تفسير سورة البقرة

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة البقرة من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ الۤـمۤ ﴾ وسائر حروف الهجاء في أوائل السور، كان بعض المفسرين يجعلها أسماء للسور؛ تعرف كل سورة بما افتتحت به؛ وبعضهم يجعلها أقساما أقسم الله تعالى بها لشرفها وفضلها؛ ولأنها مبادئ كتبه المنزلة ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا. وبعضهم يجعلها حروفا مأخوذة من صفاته عز وجل كقول ابن عباس في كهيعص: إن الكاف من كاف والهاء من هاد والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق.
﴿ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ ﴾ أي يصدقون بأخبار الله عن الجنة والنار والحساب والقيامة وأشباه ذلك. ﴿ يُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ ﴾: إقامتها: أن يؤتى بها بحقوقها؛ كما فرض الله عز وجل؛ يقال: قام بالأمر؛ وأقام الأمر؛ إذا جاء به معطي حقوقه ﴿ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾: أي يزكون ويتصدقون.
﴿ هُدًى ﴾ رشد ﴿ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ الفلاح هو البقاء والظفر أيضا؛ ثم قيل لكل من عقل وجزم وتكاملت فيه خلال الخير: قد أفلح. وقوله: ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الظافرون بما طلبوا الباقون في الجنة.
﴿ ءَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ أأعلمتهم بما تحذرهم؛ ولا يكون المعلم منذرا حتى يحذر باعلامه؛ فكل منذر معلم؛ وليس كل معلم منذر.
﴿ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ ﴾: طبع الله على قلوبهم. ﴿ غِشَاوَةٌ ﴾ أي غطاء.
﴿ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ ﴾ بمعنى يخدعون: أي يظهرون خلاف ما في قلوبهم. وقيل: يخادعون: أي يظهرون الإيمان بالله ورسوله ويضمرون خلاف ما يظهرون فالخداع منهم يقع بالإحتيال والمكر؛ والخداع من الله عز وجل يقع بأن يظهر لهم من الإحسان ويعجل لهم من النعيم في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم ويستر من عذاب الآخرة لهم جزاء لفعلهم، فجمع الفعلان لتشابههما من هذه الجهة. وقيل: معنى الخداع في كلام العرب الفساد؛ ومنه قول الشاعر: طيب الريق إذا الريق خدع   أي فسد. فمعنى يخادعون الله أي يفسدون ما يظهرون من الإيمان بما يضمرون من الكفر؛ كما أفسد الله نعمهم في الدنيا بما صاروا إليه من عذاب الآخرة.
﴿ مَّرَضٌ ﴾ أي في قلوبهم شك ونفاق. ويقال: أصل المرض الفتور. ويقال: المرض في القلب الفتور عن الحق؛ والمرض في الأبدان: فتور الأعضاء؛ والمرض في العين: فتور النظر. ﴿ أَلِيمٌ ﴾: مؤلم أي موجع.
(إذا) وقت مستقبل. ﴿ يَشْعُرُونَ ﴾ يفطنون. ﴿ مُسْتَهْزِءُونَ ﴾ أي ساخرون. وقوله: ﴿ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ أي يجازيهم جزاء استهزائهم ﴿ طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ يقول: في غيهم وكفرهم يحارون ويترددون. ويعمهون في اللغة: يركبون رءوسهم متحيرين حائرين عن الطريق؛ يقال: رجل عمه وعامه: أي متحير وحائر عن الطريق.
﴿ ٱسْتَوْقَدَ ﴾: بمعنى أوقد ﴿ بُكْمٌ ﴾ خرس.﴿ صَيِّبٍ ﴾ أي مطر؛ فيعل من صاب يصوب إذا نزل من السماء.﴿ رَعْدٌ ﴾ انظر ١٣ من الرعد.
﴿ فِرَٰشاً ﴾ أي مهادا. وقوله جل اسمه: ﴿ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً ﴾ أي ذللها لكم ولم يجعلها حَزْنة غليظة لا يمكن الإستقرار عليها ﴿ أَندَاداً ﴾ أمثالا ونظراء؛ وأحدهم ند ونديد.
﴿ رَيْبٍ ﴾ شك.﴿ سُورَةٍ ﴾ غير مهموزة: منزلة ترتفع إلى منزلة أخرى كسورة البناء. وسؤرة مهمزة: قطعة من القرآن على حدة؛ من قولهم: أسأرت من كذا؛ أي أبقيت وأفضلت منه فضلة.
﴿ مُتَشَٰبِهاً ﴾ أي يشبه بعضه بعضا في الجودة والحسن. ويقال: يشبه بعضه بعضا في الصورة ويختلف في الطعم. وقوله تعالى:﴿ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾[الزمر: ٢٣]: يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا لا يختلف ولا يتناقض ﴿ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ يعني مما في نساء الآدميين من الحمل والحيض والغائط والبول ونحو ذلك؛ ومطهرات خلقا وخلقا محببات محبات ﴿ خَٰلِدُونَ ﴾ باقون بقاء لا آخر له. وبه سميت الجنة دار الخلد وكذلك النار (فاسقين) أي خارجين عن أمر الله عز وجل؛ ومنه قوله عز وجل﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾[الكهف: ٥٠] أي خرج عنه؛ وكل خارج عن أمر الله فهو فاسق؛ فأعظم الفسوق الشرك بالله ثم أدنى معاصيه؛ وحكى عن العرب: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها.
﴿ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ﴾ انظر ١١ من غافر.
﴿ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ أي نصلي ونحمدك.﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾: نطهر لك ﴿ سُبْحَٰنَكَ ﴾ تنزيه وتبريء للرب عز وجل.
﴿ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ﴾: مذهب العرب إذا أخبر الرئيس منها عن نفسه قال: فعلنا وصنعنا لعلمه أن أتباعه يفعلون بأمره كفعله ويجرون على مثل أمره، ثم كثر الإستعمال حتى صار الرجل من السُّوَق يقول: فعلنا وصنعنا. والأصل ما ذكرت ﴿ إِبْلِيسَ ﴾: إفعيل من أبلس؛ أي بئس. ويقال هو اسم أعجمي فلذلك لا ينصرف ﴿ رَغَداً ﴾: كثيرا واسعا بلا عناء.﴿ أَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ ﴾ أي استزلهما؛ يقال أزللته فزل؛ وأزالهما نحاهما؛ يقال أزلته فزال.﴿ مَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ أي سعة إلى أجل.﴿ حِينٍ ﴾ أي غاية ووقت وزمان غير محدود، وقد يجيء محدودا.﴿ تَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ ﴾: أي قبل وأخذ (تواب): أي الله يتوب على العباد؛ والتواب من الناس التائب.﴿ ٱهْبِطُواْ مِنْهَا ﴾ الهبوط: الانحطاط من علو إلى أسفل بالضم والكسر جميعا.
﴿ إِسْرَائِيلَ ﴾ يعقوب عليه السلام ﴿ ٱرْهَبُونِ ﴾ خافون وإنما حذفت الياء لأنها في رأس آية، ورءوس الآيات ينوى الوقف عليها، والوقوف على الياء يستثقل، فاستغنوا عنها بالكسرة.
﴿ تَلْبِسُواْ ﴾ انظر ٧١ من آل عمران (زكاء وزكاة) أي طهارة ونماء، وإنما قيل لما يجب في الأموال من الصدقة زكاة لأن تأديتها تطهر الأموال مما يكون فيها من الإثم والحرام إذا لم يؤد حق الله منها. وتنميها وتزيد فيها البركة وتقيها من الآفات.﴿ تَعْقِلُونَ ﴾: العاقل. الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، ومن هذا قولهم: اعتقل لسان فلان إذا حبس ومنع من الكلام.
