجْر على إِرْضَاعِهِ هذا في حَالِ طَلَاقِهَا أو مَوْتِ زَوْجِهَا.
﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ المُشَارُ إِلَيْهِ الرِّزْق والكِسْوَة، يعني أن على وارث المولود له مثل ما على أَبِيهِ مِنَ النَّفَقَةِ والْكِسْوَةِ.
﴿فِصَالًا﴾ الفِطَام قَبْلَ الحَوْلَيْنِ، يكون برضاء الوالِدَةِ والوَالِدِ.
﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ أي: وَعَشْر ليال، والمراد: عَشْرَة أيَّام لكن يُعَبَّرُ عن الأيام باللّيَالِي.
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ الضَّمِيرُ يَعُودُ على الأزْوَاجِ المُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، و «أجلهن» أي: مُدَّةُ العِدَّةِ.
﴿فِيمَا عَرَّضْتُم﴾ التَّعْرِيضُ: أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ لَا يُصَرّح فِيهِ.
﴿وَلَكِن لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ ذكر كثير من المفسرين أن «السِّرّ» من أسماء النِّكاح؛ لأنه يقع بين الرجل وامرأته سرًّا، فالمَعْنَى: لا تواعِدُوهُنَّ وَعْدًا سِرًّا فيما بينكم، وإذا نُهِيَ أن يواعدها سِرًّا بالنكاح فالعَلَانِيَة أوْلَى بِالمَنْعِ.
﴿إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ أي: لكِنْ قولوا، فالاستثناء مُنْقَطِعٌ.
﴿حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ أي: العِدَّة.
﴿لاَّ جُنَاحَ﴾ الإثم المترتب على المعصية.
﴿مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ﴾ أي: قَبْلَ الجِمَاعِ.
﴿أَوْ تَفْرِضُوا لهُنَّ فَرِيضَةً﴾ قبل تَسْمِيَة المهر، أي: لا مانع أن تجمعوا بين الأمرين: بين ألا تَفْرِضُوا لهن فريضة، وبين ألَّا تَمَسّوهن، فلا جناح عليكم إذا طلقتم المرأة بعد العقد بدون مَسِيس وبدون تَسْمِيَةِ مَهْرٍ.
﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أي: إذا طلقتموهن قبل الجماع وقبل تسمية المَهْرِ، والمتعة في هذه الحال واجبة عند الجمهور، وقال مالك: هي مستحبة، والمتعة أن يعطي المرأة شيئًا من الزَّادِ واللباس وغير ذلك، وظاهر الآية أن العِبْرَةَ بِعَدَمِ المَسِّ، ومنهم من جعل الخلوة كالجِمَاعِ.
﴿عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ الوسع في المال وقدره: ما يقدر عليه ويستطيعه.
﴿المُقْتِرِ﴾ الضيق العيش.
﴿إَلاَّ أَن يَعْفُونَ﴾ أي: النساء المطلقات.
﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ المراد به الزوج، وقِيلَ: وليُّ المَرْأَةِ، والأوَّلُ أوْلَى.
﴿والصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾ أي الفُضْلَى، وهي صلاة العصر.
﴿قَانِتِينَ﴾ خاشعين.
﴿الحَوْلِ﴾ العام.
﴿فَإِنْ خَرَجْنَ﴾ من بيت الزوج المتوفى قَبْلَ نهَايَة السنة.
﴿فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ﴾ مثل التزين والنكاح.
﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ﴾ «أل» من ألفاظ العموم، فيشمل كل المطلقات، ويُسْتَثْنَى من ذلك المرأة التي طلقت بعد الدخول، وبعد المسيس، واختار «شيخ الإسلام»: أن من طلقت بعد الدخول فلها المتعة مطلقًا.
﴿حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ﴾ المؤمنين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أي رؤية فكر لا رؤية نظر.
﴿خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ﴾ لم يبينهم الله عز وجل، فقيل: إنهم من بني إسرائيل، وقيل أنهم من غيرهم.
﴿حَذَرَ المَوْتِ﴾ من الوباء، عند أكثر المفسرين، وقيل: حذر الموت بالقتل.
﴿مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ ثُمَّ للتَّرَاخِي، ففيه دلالة على أن الله أحياهم بعد مدة إما بدعوة نبي أو بسبب آخر ليُرِيَ العبادَ آياتهِ، وفي الآية إيجاز الحذف، والتقدير: فماتوا ثم أحياهم.
﴿يُقْرِضُ اللهَ﴾ المراد بالقرض الحسن: هو ما جمع أوصاف الحسن، من النية الصالحة، وسَمَاحَةِ النَّفْسِ بالنَّفَقَةِ ووقوعها في مَحَلِّهَا، وأن لا يُتْبِعُها المنفق منًّا ولا أذًى ولا مُبْطِلًا ولا مُنْقِصًا.
﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لهُمُ﴾ أبهم الله النبي - ﷺ - ولو كان منه فائدة لذكره لنا.
﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ فيه دلالة على أن النبوة أعلى من مرتبة الملك؛ لأنهم خاطبوا النبي - ﷺ - أن يأتي لهم بالملك.
﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾ والإنسان إذا أُخْرِج من داره وبنيه فلا بد أن يقاتل لتحرير البلاد.
﴿التَّابُوتُ﴾ شيءٌ من الخَشَبِ يشبه الصندوق، ينزل، ويَصْطَحِبُونَه معهم، وفيه السكينة، يعني أنه كالشيء الذي يسكنهم.
﴿وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ هذا التابوت كان مفقودًا، وجاء به طالوت وفيه مما تَرَكَ آلُ مُوسَى وهَارُون من العِلْمِ والحِكْمَةِ، فإذا اصْطَحَبَ بَنُو إسرائيل التابوت أتَتْهُم السكينة، وفي هذا دليل على أن للسكينة تأثيرًا على القلوب.
﴿مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ﴾ هذا الابتلاء ليعلم من يصبر على الجهاد.
﴿وَلمَّا بَرَزُوا﴾ يعني طالوت وجنوده المؤمنين، ومعنى برزوا: صاروا بالبَرَازِ من الأرض، وهو ما ظهر منها واستوى.
﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ من علوم الدين والدنيا، فكان يصنع الدروع ويبيعها، وكان لا يأكل إلا من عمل يده، وعلَّمَهُ منطق الطير، وعلَّمَهُ الزبور وسياسة المُلك وضبطه.
﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ هم الذين يباشرون أسباب الشر والفساد والطغيان.
﴿لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ وذلك بغلبة أهل الشرك على أهل التوحيد، وأهل الكفر على أهل الإيمان.
﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ جعل لبعضهم من مزايا الكمال فوق ما جعله للآخر.
﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ أي بجبريل، وسمي بروح القدس؛ لأن الوحي يسمى روحًا، والقدس أي ما معه من العلم المُطَهَّر.
﴿خُلَّةٌ﴾ الخُلَّة: هي أعلى المحبة.
﴿الحَيُّ﴾ الذي جمع معاني الحياة الكاملة، من السمع والبصر، والقدرة والإرادة وغيرها، والصفات الذاتية.
﴿الْقَيُّومُ﴾ تدخل فيه جميع صفات الأفعال؛ لأنه القيوم الذي قام بنفسه واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بجميع الموجودات، فأوجدها وأبقاها، وأَمَدَّهَا بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها.
﴿سِنَةٌ﴾ النعاس.
﴿وَلاَ نَوْمٌ﴾ لأن السِّنَةَ والنوم إنما يعرضان للمخلوق الذي يعتريه الضعف والعجز والانحلال، ولا يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجلال.
﴿كُرْسِيُّهُ﴾ الكرسيُّ: موضع القدمين، ولا يعلم كنهه إلا الله تعالى.
﴿يَؤُودُهُ﴾ يثقله ويشق عليه.
﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ أي: العلي بعظمته وصفاته، الذي قَهَرَ المخلوقات، ودَانَتْ له الموجودات، وخضعت له الصعاب، وذلَّتْ له الرِّقَاب.
والعَظِيم: الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء والمجد والبَهَاءِ، الذي تحبُّه القلوب وتعظِّمُه الأرواح.
﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ لا يُكْرَهُ المرء على الدخول في الدين، وإنما يعتنقه بإرادته واختياره.
﴿الرُّشْدُ﴾ الإيمان.
﴿الْغَيِّ﴾ الكفر.
﴿الطَّاغُوتِ﴾ كل ما صَرَفَ عن عبادة الله تعالى من إنسان أو شيطان أو غيرهما.
﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ﴾ أي: مَنْ يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت فقد استمسك بالعروة الوثقى، وفي هذا دليل على تَفَاضُلِ الأعمال؛ لأن الوثقى اسم تفضيل.
﴿لاَ انفِصَامَ لَهَا﴾ لا تَنْفَكّ ولا تَنْحَلّ بحال من الأحوال.
﴿حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ﴾ أي جادله وناظره.
﴿أَنْ آتَاهُ اللهُ المُلْكَ﴾ أي: حَاجَّ إبراهيم لكونه أُعْطِيَ مُلكًا، وقد ذكروا أن اسمه «نمرود بن كنعان» لكن القرآن أبهمه.
﴿فَبُهِتَ﴾ تَحَيَّرَ وانْدَهَشَ.
﴿عَلَى قَرْيَةٍ﴾ اختلف المفسرون في تعيين القرية، وهي من مبهمات القرآن.
﴿خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ فارغة من سكانها، ساقطة على مبانيها.
﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لم يتغير.
﴿نُنشِزُهَا﴾ نُرَكِّبُ بعضها على بعض، من النشز وهو الارتفاع، فرَكَّبَ العظم على العظم الثاني في مكانه حتى صار الحمار عظامًا، ثم كساه الله لحمًا.
﴿أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى﴾ أي: اجعلني أنظر وأرى بعيني، والسؤال عن الكيفية لا عن الإمكان؛ لأن إبراهيم لم يشك في قدرة الله.
﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن﴾ هذا الاستفهام للتقرير وليس للإنكار.
﴿فَصُرْهُنَّ﴾ بكسر الصاد مِنْ صَار يصير، وبالضم من صار يصُورُ؛ أي: أمِلْهن إليك، والصور: الميل، فصرهن؛ أي: أمِلْهُنَّ واضْمُمْهُنَّ إليك.
﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾ أي: حبة بذرها إنسان فأنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ.
﴿فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ﴾ فتكون الجميع سبعمائة، فالحسنة إذًا في الإنفاق في سبيل الله بسبعمائة، والله يضاعف لمن يشاء.
﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ أي: مغفرة الإنسان لمن أساء إليه.
﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ أي: الحَجَرُ الأملس.
﴿وَابِلٌ﴾ أي: مَطَرٌ شَدِيد الوَقْعِ، شديد التتابع، فإذا أصاب المطر ترابًا على صفوان فسوف يزول التراب.
﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ أمْلَسَ لَيْسَ عليه شيء من التراب.
﴿لَا يَقْدِرُونَ﴾ يعجزون عن الانتفاع بشيء من صدقاتهم الباطلة.
﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ بُسْتَان في أرض مستوية جَيِّدَة طَيِّبَة.
﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ مَطَرٌ كَثِير.
﴿فَطَلٌّ﴾ الطَّلّ: هو الرَّذَاذُ، وقيل: هو اللين من المَطَرِ، أي: هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدًا؛ لأنها إن لم يصبها وابل فطل، وأيًّا كان فهو كفايتها، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا، بل يَتَقَبَّلُهُ الله ويكثره وينمِّيهِ، كل عامل بحسبه، ولهذا قال: ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، أي: لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء.
واعلم أنَّ المنَّ والأذى بالصدقة يبطل ثوابها، فللصدقة شروط سابقة كالإخلاص لله، وشروط لاحقة كَتَرْكِ المَنِّ والأَذَى.