﴿ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ ﴾ أي يوقنون، ويظنون أيضا: يشكون وهو من الأضداد ﴿ فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ انظر ١٤٠ من الأعراف.﴿ تَجْزِي ﴾ أي تقضي وتغني، كقوله ﴿ لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ﴾ أي لا تقضي ولا تغني عنها شيئا، يقال: جزى فلان دينه إذا قضاه، وتجازي فلان دين فلان: أي تقاضاه والمجازي: المتقاضي.﴿ عَدْلٌ ﴾ أي فدية، كقوله: ﴿ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ وقوله:﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾[الأنعام: ٧٠].
وعدل: مثل أيضا، كقوله﴿ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً ﴾[المائدة: ٩٥] أي مثل ذلك. قال أبو عمر: لا يقال عدل بمعنى مثل إلا عند أبي عبيدة، قال: العدل بالفتح. القيمة، والعدل أيضا الفدية، والعدل أيضا: الرجل الصالح، والعدل أيضا الحق، والعدل بالكسر: المثل. ﴿ إِذْ ﴾ وقت ماض ﴿ يَسُومُونَكُمْ ﴾ أي يولونكم، ويقال: يريدونه ويطلبونه ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ﴾ أي يستفعلون من الحياة. أي يستبقونهن ﴿ بَلاۤءٌ ﴾ على ثلاثة أوجه: نعمة، واختبار، ومكروه. ﴿ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ ﴾ أي فلقناه.﴿ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ قومه وأهل دينه.
﴿ عَفَوْنَا عَنكُم ﴾ محونا عنكم ذنوبكم. ومنه قوله﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ ﴾[التوبة: ٤٣] أي محا الله عنك ذنوبك.﴿ فرقان) ما فرق به بين الحق والباطل.{ بَارِئِكُمْ ﴾ خالقكم ﴿ جَهْرَةً ﴾: أي علانية (صاعقة) أي موت؛ والصاعقة أيضا كل عذاب مهلك.
(غمام): سحاب أبيض؛ سمي بذلك لأنه يغم السماء: أي يسترها ﴿ ٱلْمَنَّ ﴾ هو شيء حلو كان يسقط في الحر على شجرهم فيجتنونه ويأكلونه. ويقال: المن: الترنجبين ﴿ ٱلسَّلْوَىٰ ﴾: وهو طائر يشبه السماني؛ لا واحد له. والفراء يقول سماناه ﴿ حِطَّةٌ ﴾ مصدر حط عنا ذنوبنا حطة. والرفع على تقدير: إرادتنا حطة؛ ومسألتنا حطة. ويقال الرفع على أنهم أمروا بذلك بعينه. وقال المفسرون: تفسير حطة: لا إله إلا الله.
﴿ تَعْثَوْاْ ﴾ العثُوّ والعيث: أشد الفساد. ﴿ فُومِهَا وَعَدَسِهَا ﴾ الفوم: الحنطة، والخبز أيضا؛ يقال فوموا لنا: أي اختبزوا لنا. ويقال: الفوم: الحبوب. ويقال: الفوم: الثوم، أبدلت الثاء بالفاء كما قالوا: جدث وجدف للقبر ﴿ ٱهْبِطُواْ مِصْراً ﴾ أي انزلوا مصرا ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ ﴾: أي ألزموها. والذلة الذل، والمسكنة فقر النفس، لا يوجد يهودي موسر، ولا فقير غني النفس، وإن تعمّل لإزالة ذلك عنه.﴿ بَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾: انصرفوا بذلك، ولا يقال: باء إلا بشر. ويقال: باء بكذا: إذا أقربه أيضا.
﴿ هَادُواْ ﴾: تهودوا أي صاروا يهودا. وهادوا: تابوا، من قوله عز وجل﴿ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ ﴾[الأعراف: ١٥٦] أي تبنا (صابئين) أي خارجين من دين إلى دين، يقال: صبأ فلان إذا خرج من دينه إلى دين آخر، وصبأت النجوم خرجت من مطالعها، وصبأ نابه خرج. وقال قتادة: الأديان ستة؛ خمسة للشيطان وواحد للرحمن: الصابئون يعبدون الملائكة ويصلون للقبلة ويقرءون الزبور، والمجوس يعبدون الشمس والقمر، والذين أشركوا يعبدون الأوثان، واليهود والنصارى. قال أبو عبد الله بن خالويه قلت لأبي عمر: كان قتادة عجبا في الحفظ، فقال نعم، قال وقال يوما في مجلسه: ما نسيت شيئا قط ثم قال لغلامه: هات نعلي؛ فقال نعلك في رجلك. (طور) جبل.
﴿ خَاسِئِينَ ﴾: باعدين ومبعدين أيضا وهو إبعاد بمكروه؛ يقال: أخسأت الكلب وخسأ الكلب. ﴿ نَكَالاً ﴾ أي عقوبة وتنكيلا. وقيل: معنى ﴿ نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ أي جعلنا قرية أصحاب السبت عبرة لما بين يديها من القرى وما خلفها ليتعظوا بهم. وقوله تعالى:﴿ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ ﴾[النازعات: ٢٥] أي أغرقه في الدنيا ويعذبه في الآخرة. وفي التفسير﴿ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ ﴾[النازعات: ٢٥] نكال قوله: ما علمت لكم من إله غيري، وقوله: أنا ربكم الأعلى فنكل الله به نكال هاتين الكلمتين.
﴿ فَارِضٌ ﴾ أي مسنة ﴿ عَوَانٌ ﴾ أي نصف بين الصغيرة والمسنة ﴿ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا ﴾ أي سوداء ناصع لونها. وكذلك﴿ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ ﴾[المرسلات: ٣٣] أي سود قال الأعشى: تلك خير منه وتلك ركابي، هن صفر أولادها كالزبيب. ويجوز أن يكون صفراء وصفر من الصفرة؛ قال أبو محمد قال أبو عبد الله النمري قال أبو رياش: من جعل الأصفر أسود فقد أخطأ. وأنشد بيت ذي الرمة وهو: كخلاء في برج صفراء في نعج   كأنها فضة قد مسها ذهبقال: أفتراه وصف صفراء بهذه الصفة؛ وقال في قول الأعشى: هن صفر أولادها كالزبيب: أراد زبيب الطائف بعينه وهو أصفر وليس بأسود، ولم يرد سائر الزبيب.
﴿ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ ﴾ يعني أنها قد ذللت للحرث. ﴿ لاَّ شِيَةَ فِيهَا ﴾ أصلها وشية فلحقها من النقص ما لحق زنة وعدة. وقوله عز وجل ﴿ لاَّ شِيَةَ فِيهَا ﴾ أي لا لون فيها سوى لون جميع جلدها ﴿ ٱدَّارَأْتُمْ ﴾ أصله تدارأتم: أي تدافعتم واختلفتم في القتل أي ألقى بعضكم على بعض، فأدغمت التاء في الدال لأنهما من مخرج واحد؛ فلما أدغمت سكنت فاجتلبت لها ألف الوصل للإبتداء؛ وكذلك اداركوا واثاقلتم واطيرنا وما أشبه ذلك.
﴿ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ أي يبست وصلبت؛ وقلب قاس وجاس وعاس وعات أي صلب يابس جاف عن الذكر غير قابل له ﴿ يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ﴾ أي ينحدر من مكانه
﴿ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ﴾ أي طائفة منهم.
﴿ أُمِّيُّونَ ﴾: الذين لا يكتبون، واحدهم أمي، منسوب إلى الأمّة الأمية التي هي على أصل ولادات أمهاتها، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها.﴿ أَمَانِيَّ ﴾ جمع أمنية وهي التلاوة، ومنه قوله:﴿ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ ﴾[الحج: ٥٢] أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته. والأماني: الأكاذيب أيضا، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت: أي ما كذبت، وقول بعض العرب لابن دأب وهو يحدث: أهذا شيء رويته أم شيء تمنيته؟ أي افتعلته. والأماني أيضا ما يتمناه الانسان ويشتهيه ﴿ وَيْلٌ ﴾: كلمة تقال عند الهلكة. وقيل: ويل: واد في جهنم. وقال الأصمعي: ويل: قبوح، وويس: استصغار، وويح: ترحم.
﴿ مِيثَاقَ ﴾ أي عهد موثق: أي مفعال من الوثيقة.﴿ تَسْفِكُونَ ﴾: أي تصبون ﴿ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ ﴾: أي تعاونون عليهم.