﴿أَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾ أصاب صاحب الجنة الكِبَر، فعجز عن تصريفها والقيام عليها، وله ذرية ضعفاء؛ يعني: صغارًا أو عاجزين، فالأب كبير والذرية ضعفاء.
﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ﴾ أي: أصاب الجنة إعصار؛ أي: ريح شديدة فيها نار؛ أي: حرارة شديدة فاحترقت الجنة، وهذا مثل ضربه الله للمنفق المانِّ بنفقته.
﴿طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ أي: من خيار ما كسبتم وجيِّده، وفيه دليل على إباحة الكسب، وأنه ينقسم إلي طيب وخبيث، والمراد من هذا الإنفاق الزكاة، وقيل الصدقة.
﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِنَ الأَرْضِ﴾ ظاهر الآية وجوب الزكاة في الخارج من الأرض مطلقًا، لكن السنة بَيَّنَتْ أنَّه لا زَكَاةَ إلا فيما يُوسَقُ ويُكَالُ، فَلَا زَكَاةَ فِي الخضْرَوَات.
﴿وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ﴾ أي: لا تقصدوا الخبيث منه فتنفقونه.
﴿وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ﴾ أي: لستم بآخذي الرديء بدلًا عن الجيد لو كان الحق لكم.
﴿إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ أي: تأخذوه عن إغْمَاض، والإغْمَاضُ أخْذُ الشَّيْء على كراهيته كأنه أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ كَرَاهِيَة أن يراه.
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ أي: يُهَدِّدُكُمْ بالفقر إذا تَصَدَّقْتُمْ، ويقول للرجل: أمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ فَإِنَّكَ إِنْ تَصَدَّقْتَ افتَقَرْتَ.
﴿وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء﴾ أي: البخل، وإنما فُسِّرَ بالبخل؛ لأن فحش كل شيء بحسب القرينة والسياق.
﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللهِ﴾ يعني: لا تنفقون إنفاقًا ينفعكم إلا ما ابتغيتم به وجه الله.
﴿أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ أي: منع الفقراء من الخروج من ديارهم في سبيل الله أي: في شريعته.
﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ﴾ أي: لا يَقْدِرُونَ عَلَى السَّفَرِ لِقِلَّة ذَاتِ اليَدِ أوْ لأي سَبَبٍ آخر.
﴿مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ بسبب تعفُّفِهِمْ عن السؤال، والتَّعَفُّفُ من العِفَّةِ وهي تَرْكُ الشَّيْءِ والكَفُّ عنه.
﴿تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ أي: تَعْرِفُ أحْوَالَهم بَعَلَامَتِهِمْ، وهي صُفْرَةُ ألْوَانِهِمْ من الجُوعِ وَرَثَاثَةُ ثِيَابِهِمْ مِنَ الضُّر.
﴿إِلحَافًا﴾ إذا نظرنا إلى اللفظ كان معناه لا يُلِحُّونَ في المسألة، وإذا نظرنا إلى السياق نُرَجِّحُ أنَّهم لا يسألون مطلقًا، فيكون النَّفْيُ لِلْقَيْدِ وهو الإلحَافُ والمقَيَّد وهو السؤال، فلا يسألون مطلقًا.
﴿يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ يأخذونه ويتصرفون فيه بالأكل في بطونهم، وبغير الأكل، والربا هنا ربا النسيئة، وحقيقته: أن يكون لك على المرء دين فإذا حلَّ أجله ولم يقدر على تسديده تقول له: أَخِّرْ وزِدْ، فتؤخره أجلًا وتزيد في رأس المال قدرًا معينًا.
﴿لاَ يَقُومُونَ﴾ من قبورهم يوم القيامة.
﴿إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ﴾ ذهب الأكثر إلى أن هذا القيام يكون من قبورهم يوم القيامة فيقوم كالمصْرُوعِ الذي يَتَخَبَّطُه الشيطان، والتخبُّطُ هو الضَّرب العشوائي، والقول الثاني: إن هذا القِيَام في الدنيا؛ حيث شَبَّهَ سبحانه تصرفاتهم العشوائية الجنونية حين طلبهم الربا بحال المصروع الذي لا يعرف كيف يتصرف، ولم يختلفوا أن الشيطان يتخبط الإنسان ويصرعه في الدنيا خلافًا للمعتزلة.
﴿مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ تَذْكِير وتَخْوِيف.
﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ أي: ما مَضَى، وذَنْبُهُ قبل النهي مغفور له.
﴿وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ﴾ فيما يأمره ويَنْهَاه ويحل له ويحرم عليه.
﴿يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا﴾ أي يُتْلِفُ مال المرابي حسيًّا بالإتلاف، أو مَعْنَوِيًّا بِنَزْعِ البَرَكَةِ.
﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ أي: يزيدها الحَسَنَة بِعَشْرةِ أمثالها إلى سَبْعِمِائَةِ ضَعْفٍ إلى أضعاف كثيرة، فالله يربي الصدقات؛ أي: يزيدها إمَّا زِيَادَة حِسِّيَّةً بأن ينفق عشرة فيخلف عليه عشرين، وإما بالزِّيَادَةِ المَعْنَوِيَّةِ بأن ينزل الله البَرَكَةَ في مَالِهِ.
﴿كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ كُلّ مُصِرٍّ على كُفْرِهِ مُتَمَادٍ في الإِثْمِ.
﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا﴾ يعني: فإن لم تتركوا ما بَقِيَ من الرِّبَا بعد تَحْرِيمِهِ.
﴿فَأْذَنُوا﴾ فَأَعْلِنُوا.
﴿بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ هذا من أعْظَمِ مَا يَدُلّ على شَنَاعة الرِّبا؛ حيث جعل المصرَّ عليه محاربًا لله ورسُولِه.
﴿وَإِن تُبْتُمْ﴾ من المعاملات الربوية.
﴿ذُو عُسْرَةٍ﴾ العُسْرُ نَقِيض اليُسْرِ: وهو تَعَذّر وِجْدَان المال، والمقصود: إن كان الذي عليه الحق من غُرَمَائِكُمْ مُعْسِرًا لا يجد المال.
﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ أي عليكم إِنْظَارُهُ إلى زَمَنِ اليَسَارِ وهو وجدان المال الذي يُؤَدِّيهِ في دَيْنِه.