﴿ قَفَّيْنَا ﴾ أي أتبعنا، وأصله من القفا، يقال: قفوت الرجل إذا سرت في أثره ﴿ أَيَّدْنَاهُ ﴾ قويناه ﴿ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ﴾: أي تميل، ومنه قوله:﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ ﴾[الجاثية: ٢٣] أي ما تميل إليه نفسه، وكذلك الهوى في المحبة، وهو ميل النفس إلى ما تحبه.﴿ غُلْفٌ ﴾ جمع أغلف، وهو كل شيء جعلته في غلاف: أي قلوبنا محجوبة عما تقول كأنها في غلف. ومن قرأ غلف بضم اللام أراد جمع غلاف، وتسكين اللام فيها جائز أيضا مثل كتب وكتب: أي أوعية للعلم فكيف تجيئنا بما ليس عندنا ﴿ لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ أي طردهم وأبعدهم ﴿ يَسْتَفْتِحُونَ ﴾ أي يستنصرون.
﴿ وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ ﴾ أي بما سواه. انظر ٧٩ من الكهف.
﴿ أُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ ﴾: أب حب العجل.
﴿ بِمُزَحْزِحِهِ ﴾ أي بمبعده.
﴿ شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ ﴾ أي باعوا به أنفسهم، ومنه قوله﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾[يوسف: ٢٠] أي باعوه.﴿ مَثُوبَةٌ ﴾ أي ثواب.﴿ رَاعِنَا ﴾ حافظنا، من راعيت الرجل إذا تأملته وتعرفت أحواله، فكان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا، وكان اليهود يقولونها وهي بلغتهم سب، فأمر الله عز وجل المسلمين ألا يقولوها حتى لا يقولها اليهود. وراعنا: اسم منون مأخوذ من الرعونة، أي لا يقولوا حمقا وجهلا.
﴿ نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ النسخ على ثلاثة معان: أحدهن نقل الشيء من موضعه إلى موضع آخر كقوله تعالى:﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[الجاثية: ٢٩].
والثاني ينسخ الآية بأن يبطل حكمها ولفظها متروك، كقوله عز وجل﴿ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ ﴾[الجاثية: ١٤] بقوله:﴿ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾[التوبة: ٥].
والثالث أن تقلع الآية من المصحف ومن قلوب الحافظين لها، يعني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ أي نبدل، ومنه قوله عز وجل﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ﴾[النحل: ١٠١] (ننسأها) نؤخرها، وننسها من النسيان.
﴿ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ أي وسط الطريق وقصد الطريق.
﴿ وَدَّ ﴾ أي تمنى، وود: أحب.
﴿ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ ﴾ أي يهودا، فحذفت ياء الزيادة، وقيل: كانت اليهود تنسب إلى يهوذ بن يعقوب، فسموا اليهود وعربت بالدال.﴿ بُرْهَانَكُمْ ﴾: أي حجتكم، يقال قد برهن قوله: بينه بحججه.
﴿ قَانِتُونَ ﴾ أي مطيعون. وقيل: مقرون بالعبودية. والقنوت على وجوه: القنوت: الطاعة، والقنوت: القيام في الصلاة، والقنوت: الدعاء، والقنوت: الصمت. وقال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت﴿ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ ﴾[البقرة: ٢٣٨] فأمسكنا عن الكلام ﴿ بَدِيعُ ﴾: أي مبتدع ﴿ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾: أي أشبه بعضها بعضا في الكفر والقسوة.
﴿ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾: اختبره بما تعبده من السنن، قيل: وهي عشر خصال: خمس منها في الرأس، وهي الفرق: فرق الشعر، وقص الشارب، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق. وخمس في البدن: الختان، وحلق العانة، والاستنجاء، وتقليم الأظفار، ونتف الابط. ﴿ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ أي فعمل بهن ولم يدع منهن شيئا ﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ﴾ أي يأتم بك الناس فيتبعونك ويأخذون عنك، وبهذا سمي الإمام إماما، لأن الناس يؤمون أفعاله أي يقصدونها ويتبعونها. ويقال للطريق إمام لأنه يؤم أي يقصد ويتبع، ومنه قوله عز وجل:﴿ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾[الحجر: ٧٩] أي لطريق واضح يمرون عليها في أسفارهم، يعني القريتين المهلكتين: قوم لوط، وأصحاب الأيكة، فيرونهما ويعتبر بهما من خاف وعيد الله تعالى. والإمام: الكتاب أيضا، ومنه قوله عز وجل﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾[الإسراء: ٧١] أي بكتابهم، ويقال: بدينهم. والإمام كل ما ائتممت به واهتديت به.
﴿ مَثَابَةً ﴾ أي مرجعا يثوبون إليه أي يرجعون إليه في حجهم وعمرتهم كل عام. ويقال ثاب جسم فلان إذا رجع بعد التحول ﴿ عَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ أي وصيناه وأمرناه (عاكفين) أي مقيمين، ومنه الإعتكاف، وهو الإقامة في المسجد على الصلاة والذكر لله عز وجل.
﴿ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ ﴾ أي أساسه، واحدها قاعدة. والقواعد من النساء: العجائز اللواتي قعدن عن الأزواج من كبر. وقيل قعدن من الحيض والحبل، واحدتهن قاعد بغير هاء.
﴿ مَنَاسِكَنَا ﴾: معتبداتنا، وحدتها منسك ومنسك، وأصل المنسك من الذبح، يقال: نسكت: أي ذبحت والنسيكة: الذبيحة المتقرب بها إلى الله عز وجل ثم اتسعوا فيه حتى جعلوه لموضع العبادة والطاعة. ومنه قيل للعابد: ناسك ﴿ يُزَكِّيهِمْ ﴾ يطهرهم.
﴿ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾: قال يونس: سفه نفسه بمعنى سفّه نفسه، قال أبو عبيده: سفه نفسه أي أوبقها وأهلكها. قال الفراء: سفه نفسه، فنقل الفعل عن النفس إلى ضمير من، ونصبت النفس على التشبيه بالتفسير. وقال الأخفش: معناه سفه في نفسه، فلما سقط حرف الخفض نصب ما بعده كقوله:﴿ وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ ﴾[البقرة: ٢٣٥] معناه على عقدة النكاح ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ أي سلم ضميري له، ومنه اشتقاق المسلم، والله أعلم. ﴿ ٱصْطَفَىٰ ﴾: اختار ﴿ مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ أي دين إبراهيم ﴿ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ والعرب تجعل العم أبا والخالة أما، ومنه قوله تعالى:﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾[يوسف: ١٠٠] يعني أباه وخالته، فكانت أمه ماتت.
﴿ أُمَّةٌ ﴾: وهي على ثمانية وجوه: أمة: جماعة، كقوله عز وجل﴿ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ ﴾[القصص: ٢٣] وأمة: أتباع الأنبياء عليهم السلام. كما تقول: نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأمة: رجل جامع للخير يقتدى به كقوله:﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ ﴾[النحل: ١٢٠]، وأمة: دين وملة، كقوله عز وجل:﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ ﴾[الزخرف: ٢٢]، وأمة: حين وزمان، كقوله عز وجل:﴿ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ ﴾[هود: ٨]، وكقوله:﴿ وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾[يوسف: ٤٥] أي بعد حين. ومن قرأ أمْه وأمه: أي نسيان. وأمة: أي قامة، يقال، فلان حسن الأمة أي القامة. وأمة: رجل منفرد بدين لا يشركه فيه أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده "وأمة: أم يقال هذه أمة زيد أي أم زيد ﴿ حَنِيفاً ﴾: من كان على دين إبراهيم عليه السلام، ثم يسعى من كان يختن ويحج البيت في الجاهلية حنيفا، والحنيف اليوم: المسلم، ويقال: إنما سمي إبراهيم حنيفا لأنه كان حنف عما يبعد أبوه وقومه من الآلهة إلى عبادة الله عز وجل، أي عدل عن ذلك ومال، وأصل الحنف ميل في إبهامي القدمين من كل واحدة على صاحبتها.
﴿ ٱلأَسْبَاطِ ﴾ في بني يعقوب وإسحاق كالقبائل في بني إسماعيل، واحدهم سبط وهم اثنا عشر سبطا من اثني عشر ولدا ليعقوب عليه السلام، وإنما سموا هؤلاء بالأسباط وهؤلاء بالقبائل ليفصل بين ولد إسماعيل وولد إسحاق عليهما السلام. ﴿ شِقَاقٍ ﴾ أي عداوة ومباينة. وقوله:﴿ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ ﴾[هود: ٨٩] أي عداوتي. ﴿ صِبْغَةَ ٱللَّهِ ﴾: أي دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها ﴿ عَابِدونَ ﴾ موحدون. كذا جاء في التفسير. وقال أصحاب اللغة: عابدون خاضعون أذلاء، من قولهم طريق معبّد أي مذلل قد أثر الناس فيه.
﴿ مُخْلِصُونَ ﴾ الإخلاص لله عز وجل أن يكون العبد يقصد بنيته وعمله إلى خالقه ولا يجعل ذلك لغرض الدنيا ولا لتحسين عند مخلوق.
(سفهاء) أي جهال، والسفه الجهل، ثم يكون لكل شيء، يقال للكافر سفيه، كقوله: ﴿ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ يعني اليهود، لأن الجاهل سفيه، كقوله تعالى:﴿ فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً ﴾[البقرة: ٢٨٢]، قال مجاهد: السفيه الجاهل والضعيف: الأحمق، ويقال للنساء والصبيان سفهاء لجهلهم، كقوله تعالى:﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾[النساء: ٥] يعني النساء والصبيان ﴿ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ أي طريق واضح، وهو الإسلام.
﴿ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ أي عدولا وخيارا ﴿ قِبْلَةً ﴾ جهة، يقال: أين قبلتك؟ أي إلى أين تتوجه؟ وسميت القبلة قبلة لأن المصلى يقابلها أو تقابله ﴿ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾ أي قصده ونحوه. وشطر الشيء: نصفه أيضا.
﴿ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ أي قبلة هو مستقبلها: أي يولي إليها وجهه.
﴿ مُّصِيبَةٌ ﴾ ومصابة ومصوبة: الأمر المكروه يحل بالإنسان.
﴿ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ أي ترحم انظر ٢٣٨ من هذه السورة.
﴿ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ ﴾ هما جبلان بمكة ﴿ شَعَآئِرِ ٱللَّهِ ﴾ انظر ٢ من المائدة. ﴿ حَجَّ ٱلْبَيْتَ ﴾ أي قصد البيت، ويقال حججت الموضع أحجه حجا إذا قصدته، ثم سمى السفر إلى البيت حجا دون ما سواه. والحَج والحِج لغتان، ويقال: الحَج المصدر والحِج الاسم، وقوله عز وجل﴿ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ ﴾[التوبة: ٣] أي يوم النحر ويقال يوم عرفة، وكانوا يسمون العمرة الحج الأصغر ﴿ ٱعْتَمَرَ ﴾: أي زار البيت. والمعتمر الزائر قال الشاعر: وراكب جاء من تثليث معتمرا   ومن هذا سميت العمرة، لأنها زيارة للبيت. ويقال: اعتمر، أي قصد، ومنه قول العجاج: لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر.
﴿ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ ﴾ قال: إذا تلاعن اثنان فكان أحدهما غير مستحق للعن رجعت اللعنة على المستحق، وإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود.
﴿ فلك ﴾ سفينة تكون واحدا وتكون جمعا ﴿ بَثَّ فِيهَا ﴾ أي فرَّق فيها.﴿ تَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ﴾: أي تحويلها من حال إلى حال: جنوبا وشمالا، ودبورا وصبا، وسائر أجناسها
(أسباب) وصلات، الواحد سبب ووصلة، وأصل السبب الحبل يشد بالشيء فيجذب به، ثم جعل كل ما جر شيئا سببا.
﴿ كَرَّةً ﴾ أي رجعة إلى الدنيا.
﴿ أَلْفَيْنَا ﴾ وجدنا.
﴿ يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً ﴾: يصيح بالغنم فلا تدري ما يقول لها، إلا أنها تنزجر بالصوت عما هي فيه.
﴿ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ﴾: ذكر عند ذبحه اسم غير الله، وأصل الإهلال رفع الصوت.﴿ ٱضْطُرَّ ﴾: أي ألجئ﴿ بَاغٍ ﴾: طالب، وقوله ﴿ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ﴾ أي لا يبغي الميتة، أي لا يطلبها وهو يجد غيرها. ولا عاد: أي لا يعدو شبعه.
﴿ أَصْبَرَهُمْ ﴾ وصبرهم واحد؛ وقوله تعالى: ﴿ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ ﴾ أي أي شيء صبرهم على النار ودعاهم إليها؛ ويقال فما أصبرهم على النار: أي ما أجرأهم على النار.
﴿ جَنَفاً ﴾ أي ميلا وعدولا عن الحق. ويقال جنف عليّ: أي مال علي.
(قرآن) هو اسم كتاب الله عز وجل خاصة لا يسمى به غيره، وإنما سمى قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها، ومنه قول الشاعر: لم تقرأ جنينا....   أي لم تضم في رحمها ولدا قط. ويكون القرآن مصدرا كالقراءة. ويقال: فلان يقرأ قرآنا حسنا أي قراءة حسنة. وقوله عز وجل﴿ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ ﴾[الإسراء: ٧٨] أي ما يقرأ به في صلاة الفجر ﴿ ٱلْفُرْقَانِ ﴾ انظر ٥٣ من هذه السورة ﴿ مِسْكِينٍ ﴾ أي مفعيل من السكون، وهو الذي سكنه الفقر: أي قلل حركته، قال يونس: المسكين: الذي لا شيء له، والفقير: الذي له بعض ما يقيمه. وقال الأصمعي: بل المسكين أحسن حالا من الفقير؛ لأن الله عز وجل قال:﴿ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ ﴾[الكهف: ٧٩] فأخبر أن المسكين له سفينة من سفن البحر، وهي تساوي جملة ﴿ ٱلْيُسْرَ ﴾ ضد العسر، وقوله عز وجل ﴿ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ ﴾ أي الإفطار في السفر.﴿ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ ﴾ أي الصوم فيه.
(رفث) نكاح. والرفث أيضا: الإفصاح بما يحب أن يكنى عنه من ذكر النكاح ﴿ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾: تفتعلون من الخيانة ﴿ بَٰشِرُوهُنَّ ﴾: أي جامعوهن، والمباشرة الجماع، سمى بذلك لمس البشرة، والبشرة ظاهر الجلد؛ والأدمة باطنها ﴿ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ ﴾: هو بياض النهار؛ والخيط الأسود هو سواد الليل ﴿ حُدُودُ ٱللَّهِ ﴾: أي ما حده الله لكم؛ والحد: النهاية التي إذا بلغها المحدود له امتنع.
(أهلة) جمع هلال؛ يقال للهلال في أول ليلة إلى الثالثة هلال ثم يقال القمر إلى آخر الشهر (بر): دين وطاعة؛ ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ ﴾ معناه: صاحب البر؛ فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ كقوله تعالى:﴿ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ﴾[يوسف: ٨٢] أي أهل القرية؛ ويجوز أن يسمى الفاعل والمفعول بالمصدر؛ كقوله: رجل عدل، ورضا، فرضا في موضع مرضي، وعدل في موضع عادل، فعلى هذا يجوز أن يكون البر في موضع البار.