﴿وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ بالإِبْرَاءِ وإِسْقَاطِ الدَّيْنِ عَنِ المَدِينِينَ المُعْسِرِين خير من مطالبته في الحَال، وخَيْر من إنظاره إلى أَجَلٍ.
﴿إِذَا تَدَايَنتُم﴾ أي: دَايَنَ بعضكم بَعْضًا، والدَّينُ: ما ثَبَتَ في الذِّمَّة من ثَمَنِ بَيْعٍ أو أجْرَةٍ أو صَدَاق أو قَرْضٍ أو غَيْر ذلك.
﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ أي: الدَّيْن بأجَلِهِ؛ لأنه أدْفَعُ لِلنِّزَاعِ وأَقْطَعُ لِلْخِلَافِ.
﴿بِالْعَدْلِ﴾ بلا زيادة ولا نُقْصَان ولا غِشّ ولا احْتِيال، بل بالحق والإنصاف.
﴿وَلاَ يَأْبَ﴾ لا يمتنع الذي يحسن الكتابة.
﴿وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ﴾ لأنّ الإِمْلَاءَ اعْتِرَافٌ منه بالذي عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ.
﴿وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ لا ينقص من الدَّينِ الذي عليه شيء وَلَوْ قَلّ.
﴿سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا﴾ السَّفِيهُ: الّذِي لا يُحْسِنُ التصرفات المالية، والضعيف: العاجز عن الإمْلَاءِ؛ كالأَخْرَسِ أو الشَّيخ الهرم.
﴿وَلِيُّهُ﴾ من يَلِي أمره ويَتَوَلَّى شُؤُونه لِعَجْزِهِ وقُصُورِهِ.
﴿من رِّجَالِكُمْ﴾ من المسلمين الأحْرَارِ دون العبيد والكفار.
﴿أَن تَضِلّ إْحْدَاهُمَا﴾ تَنْسَى أو تُخْطِئ لقصر إدراكها.
﴿وَلاَ تَسْأَمُوْاْ﴾ لا تضجروا أو تَمَلّوا في الكتابة ولو كان الدين صغيرًا مَبْلَغُهُ.
﴿أَقْسَطُ عِندَ اللهِ﴾ أعدل في حكم الله وشرعه.
﴿وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ﴾ أَثْبَتُ لها وأكثر تقريرًا؛ لأن الكتابة لا تُنْسَى، والشهادة تُنْسَى أو يموت الشاهد أو يغيب.
﴿وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا﴾ أقرب أن لا تَشُكُّوا بخلاف الشَّهَادة بدون كتابة.
﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ أي تتعاطونها، البائع يُعْطِي البِضَاعَةَ والمُشْتَرِي يعطي النقود، فلا حَاجَة إلى كِتَابَتِهَا ولا إلى حَرَجٍ أو إِثْمٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.
﴿وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ إذا باع أحَدٌ أحدًا دارًا أو بستانًا أو حيوانًا يُشْهِدُ على البيع.
﴿وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ﴾ بأن يُكَلفَ ما لا يَقْدِر عَلَيْهِ، بأن يُدْعَى ليشهد في مَكَانٍ بَعِيدٍ يَشُق عليه، أو يُطَلَب إليه أن يكتب زورًا أو يشهد به.
﴿فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ أي خروج عن طاعةِ رَبِّكُمْ.
﴿سَفَرٍ﴾ السفر: الخروج من الدَّارِ والبَلَدِ ظاهرًا بعيدًا بمسافة أربعة برد فأكثر.
﴿فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾ فاعْتَاضُوا عن الكتابة بالرَّهن، فلْيَضَعْ المدين رهنًا لدى الدائن.
﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ أي: فليُعْطِ الدَّيْنَ الذي عليه؛ حَيْثُ تَعَذَّرَتْ الكتابة، ولم يأخذ دَائِنُهُ منه رَهْنًا على دَيْنِهِ.
﴿آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ لأنّ الكتمان من عمل القلب فنسب الإثم إلى القلب.
﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ «أل» للعهد والمراد به محمد - ﷺ - صدَّق أن هذا القرآن وجملة ما فيه من الشَّرَائع والأحكام مُنَزَّلٌ مِن عند الله عزَّ وجل.
﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا﴾ التكليف: الإلْزَام بما فيه من كُلْفَةٍ وَمَشَقَّة.
﴿إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ إلا مَا تَتَّسِع لَهُ طاقتها ويكون في قدرتها.
﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ من الخَيْرِ.
﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ مِنَ الشَّرّ.
﴿تُؤَاخِذْنَا﴾ تُعَاقِبْنا.
﴿نَسِينَا﴾ نسيانًا غيرَ عمد.
﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ فعلنا غَيْرَ مَا أَمَرْتَنَا خَطَأً مِنَّا وبدون إرَادَةٍ ولا عَزِيمَةٍ.
﴿إِصْرًا﴾: تكليفًا شاقًّا يُثْقِلُ علينا ويأسرنا، فيحبسنا عن العمل.
﴿مَوْلاَنَا﴾ مالكنا وسيدنا ومتولي أمرنا، لا مولى لنا سواك.
286
سُورة آلِ عِمْرَانَ
سورة البقرة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (البقرةِ) هي أطولُ سورةٍ في القرآنِ العظيم، وفيها أطولُ آيةٍ؛ وهي آيةُ (الدَّين)، وكذلك فيها أعظمُ آيةٍ؛ وهي آيةُ (الكُرْسيِّ)، وإنما جاءت كذلك - لا سيَّما وهي ثاني سورةٍ في القرآن الكريم -؛ لأنها أبانت عن مقصدِ القرآن الأعظم، وفصَّلتْ في أحكامِ الدِّينِ وشرائعه ومعاملاته؛ فافتُتحت ببيانِ مقصدِ هذا الكتاب العظيم؛ وهو {هُدٗى لِّلْمُتَّقِينَ}؛ فهذا الكتابُ إنما نزَل للهداية والإرشاد. ثم أوضَحتِ السُّورةُ ردودَ أفعال الناس تُجاهَ هذا الكتاب، مقسِّمةً إياهم إلى (مؤمن، وكافر، ومنافق)، كما فصَّلتِ الكثيرَ من الشرائع المتعلقة بالصَّدَقات، والطلاق، والمعاملات. ولهذه السُّورةِ فضلٌ عظيم؛ فلا يستطيعها السَّحَرةُ والبَطَلة، كما قُدِّمَ حافظُها على غيره، وكانت تُعطَى له القيادةُ والرياسة؛ لعظيم شأنها، ولِما اشتملت عليه من أحكامٍ. وفيها قصةُ (بقرةِ بني إسرائيل) التي سُمِّيتِ السورة باسمها.