﴿ ثَقِفْتُمُوهُم ﴾: أي ظفرتم بهم.
﴿ عُدْوَانَ ﴾ أي تعد وظلم. وقوله عز وجل ﴿ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ ﴾ أي فلا جزاء ظلم إلا على ظالم.
(تهلكة) أي هلاك. ﴿ أُحْصِرْتُمْ ﴾ أي منعتم من السير لمرض أو عدو أو سائر العوائق. ﴿ ٱسْتَيْسَرَ ﴾ أي تيسر وسهل. (هدى وهديّ): ما أهدي إلى البيت الحرام؛ واحدتها هدْية وهِدية، قال أبو محمد: يقال لما يهدى إلى البيت هدى وهَدِي، وواحد هدْى هدْية؛ وواحد هدى هَدِية: ﴿ نُسُكٍ ﴾ أي ذبائح، واحدتها نسيكة ﴿ مَحِلَّهُ ﴾ أي منحره، يعني الموضع الذي يحل نحره فيه.
﴿ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ﴾ شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة: أي خذوا في أسباب الحج وتأهبوا له في هذه الأوقات من التلبية وغير ذلك. الأشهر الحرم أربعة أشهر: رجب وذو القعدة والمحرم؛ وذو الحجة واحد فرد، وثلاثة سرد أي متابعة (ألباب) عقول واحدها لب.
﴿ جُنَاحٌ ﴾ إثم ﴿ أَفَضْتُم ﴾ دفعتم بكثرة ﴿ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ ﴾ مَعلَم لمتعبد عن متعبداتهم، وجمعه مشاعر. والمشعر الحرام: هي: مزدلفة، وهي جمع: تسمى بجمع ومزدلفة.
﴿ خَلاَقٍ ﴾: نصيب.
(الأيام المعلومات) عشر ذي الحجة، والأيام المعدودات أيام التشريق.
﴿ أَلَدُّ ﴾ شديد الخصومة.
﴿ يَشْرِي ﴾ يبيع ﴿ رَؤُوفٌ ﴾ شديد الرحمة ﴿ كَآفَّةً ﴾ أي عامة، كقوله ﴿ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً ﴾ أي كلكم. وقوله جل ذكره﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ ﴾[سبأ: ٢٨] أي تكفهم وتردعهم ﴿ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ آثاره.
﴿ ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ ﴾ جمع ظلة، وهو ما غطى وستر. وقوله عز وجل.﴿ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ ﴾[الشعراء: ١٨٩]: قيل إنهما لما كذبوا شعيبا أصابهم غم وحر شديد ورفعت لهم سحابة فخرجوا يستظلون بها فسالت عليهم فأهلكتهم.
﴿ زُلْزِلُواْ ﴾.
أي خوفوا وحركوا.
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ ﴾ أي فرض عليكم الجهاد ﴿ كُرْهٌ ﴾ وكره: لغتان، ويقال: الكره بالضم: المشقة، والكره وهو الإكراه: يعني أن الكره (بالضم) ما حمل الإنسان نفسه عليه، والكره (بالفتح) ما أكره عليه.
﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ أي بطلت.
﴿ هَاجَرُواْ ﴾: تركوا بلادهم، ومنه سمى المهاجرون لأنهم هجروا بلادهم وتركوها وصاروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ميسر) هو القمار.﴿ ٱلْعَفْوَ ﴾ أي الطاقة والميسور، يقال: خذ ما عفا لك، أي ما أتاك سهلا بغير مشقة: ويقال: العفو فضل المال، يقال عفا الشيء إذا كثر، وقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ﴾ أي ماذا يتصدقون ويعطون قل العفو: أي تعطون عفو أموالكم فتصدقون بما فضل من أقواتكم وأقوات عيالكم ﴿ لأَعْنَتَكُمْ ﴾ أي لأهلككم، ويقال لكلفكم ما يشق عليكم. وانظر ٢٥ من النساء.
﴿ ٱلْمَحِيضِ ﴾ والحيض واحد. ﴿ يَطْهُرْنَ ﴾ أي ينقطع عنهن الدم، ويطهرن (بالتشديد): يغتسلن بالماء، وأصله يتطهرن فأدغمت التاء في الطاء ﴿ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ﴾ كيف شئتم ومتى شئتم وحيث شئتم انظر آية ٣٧ من آل عمران.
﴿ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ﴾: نصبا لها. ويقال عدة لها، ويقال هذا عرضة لك، أي عدة مقبولة فيما تشاء ﴿ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ ﴾ يعني مالم تعتقدوه يمينا تدينا ولم توجبوه على أنفكسم، نحو: لا والله وبلى والله. واللغو أيضا: الباطل من الكلام، كقوله﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾[الفرقان: ٧٢] واللغو واللغا أيضا الفحش من الكلام، قال العجاج؛ عن اللغا ورفث التكلم. واللغو أيضا الشيء المسقط الملقى، يقال: ألغيت الشيء إذا طرحته وأسقطته.
﴿ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ﴾: يحلفون على وطء نسائهم، يعني من الألية وهي اليمين يقال ألوة وإلوة وألوة وألية: اليمين، وكانت العرب في الجاهلية يكره الرجل منهم المرأة ويكره أن يتزوجها غيره فيحلف ألا يطأها أبدا ولا يخلي سبيلها أضرارا بها فتكون معلقة عليه حتى يموت أحدهما، فأبطل الله عز وجل ذلك من فعلهم، وجعل الوقت الذي يعرف فيه ما عند الرجل للمرأة أربعة أشهر ﴿ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾: أي تمكث أربعة أشهر ﴿ فَآءُو ﴾ أي رجعوا.
﴿ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ ﴾ جمع قرء. والقرء عند أهل الحجاز: الطهر، وعند أهل العراق: الحيض. وكل قد أصاب؛ لأن القرء خروج من شيء إلى شيء غيره، فخرجت المرأة من الحيض إلى الطهر، ومن الطهر إلى الحيض. هذا قول أبي عبيدة. وقال غيره: القرء: الوقت، ينال رجع فلان لقرئه ولقارئه أيضا: لوقته الذي كان يرجع فيه، فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة؛ تقعد عن الصلاة أيام اقرائها. وقال الأعشىلما ضاع فيها من قروء نسائكا   يعني من أطهارهن. وقال ابن السكيت: القرء: الحيض والطهر، وهو من الأضداد
﴿ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾: أي تمنعوهن من التزوج، وأصله من عضلت المرأة إذا نشب ولدها في بطنها وعسر ولادته. ويقال: عضل فلان أيّمه إذا منعها من التزوج.
﴿ عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ ﴾ التعريض: الإيماء والتلويح من غير كشف ولا تبيين.﴿ خِطْبَةِ ﴾: أي تزويج.(السر): هو ضد العلانية، وسر: نكاح، كقوله عز وجل ﴿ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً ﴾ وسر كل شيء خياره.﴿ ٱلْمُوسِعِ ﴾ أي المكثر أي الغني.﴿ ٱلْمُقْتِرِ ﴾ أي المقل أي الفقير.
﴿ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ ﴾ هي صلاة العصر لأنها بين صلاتين في الليل وصلاتين في النهار. والصلاة على خمسة أوجه: الصلاة المعروفة التي فيها الركوع والسجود؛ والصلاة من الله: الترحم كقوله عز وجل﴿ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾[البقرة: ١٥٧] أي ترحم؛ والصلاة الدعاء كقوله﴿ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾[التوبة: ١٠٣] أي دعاءك سكون وتثبيت لهم؛ وصلاة الملائكة للمسلمين: استغفار لهم؛ والصلاة: الدين كقوله عز وجل﴿ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ ﴾[هود: ٨٧] أي دينك. وقيل: كان شعيب عليه السلام كثير الصلاة فقالوا ذلك له.
﴿ رِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً ﴾: جمع راجل وراكب.