ترتيبها المصحفي
2
نوعها
مدنية
ألفاظها
6140
ترتيب نزولها
87
العد المدني الأول
285
العد المدني الأخير
285
العد البصري
287
العد الكوفي
286
العد الشامي
285

* قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٞ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اْلْكِتَٰبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اْللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيْلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: 79]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: {فَوَيْلٞ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اْلْكِتَٰبَ بِأَيْدِيهِمْ}، قال: «نزَلتْ في أهلِ الكتابِ». "خلق أفعال العباد" (ص 54).

* قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَٰبٞ مِّنْ عِندِ اْللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى اْلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [البقرة: 89]:

عن عاصمِ بن عُمَرَ بن قتادةَ، عن رجالٍ مِن قومِه، قالوا: «إنَّ ممَّا دعانا إلى الإسلامِ  مع رحمةِ اللهِ تعالى وهُدَاه لنا: لَمَا كنَّا نَسمَعُ مِن رجالِ يهُودَ، وكنَّا أهلَ شِرْكٍ أصحابَ أوثانٍ، وكانوا أهلَ كتابٍ، عندهم عِلْمٌ ليس لنا، وكانت لا تزالُ بيننا وبينهم شرورٌ، فإذا نِلْنا منهم بعضَ ما يَكرَهون، قالوا لنا: إنَّه قد تقارَبَ زمانُ نبيٍّ يُبعَثُ الآنَ، نقتُلُكم معه قَتْلَ عادٍ وإِرَمَ، فكنَّا كثيرًا ما نَسمَعُ ذلك منهم، فلمَّا بعَثَ اللهُ رسولَه ﷺ، أجَبْناه حين دعانا إلى اللهِ تعالى، وعرَفْنا ما كانوا يَتوعَّدوننا به، فبادَرْناهم إليه، فآمَنَّا به، وكفَروا به؛ ففينا وفيهم نزَلَ هؤلاء الآياتُ مِن البقرةِ: ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَٰبٞ مِّنْ عِندِ اْللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى اْلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعْنَةُ اْللَّهِ عَلَى اْلْكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 89]». سيرة ابن هشام (1/213).

* قوله تعالى: ﴿مَن ‌كَانَ ‌عَدُوّٗا ‌لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ اْللَّهَ عَدُوّٞ لِّلْكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 98]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «أقبَلتْ يهُودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: يا أبا القاسمِ، نسألُك عن أشياءَ، فإن أجَبْتَنا فيها اتَّبَعْناك، وصدَّقْناك، وآمَنَّا بك.

قال: فأخَذَ عليهم ما أخَذَ إسرائيلُ على بَنِيهِ إذ قالوا: ﴿اْللَّهُ ‌عَلَىٰ ‌مَا نَقُولُ وَكِيلٞ﴾ [يوسف: 66].

قالوا: أخبِرْنا عن علامةِ النبيِّ ﷺ، قال: «تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه».

قالوا: أخبِرْنا كيف تُؤنِثُ المرأةُ، وكيف تُذكِرُ؟ قال: «يلتقي الماءانِ؛ فإذا علا ماءُ المرأةِ ماءَ الرَّجُلِ آنثَتْ، وإذا علا ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المرأةِ أذكَرتْ»، قالوا: صدَقْتَ.

قالوا: فأخبِرْنا عن الرَّعْدِ؛ ما هو؟ قال: «مَلَكٌ مِن الملائكةِ موكَّلٌ بالسَّحابِ، معه مَخاريقُ مِن نارٍ، يسُوقُ بها السَّحابَ حيث شاء اللهُ»، قالوا: فما هذا الصوتُ الذي يُسمَعُ؟ قال: «زَجْرُه بالسَّحابِ إذا زجَرَه، حتى ينتهيَ إلى حيث أُمِرَ»، قالوا: صدَقْتَ.

قالوا: أخبِرْنا ما حرَّم إسرائيلُ على نفسِه؟ قال: «كان يسكُنُ البَدْوَ، فاشتكى عِرْقَ النَّسَا، فلم يَجِدْ شيئًا يلاوِمُه إلا لحومَ الإبلِ وألبانَها؛ فلذلك حرَّمها»، قالوا: صدَقْتَ.

قالوا: أخبِرْنا مَن الذي يأتيك مِن الملائكةِ؛ فإنَّه ليس مِن نبيٍّ إلا يأتيه مَلَكٌ مِن الملائكةِ مِن عندِ ربِّهِ بالرسالةِ وبالوحيِ، فمَن صاحبُك؛ فإنَّما بَقِيَتْ هذه حتى نُتابِعَك؟ قال: «هو جِبْريلُ»، قالوا: ذلك الذي يَنزِلُ بالحربِ وبالقتلِ، ذاك عدوُّنا مِن الملائكةِ، لو قلتَ: ميكائيلُ، الذي يَنزِلُ بالقَطْرِ والرحمةِ؛ تابَعْناك.

فأنزَلَ اللهُ تعالى: ﴿ ‌مَن ‌كَانَ ‌عَدُوّٗا ‌لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ اْللَّهَ عَدُوّٞ لِّلْكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 98]». أخرجه أحمد (2514).

* قولُه تعالى: {وَدَّ كَثِيرٞ مِّنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ اْلْحَقُّۖ فَاْعْفُواْ وَاْصْفَحُواْ} [البقرة: 109]:

جاء عن كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ كعبَ بنَ الأشرَفِ اليهوديَّ كان شاعرًا، وكان يهجو النبيَّ ﷺ، ويُحرِّضُ عليه كفَّارَ قُرَيشٍ في شِعْرِه، وكان المشركون واليهودُ مِن المدينةِ حين قَدِمَها رسولُ اللهِ ﷺ يُؤذُون النبيَّ ﷺ وأصحابَه أشَدَّ الأذى، فأمَر اللهُ تعالى نبيَّهُ بالصَّبْرِ على ذلك، والعفوِ عنهم؛ وفيهم أُنزِلتْ: {وَدَّ كَثِيرٞ مِّنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ} إلى قولِه: {فَاْعْفُواْ وَاْصْفَحُواْ} [البقرة: 109]». أخرجه أبو داود (رقم ٣٠٠٠).

* قولُه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ‌اْلْمَشْرِقُ ‌وَاْلْمَغْرِبُۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 115].

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي وهو مُقبِلٌ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ على راحلتِهِ حيث كان وجهُهُ، قال: وفيه نزَلتْ: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اْللَّهِۚ﴾». أخرجه مسلم (700).

* قولُه تعالى: ﴿وَإِذْ ‌جَعَلْنَا ‌اْلْبَيْتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمْنٗا وَاْتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدْنَآ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهِـۧمَ وَإِسْمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَاْلْعَٰكِفِينَ وَاْلرُّكَّعِ اْلسُّجُودِ﴾ [البقرة: 125].

سببُ نزولِها: ما جاء عن أنسٍ - رضي الله عنه -، قال: «قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه -: وافَقْتُ ربِّي في ثلاثٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو اتَّخَذْنا مِن مقامِ إبراهيمَ مُصلًّى؛ فنزَلتْ: ﴿ ‌وَاْتَّخِذُواْ ‌مِن ‌مَّقَامِ إِبْرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ ﴾ [البقرة: 125].

وآيةُ الحجابِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو أمَرْتَ نساءَك أن يَحتجِبْنَ؛ فإنَّه يُكلِّمُهنَّ البَرُّ والفاجرُ؛ فنزَلتْ آيةُ الحجابِ.

واجتمَعَ نساءُ النبيِّ ﷺ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: ﴿ ‌عَسَىٰ ‌رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ ﴾؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٠٢).

* قوله تعالى: {سَيَقُولُ اْلسُّفَهَآءُ مِنَ اْلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ اْلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَاۚ} [البقرة: 142]:
عن البراءِ رضي الله عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي نحوَ بيتِ المقدسِ، ويُكثِرُ النظرَ إلى السماءِ ينتظِرُ أمرَ اللهِ؛ فأنزَلَ اللهُ: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اْلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةٗ تَرْضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِۚ} [البقرة: 144]،  فقال رجالٌ مِن المسلمين: وَدِدْنا لو عَلِمْنا عِلْمَ مَن مات قبل أن نُصرَفَ إلى القِبْلةِ؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ} [البقرة: 143]، وقال السُّفهاءُ مِن الناسِ: ما ولَّاهم عن قِبْلتِهم التي كانوا عليها؟ فأنزَلَ اللهُ: {سَيَقُولُ اْلسُّفَهَآءُ مِنَ اْلنَّاسِ} [البقرة: 142] إلى آخرِ الآيةِ. "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 25، 26).

* قولُه تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ ﴾ [البقرة: 143].