﴿ ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ يعني أشرافهم ووجوههم؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" أولئك الملأ من قريش "واشتقاقه من ملأت الشيء؛ وفلان ملىء إذا كان مكثراً؛ فمعنى الملأ: الذين يملأون العين والقلب وما أشبه هذا.
﴿ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ ﴾: أي سعة؛ من قولك: بسطته إذا كان مجموعا ففتحه ووسعته؛ وقوله:﴿ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً ﴾[الأعراف: ٦٩]: أي طولا وتماما؛ كان أطولهم طوله مائة ذراع؛ وأقصرهم طوله ستون ذراعا ﴿ سَكِينَةٌ ﴾ فعيلة من السكون؛ يعني السكون الذي هو الوقار لا الذي هو ضد الحركة. وقيل في قوله ﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾: السكينة لها وجه مثل وجه الإنسان ثم بعد هي ريح هفاهة. وقيل: لها رأس مثل رأس الهر وجناحان؛ وهي من أمر الله عز وجل ﴿ غُرْفَةً ﴾ أي مقدار ملء اليدين من المغروف. وغرفة بفتح الغين: يعني مرة واحدة باليد؛ مصدر غرفت ﴿ فِئَةً ﴾ أي جماعة ﴿ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً ﴾ أصيب، كما تفرغ الدلو أي تصب.
﴿ خُلَّةٌ ﴾: أي مودة وصداقة متناهية في الإخلاص.﴿ ٱلْقَيُّومُ ﴾ هو القائم الدائم الذي لا يزول، وليس من قيام على رجل.﴿ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾ السنة ابتداء النعاس في الرأس؛ فإذا خالط القلب صار نوما، ومنه قول عدي بن الرِّقاع العاملي: وسنان أقصده النعاس فرنَّقت   في عينه سنة وليس بنائم﴿ يَؤُودُهُ ﴾ أي يثقله، يقال: ما آدك فهو لي آئد: أي ما أثقلك فهو لي مثقل ﴿ ٱنفِصَامَ ﴾: أي انقطاع (طاغوت) أصنام. والطاغوت من الإنس والجن: شياطينهم، يكون واحد وجمعا.
﴿ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ ﴾ وبَهت أيضاً: انقطع وذهبت حجته. ﴿ خَاوِيَةٌ ﴾: أي خالية ﴿ عُرُوشِهَا ﴾ أي سقوفها وقوله عز وجل ﴿ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾ أي تسقط السقوف ثم تسقط عليها الحيطان. ﴿ يَتَسَنَّهْ ﴾ يجوز باثبات الهاء وإسقاطها من الكلام؛ فمن قال: سانهت، فالهاء من أصل الكلمة؛ ومن قال: سانيت فالهاء لبيان الحركة، ومعنى لم يتسنه: لم يتغير لمر السنين عليه، قال أبو عبيدة ولو كان من الأسن لكان يتأسن. وقال غيره: لم يتسنه: لم يتغير، من قوله:﴿ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾[الحجر: ٢٦] أي متغير، وأبدلوا النون من يتسنن هاء كما قالوا تظنيت، وتقضي البازي. وحكى بعض العلماء: سنه الطعام: أي تغير ﴿ نُنْشِزُهَا ﴾ أي نعرفها إلى مواضعها مأخوذ من النَشز وهو المكان المرتفع العالي: أي نعلي بعض العظام على بعض. وننشرها: أي نحييها. وننشرها من النشر ضد الطي ﴿ صُرْهُنَّ إِلَيْكَ ﴾ أي ضمهن إليك. ويقال أملهن إليك، وصرهن بكَسر الصاد أي قطعهن. المعنى: فخذ أربعة من الطير فصرهن: أي قطعهن صُوَراً. قال أهل اللغة: الصور: جمع الصورة ينفخ فيها روحها فتحيا. والذي جاء في التفسير أن الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل؛ والله أعلم. ﴿ وَاسِعٌ ﴾ أي جواد يسع لما يسأل، ويقال الواسع: المحيط بعلم كل شيء، كما قال﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾[طه: ٩٨].
﴿ ٱلأَذَىٰ ﴾ ما يكره ويغتم به.﴿ صَفْوَانٍ ﴾ أي حجر أملس؛ وهو اسم واحد معناه جمع، واحدته صفوانة﴿ صَلْداً ﴾ أي يابساً أملس.
﴿ آتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ﴾ أعطت ثمرها ضعفي غيرها من الأرضين.
﴿ إِعْصَارٌ ﴾: أي ريح عاصف ترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود نار
﴿ تَيَمَّمُواْ ﴾ أي تعمدوا.﴿ تُغْمِضُواْ فِيهِ ﴾: أي تغمضوا عن عيب فيه، أي لستم بآخذي الخبيث من الأموال ممن لكم قِبله الحق إلا على إغماض ومسامحة، فلا تؤدوا في حق الله عز وجل مالا ترضون مثله من غرمائكم. ويقال تغمضوا فيه: أي تترخصون، ومنه قول الناس للبائع: أغمض وغمض: أي لا تقتص وكن كأنك لم تبصر.
﴿ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ ﴾ هم أهل الصفة؛ وانظر ٦٠ من التوبة.﴿ سِيمَاهُمْ ﴾ أي علامتهم. والسيما والسيماء العلامة.﴿ إِلْحَافاً ﴾ أي إلحاحا.
(ربا) أصله الزيادة، لأن صاحبه يزيده على ماله، ومنه قولهم: فلان أربى على فلان إذا زاد عليه في القول.﴿ ٱلْمَسِّ ﴾: الجنون، يقال: فلان رجل ممسوس أي مجنون.﴿ مَوْعِظَةٌ ﴾ أي تخويف سوء العاقبة.
﴿ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ ﴾ أي يذهبه، يعني في الآخرة حيث يربي الصدقات: يكثرها وينميها.
﴿ أَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ ﴾ أداموها في مواقيتها. ويقال: إقامتها أن يؤتى بها بحقوقها كما فرض الله تعالى، يقال: قام الأمر وأقام الأمرَ إذا جاء به معطى حقوقه.﴿ آتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ ﴾ أعطوها، يقال آتيته: أعطيته؛ وأتيته جئته. وانظر ٤٣ من هذه السورة.
﴿ أْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾ أي اعلموا ذلك واسمعوا وكونوا على أُذن منه. ومن قرأ: فآذنوا: أي فأعلموا غيركم ذلك.
﴿ يَبْخَسْ ﴾ أي ينقص.﴿ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً ﴾ قال مجاهد: السفيه: الجاهل، والضعيف الأحمق انظر ١٤٢ من هذه السورة ﴿ تَسْأَمُوۤاْ ﴾: أي تملوا ﴿ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ أعدل عند الله ﴿ تَرْتَابُوۤاْ ﴾: تشكوا.﴿ فُسُوقٌ ﴾ أي خروج عن الطاعة إلى المعصية، وخروج من الإيمان إلى الكفر أيضاً.
﴿ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ﴾ أي مغفرتك.﴿ وُسْعَهَا ﴾ طاقتها.﴿ مَوْلَٰـنَا ﴾ أي ولينا. والمولى على ثمانية أوجه: المعتق؛ والمعتق؛ والولي؛ والأولى بالشيء؛ وابن العم؛ والصهر؛ والجار؛ والحليف.
سورة البقرة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (البقرةِ) هي أطولُ سورةٍ في القرآنِ العظيم، وفيها أطولُ آيةٍ؛ وهي آيةُ (الدَّين)، وكذلك فيها أعظمُ آيةٍ؛ وهي آيةُ (الكُرْسيِّ)، وإنما جاءت كذلك - لا سيَّما وهي ثاني سورةٍ في القرآن الكريم -؛ لأنها أبانت عن مقصدِ القرآن الأعظم، وفصَّلتْ في أحكامِ الدِّينِ وشرائعه ومعاملاته؛ فافتُتحت ببيانِ مقصدِ هذا الكتاب العظيم؛ وهو {هُدٗى لِّلْمُتَّقِينَ}؛ فهذا الكتابُ إنما نزَل للهداية والإرشاد. ثم أوضَحتِ السُّورةُ ردودَ أفعال الناس تُجاهَ هذا الكتاب، مقسِّمةً إياهم إلى (مؤمن، وكافر، ومنافق)، كما فصَّلتِ الكثيرَ من الشرائع المتعلقة بالصَّدَقات، والطلاق، والمعاملات. ولهذه السُّورةِ فضلٌ عظيم؛ فلا يستطيعها السَّحَرةُ والبَطَلة، كما قُدِّمَ حافظُها على غيره، وكانت تُعطَى له القيادةُ والرياسة؛ لعظيم شأنها، ولِما اشتملت عليه من أحكامٍ. وفيها قصةُ (بقرةِ بني إسرائيل) التي سُمِّيتِ السورة باسمها.

ترتيبها المصحفي
2
نوعها
مدنية
ألفاظها
6140
ترتيب نزولها
87
العد المدني الأول
285
العد المدني الأخير
285
العد البصري
287
العد الكوفي
286
العد الشامي
285

* قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٞ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اْلْكِتَٰبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اْللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيْلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: 79]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: {فَوَيْلٞ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اْلْكِتَٰبَ بِأَيْدِيهِمْ}، قال: «نزَلتْ في أهلِ الكتابِ». "خلق أفعال العباد" (ص 54).

* قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَٰبٞ مِّنْ عِندِ اْللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى اْلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [البقرة: 89]:

عن عاصمِ بن عُمَرَ بن قتادةَ، عن رجالٍ مِن قومِه، قالوا: «إنَّ ممَّا دعانا إلى الإسلامِ  مع رحمةِ اللهِ تعالى وهُدَاه لنا: لَمَا كنَّا نَسمَعُ مِن رجالِ يهُودَ، وكنَّا أهلَ شِرْكٍ أصحابَ أوثانٍ، وكانوا أهلَ كتابٍ، عندهم عِلْمٌ ليس لنا، وكانت لا تزالُ بيننا وبينهم شرورٌ، فإذا نِلْنا منهم بعضَ ما يَكرَهون، قالوا لنا: إنَّه قد تقارَبَ زمانُ نبيٍّ يُبعَثُ الآنَ، نقتُلُكم معه قَتْلَ عادٍ وإِرَمَ، فكنَّا كثيرًا ما نَسمَعُ ذلك منهم، فلمَّا بعَثَ اللهُ رسولَه ﷺ، أجَبْناه حين دعانا إلى اللهِ تعالى، وعرَفْنا ما كانوا يَتوعَّدوننا به، فبادَرْناهم إليه، فآمَنَّا به، وكفَروا به؛ ففينا وفيهم نزَلَ هؤلاء الآياتُ مِن البقرةِ: ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَٰبٞ مِّنْ عِندِ اْللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى اْلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعْنَةُ اْللَّهِ عَلَى اْلْكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 89]». سيرة ابن هشام (1/213).

* قوله تعالى: ﴿مَن ‌كَانَ ‌عَدُوّٗا ‌لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ اْللَّهَ عَدُوّٞ لِّلْكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 98]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «أقبَلتْ يهُودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: يا أبا القاسمِ، نسألُك عن أشياءَ، فإن أجَبْتَنا فيها اتَّبَعْناك، وصدَّقْناك، وآمَنَّا بك.

قال: فأخَذَ عليهم ما أخَذَ إسرائيلُ على بَنِيهِ إذ قالوا: ﴿اْللَّهُ ‌عَلَىٰ ‌مَا نَقُولُ وَكِيلٞ﴾ [يوسف: 66].

قالوا: أخبِرْنا عن علامةِ النبيِّ ﷺ، قال: «تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه».

قالوا: أخبِرْنا كيف تُؤنِثُ المرأةُ، وكيف تُذكِرُ؟ قال: «يلتقي الماءانِ؛ فإذا علا ماءُ المرأةِ ماءَ الرَّجُلِ آنثَتْ، وإذا علا ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المرأةِ أذكَرتْ»، قالوا: صدَقْتَ.

قالوا: فأخبِرْنا عن الرَّعْدِ؛ ما هو؟ قال: «مَلَكٌ مِن الملائكةِ موكَّلٌ بالسَّحابِ، معه مَخاريقُ مِن نارٍ، يسُوقُ بها السَّحابَ حيث شاء اللهُ»، قالوا: فما هذا الصوتُ الذي يُسمَعُ؟ قال: «زَجْرُه بالسَّحابِ إذا زجَرَه، حتى ينتهيَ إلى حيث أُمِرَ»، قالوا: صدَقْتَ.

قالوا: أخبِرْنا ما حرَّم إسرائيلُ على نفسِه؟ قال: «كان يسكُنُ البَدْوَ، فاشتكى عِرْقَ النَّسَا، فلم يَجِدْ شيئًا يلاوِمُه إلا لحومَ الإبلِ وألبانَها؛ فلذلك حرَّمها»، قالوا: صدَقْتَ.

قالوا: أخبِرْنا مَن الذي يأتيك مِن الملائكةِ؛ فإنَّه ليس مِن نبيٍّ إلا يأتيه مَلَكٌ مِن الملائكةِ مِن عندِ ربِّهِ بالرسالةِ وبالوحيِ، فمَن صاحبُك؛ فإنَّما بَقِيَتْ هذه حتى نُتابِعَك؟ قال: «هو جِبْريلُ»، قالوا: ذلك الذي يَنزِلُ بالحربِ وبالقتلِ، ذاك عدوُّنا مِن الملائكةِ، لو قلتَ: ميكائيلُ، الذي يَنزِلُ بالقَطْرِ والرحمةِ؛ تابَعْناك.

فأنزَلَ اللهُ تعالى: ﴿ ‌مَن ‌كَانَ ‌عَدُوّٗا ‌لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ اْللَّهَ عَدُوّٞ لِّلْكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 98]». أخرجه أحمد (2514).

* قولُه تعالى: {وَدَّ كَثِيرٞ مِّنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ اْلْحَقُّۖ فَاْعْفُواْ وَاْصْفَحُواْ} [البقرة: 109]:

جاء عن كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ كعبَ بنَ الأشرَفِ اليهوديَّ كان شاعرًا، وكان يهجو النبيَّ ﷺ، ويُحرِّضُ عليه كفَّارَ قُرَيشٍ في شِعْرِه، وكان المشركون واليهودُ مِن المدينةِ حين قَدِمَها رسولُ اللهِ ﷺ يُؤذُون النبيَّ ﷺ وأصحابَه أشَدَّ الأذى، فأمَر اللهُ تعالى نبيَّهُ بالصَّبْرِ على ذلك، والعفوِ عنهم؛ وفيهم أُنزِلتْ: {وَدَّ كَثِيرٞ مِّنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ} إلى قولِه: {فَاْعْفُواْ وَاْصْفَحُواْ} [البقرة: 109]». أخرجه أبو داود (رقم ٣٠٠٠).

* قولُه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ‌اْلْمَشْرِقُ ‌وَاْلْمَغْرِبُۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 115].

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي وهو مُقبِلٌ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ على راحلتِهِ حيث كان وجهُهُ، قال: وفيه نزَلتْ: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اْللَّهِۚ﴾». أخرجه مسلم (700).

* قولُه تعالى: ﴿وَإِذْ ‌جَعَلْنَا ‌اْلْبَيْتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمْنٗا وَاْتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدْنَآ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهِـۧمَ وَإِسْمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَاْلْعَٰكِفِينَ وَاْلرُّكَّعِ اْلسُّجُودِ﴾ [البقرة: 125].