ممَّا صحَّ: ما جاء عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «لمَّا وُجِّهَ النبيُّ ﷺ إلى الكعبةِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، كيف بإخوانِنا الذين ماتوا وهم يُصَلُّون إلى بيتِ المقدسِ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ﴾ [البقرة: 143]». أخرجه أبو داود (٤٦٨٠)، والترمذي (٢٩٦٤).

* قولُه تعالى: ﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِي اْلدِّينِۖ ﴾ [البقرة: 256].

جاء عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «كانت المرأةُ مِن الأنصارِ تكونُ مِقْلاةً، لا يكادُ يعيشُ لها ولَدٌ، فتَجعَلُ على نفسِها إن عاش لها ولَدٌ أن تُهوِّدَهُ، فلمَّا أُجلِيَتْ بنو النَّضيرِ، كان فيهم مِن أبناءِ الأنصارِ، فقالوا: لا ندَعُ أبناءَنا؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِي اْلدِّينِۖ ﴾ [البقرة: 256]». أخرجه أبو داود (٢٦٨٢).

* قولُه تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اْللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اْكْتَسَبَتْۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَاۚ ﴾ [البقرة: 286].

سببُ نزولِ هذه الآيةِ: ما جاء عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه -، قال: «لمَّا نزَلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ: ﴿ لِّلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۗ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اْللَّهُۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَاْللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٖ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]، قال: فاشتَدَّ ذلك على أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فأتَوْا رسولَ اللهِ ﷺ، ثم برَكُوا على الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِن الأعمالِ ما نُطِيقُ؛ الصَّلاةَ، والصِّيامَ، والجهادَ، والصَّدقةَ، وقد أُنزِلتْ عليك هذه الآيةُ ولا نُطِيقُها، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «أتُريدون أن تقولوا كما قال أهلُ الكتابَينِ مِن قَبْلِكم: سَمِعْنا وعصَيْنا؟! بل قُولوا: سَمِعْنا وأطَعْنا، غُفْرانَكَ ربَّنا وإليك المَصِيرُ»، قالوا: سَمِعْنا وأطَعْنا، غُفْرانَكَ ربَّنا وإليك المَصِيرُ، فلمَّا اقترَأَها القومُ، ذَلَّتْ بها ألسنتُهم؛ فأنزَلَ اللهُ في إثرِها: ﴿ ءَامَنَ اْلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَاْلْمُؤْمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ اْلْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، فلمَّا فعَلوا ذلك، نسَخَها اللهُ تعالى؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اْللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اْكْتَسَبَتْۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَاۚ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نَعم. ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرٗا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى اْلَّذِينَ مِن قَبْلِنَاۚ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نَعم. {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ}، قال: نَعم. {وَاْعْفُ عَنَّا وَاْغْفِرْ لَنَا وَاْرْحَمْنَآۚ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَاْنصُرْنَا عَلَى اْلْقَوْمِ اْلْكَٰفِرِينَ}، قال: نَعم». صحيح مسلم (125).

* ثبَت لسورة (البقرة) اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهراء):

لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عمرانَ». أخرجه مسلم (804).

«والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضيئتان، واحدتُها: زَهْراءُ». "لسان العرب" (4 /332).

وقد عَدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوَينِ) في هذا الحديثِ هو مِن باب الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).

* أمَرنا النبيُّ ﷺ أن نقرأَها في بيوتِنا؛ فإنَّ الشيطانَ يَنفِرُ منها:

كما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «لا تَجعَلوا بيوتَكم مقابرَ؛ إنَّ الشيطانَ يَنفِرُ مِن البيتِ الذي تُقرأُ فيه سورةُ البقرةِ». أخرجه مسلم (780).

* هي السُّورة التي لا يستطيعها البَطَلةُ:

فعن بُرَيدةَ بن الحُصَيب الأَسْلمي رضي الله عنه، قال: كنتُ جالسًا عند النبيِّ ﷺ، فسَمِعْتُه يقول: «تَعلَّموا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه أحمد (٢٢٩٥٠).

* آخِرُ آيتَينِ منها تكفيانِ قارئَهما:

فعن عبدِ الرحمنِ بن يَزيدَ، قال: لَقِيتُ أبا مسعودٍ رضي الله عنه عند البيتِ، فقلتُ: حديثٌ بلَغني عنك في الآيتَينِ في سورةِ (البقرة)، فقال: نعم، قال رسولُ الله ﷺ: «الآيتانِ مِن آخِرِ سورةِ البقرةِ، مَن قرَأهما في ليلةٍ كَفَتَاهُ». أخرجه مسلم (807).

* سورة (البقرة) تُحاجُّ عن صاحبها يومَ القيامة:

فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «اقرَؤوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).

* لحافِظِها فضلٌ خاصٌّ وشأن عظيم:

فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (3/120) (12236).

وعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: بعَث رسولُ اللهِ ﷺ بَعْثًا، وهم ذو عَدَدٍ، فاستقرَأهم، فاستقرَأ كلَّ رجُلٍ منهم ما معه مِن القرآنِ، فأتى على رجُلٍ منهم - مِن أحدَثِهم سنًّا -، فقال: «ما معك يا فلانُ؟!»، قال: معي كذا وكذا، وسورةُ البقرةِ، قال: «أمعك سورةُ البقرةِ؟!»، فقال: نعم، قال: «فاذهَبْ؛ فأنت أميرُهم»، فقال رجُلٌ مِن أشرافِهم: واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما منَعني أن أتعلَّمَ سورةَ البقرةِ إلا خشيةُ ألَّا أقُومَ بها! فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «تعلَّموا القرآنَ، واقرَؤوه؛ فإنَّ مثَلَ القرآنِ لِمَن تعلَّمَه، فقرَأه وقام به: كمثَلِ جرابٍ محشوٍّ مِسْكًا، يفُوحُ رِيحُه في كلِّ مكانٍ، ومثَلَ مَن تعلَّمَه، فيرقُدُ وهو في جوفِه: كمثَلِ جرابٍ وُكِئَ على مِسْكٍ». أخرجه الترمذي (٢٨٧٦).

* لها نزَلتِ الملائكةُ مستمِعةً:

فعن أُسَيدِ بن حُضَيرٍ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، بينما أنا أقرأُ الليلةَ سورةَ البقرةِ، إذ سَمِعْتُ وَجْبةً مِن خَلْفي، فظنَنْتُ أنَّ فَرَسي انطلَقَ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اقرَأْ يا أبا عَتِيكٍ»، فالتفَتُّ فإذا مِثْلُ المِصباحِ مُدَلًّى بين السماءِ والأرضِ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَأْ يا أبا عَتِيكٍ»، فقال: يا رسولَ اللهِ، فما استطعتُ أن أمضيَ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «تلك الملائكةُ؛ نزَلتْ لقراءةِ سورةِ البقرةِ، أمَا إنَّك لو مضَيْتَ، لرأيْتَ العجائبَ». أخرجه ابن حبان (779).

* فيها أعظَمُ آيةٍ في كتابِ الله؛ وهي آيةُ (الكُرْسيِّ):

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟»، قال: قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟»، قلتُ: {اْللَّهُ ‌لَآ ‌إِلَٰهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ ‌اْلْحَيُّ ‌اْلْقَيُّومُۚ}، قال: فضرَب في صدري، وقال: «واللهِ، لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنذِرِ». أخرجه مسلم (٨١٠).

* لعلَّ رسولَ الله ﷺ قرَأها في صلاةِ الكسوف:

فقد جاء عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: «لمَّا كسَفتِ الشمسُ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، توضَّأَ، وأمَرَ فنُودي: إنَّ الصَّلاةَ جامعةٌ، فقام، فأطال القيامَ في صلاتِهِ، قالت: فأحسَبُه قرَأَ سورةَ البقرةِ، ثم ركَعَ، فأطال الرُّكوعَ، ثم قال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ثم قام مِثْلَ ما قام، ولم يسجُدْ، ثم ركَعَ، فسجَدَ، ثم قام، فصنَعَ مِثْلَ ما صنَعَ، ثم ركَعَ ركعتَينِ في سَجْدةٍ، ثم جلَسَ، وجُلِّيَ عن الشمسِ». أخرجه البخاري (١٠٤٦).

* وكذا كان يَقرَؤُها ﷺ في قيامِهِ بالليل:

فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثمَّ يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عزَّ وجلَّ إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢). وقد ورَد نحوُ هذا الحديث عن عوفِ بن مالك الأشجَعيِّ. انظر: النسائي (١١٣١).

حوَتْ سورةُ (البقرةِ) كثيرًا من الموضوعات المتنوِّعة، وقد جاءت على هذا الترتيبِ:

هداية القرآن وخلافة الإنسان (١-٣٩).

هداية القرآن وموقف الناس منها (١-٢٠).

أمر الناس باتِّباع المنهج، ونموذج الاستخلاف الأول (٢١- ٣٩).

بنو إسرائيل ومسوِّغات عزلِهم عن الخلافة (٤٠-١٦٢).

تذكير وعتاب (٤٠-٤٨).

ثم ذِكر أحوال بني إسرائيل ومسوِّغات عزلِهم عن الخلافة (٤٩-٧٤).

وبعد ذلك ذِكر مواقفِ اليهود المعاصرين للنبيِّ عليه السلام (٧٥-١٢٣).

دعوة إبراهيم وتبرئتها من انتساب اليهود والنصارى إليها (١٢٤-١٤١).

انتقال القِبْلة والإمامة في الدِّين لأمَّة محمد عليه السلام (١٤٢-١٦٢).

مقوِّمات استحقاقِ أمَّة الإسلام للخلافة (١٦٣-٢٨٣).

الشرائع التفصيلية للدِّين الإسلامي (١٦٣-١٧٧).

تفصيل بعض أمور البِرِّ (١٧٨-٢٠٣).

نماذجُ بشرية ومواعظُ إلهية (٢٠٤-٢٢٠).

تفصيل أحكام الأُسرة (٢٢١-٢٤٢).

قِصص الإحياء والإماتة (٢٤٣-٢٦٠).

الإنفاق؛ آدابه والمستحِقون له (٢٦١-٢٧٤).

حفظ الأموال عن الحرام والإضاعة (٢٧٥-٢٨٣).

دعاءٌ وإجابة (٢٨٤-٢٨٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسُوَر القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /19).

جاءت هذه السُّورةُ الكريمة ببيانِ منهج خلافة الله في الأرض بين مَن أضاعوه ومَن أقاموه، وسُمُوِّ هذا الدِّين على ما سبَقه، وعُلُوِّ هَدْيِه، وأصولِ تطهيره النفوسَ بعد تبيينِ شرائعِ هذا الدِّين لأتباعه، وإصلاحِ مجتمَعِهم بعد إقامة الدليل على أنَّ الكتابَ هدًى؛ ليُتَّبعَ في كلِّ حال. وأعظَمُ ما يَهدِي إليه: الإيمانُ بالغيب؛ ومَجمَعُه: الإيمان بالآخرة، ومدارُه: الإيمان بالبعث، الذي أعرَبتْ عنه قصةُ (البقرة)، التي مدارها: الإيمانُ بالغيب؛ فلذلك سُمِّيتْ بها السورةُ. ينظر: "مصاعد النظر" للبقاعي (2 /10)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /203).