سببُ نزولِها: ما جاء عن أنسٍ - رضي الله عنه -، قال: «قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه -: وافَقْتُ ربِّي في ثلاثٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو اتَّخَذْنا مِن مقامِ إبراهيمَ مُصلًّى؛ فنزَلتْ: ﴿ ‌وَاْتَّخِذُواْ ‌مِن ‌مَّقَامِ إِبْرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ ﴾ [البقرة: 125].

وآيةُ الحجابِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو أمَرْتَ نساءَك أن يَحتجِبْنَ؛ فإنَّه يُكلِّمُهنَّ البَرُّ والفاجرُ؛ فنزَلتْ آيةُ الحجابِ.

واجتمَعَ نساءُ النبيِّ ﷺ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: ﴿ ‌عَسَىٰ ‌رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ ﴾؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٠٢).

* قوله تعالى: {سَيَقُولُ اْلسُّفَهَآءُ مِنَ اْلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ اْلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَاۚ} [البقرة: 142]:
عن البراءِ رضي الله عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي نحوَ بيتِ المقدسِ، ويُكثِرُ النظرَ إلى السماءِ ينتظِرُ أمرَ اللهِ؛ فأنزَلَ اللهُ: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اْلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةٗ تَرْضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِۚ} [البقرة: 144]،  فقال رجالٌ مِن المسلمين: وَدِدْنا لو عَلِمْنا عِلْمَ مَن مات قبل أن نُصرَفَ إلى القِبْلةِ؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ} [البقرة: 143]، وقال السُّفهاءُ مِن الناسِ: ما ولَّاهم عن قِبْلتِهم التي كانوا عليها؟ فأنزَلَ اللهُ: {سَيَقُولُ اْلسُّفَهَآءُ مِنَ اْلنَّاسِ} [البقرة: 142] إلى آخرِ الآيةِ. "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 25، 26).

* قولُه تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ ﴾ [البقرة: 143].

ممَّا صحَّ: ما جاء عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «لمَّا وُجِّهَ النبيُّ ﷺ إلى الكعبةِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، كيف بإخوانِنا الذين ماتوا وهم يُصَلُّون إلى بيتِ المقدسِ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ﴾ [البقرة: 143]». أخرجه أبو داود (٤٦٨٠)، والترمذي (٢٩٦٤).

* قولُه تعالى: ﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِي اْلدِّينِۖ ﴾ [البقرة: 256].

جاء عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «كانت المرأةُ مِن الأنصارِ تكونُ مِقْلاةً، لا يكادُ يعيشُ لها ولَدٌ، فتَجعَلُ على نفسِها إن عاش لها ولَدٌ أن تُهوِّدَهُ، فلمَّا أُجلِيَتْ بنو النَّضيرِ، كان فيهم مِن أبناءِ الأنصارِ، فقالوا: لا ندَعُ أبناءَنا؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِي اْلدِّينِۖ ﴾ [البقرة: 256]». أخرجه أبو داود (٢٦٨٢).

* قولُه تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اْللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اْكْتَسَبَتْۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَاۚ ﴾ [البقرة: 286].

سببُ نزولِ هذه الآيةِ: ما جاء عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه -، قال: «لمَّا نزَلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ: ﴿ لِّلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۗ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اْللَّهُۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَاْللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٖ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]، قال: فاشتَدَّ ذلك على أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فأتَوْا رسولَ اللهِ ﷺ، ثم برَكُوا على الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِن الأعمالِ ما نُطِيقُ؛ الصَّلاةَ، والصِّيامَ، والجهادَ، والصَّدقةَ، وقد أُنزِلتْ عليك هذه الآيةُ ولا نُطِيقُها، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «أتُريدون أن تقولوا كما قال أهلُ الكتابَينِ مِن قَبْلِكم: سَمِعْنا وعصَيْنا؟! بل قُولوا: سَمِعْنا وأطَعْنا، غُفْرانَكَ ربَّنا وإليك المَصِيرُ»، قالوا: سَمِعْنا وأطَعْنا، غُفْرانَكَ ربَّنا وإليك المَصِيرُ، فلمَّا اقترَأَها القومُ، ذَلَّتْ بها ألسنتُهم؛ فأنزَلَ اللهُ في إثرِها: ﴿ ءَامَنَ اْلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَاْلْمُؤْمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ اْلْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، فلمَّا فعَلوا ذلك، نسَخَها اللهُ تعالى؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اْللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اْكْتَسَبَتْۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَاۚ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نَعم. ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرٗا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى اْلَّذِينَ مِن قَبْلِنَاۚ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نَعم. {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ}، قال: نَعم. {وَاْعْفُ عَنَّا وَاْغْفِرْ لَنَا وَاْرْحَمْنَآۚ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَاْنصُرْنَا عَلَى اْلْقَوْمِ اْلْكَٰفِرِينَ}، قال: نَعم». صحيح مسلم (125).

* ثبَت لسورة (البقرة) اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهراء):

لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عمرانَ». أخرجه مسلم (804).

«والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضيئتان، واحدتُها: زَهْراءُ». "لسان العرب" (4 /332).

وقد عَدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوَينِ) في هذا الحديثِ هو مِن باب الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).

* أمَرنا النبيُّ ﷺ أن نقرأَها في بيوتِنا؛ فإنَّ الشيطانَ يَنفِرُ منها:

كما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «لا تَجعَلوا بيوتَكم مقابرَ؛ إنَّ الشيطانَ يَنفِرُ مِن البيتِ الذي تُقرأُ فيه سورةُ البقرةِ». أخرجه مسلم (780).

* هي السُّورة التي لا يستطيعها البَطَلةُ:

فعن بُرَيدةَ بن الحُصَيب الأَسْلمي رضي الله عنه، قال: كنتُ جالسًا عند النبيِّ ﷺ، فسَمِعْتُه يقول: «تَعلَّموا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه أحمد (٢٢٩٥٠).

* آخِرُ آيتَينِ منها تكفيانِ قارئَهما:

فعن عبدِ الرحمنِ بن يَزيدَ، قال: لَقِيتُ أبا مسعودٍ رضي الله عنه عند البيتِ، فقلتُ: حديثٌ بلَغني عنك في الآيتَينِ في سورةِ (البقرة)، فقال: نعم، قال رسولُ الله ﷺ: «الآيتانِ مِن آخِرِ سورةِ البقرةِ، مَن قرَأهما في ليلةٍ كَفَتَاهُ». أخرجه مسلم (807).

* سورة (البقرة) تُحاجُّ عن صاحبها يومَ القيامة:

فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «اقرَؤوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).

* لحافِظِها فضلٌ خاصٌّ وشأن عظيم:

فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (3/120) (12236).

وعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: بعَث رسولُ اللهِ ﷺ بَعْثًا، وهم ذو عَدَدٍ، فاستقرَأهم، فاستقرَأ كلَّ رجُلٍ منهم ما معه مِن القرآنِ، فأتى على رجُلٍ منهم - مِن أحدَثِهم سنًّا -، فقال: «ما معك يا فلانُ؟!»، قال: معي كذا وكذا، وسورةُ البقرةِ، قال: «أمعك سورةُ البقرةِ؟!»، فقال: نعم، قال: «فاذهَبْ؛ فأنت أميرُهم»، فقال رجُلٌ مِن أشرافِهم: واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما منَعني أن أتعلَّمَ سورةَ البقرةِ إلا خشيةُ ألَّا أقُومَ بها! فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «تعلَّموا القرآنَ، واقرَؤوه؛ فإنَّ مثَلَ القرآنِ لِمَن تعلَّمَه، فقرَأه وقام به: كمثَلِ جرابٍ محشوٍّ مِسْكًا، يفُوحُ رِيحُه في كلِّ مكانٍ، ومثَلَ مَن تعلَّمَه، فيرقُدُ وهو في جوفِه: كمثَلِ جرابٍ وُكِئَ على مِسْكٍ». أخرجه الترمذي (٢٨٧٦).

* لها نزَلتِ الملائكةُ مستمِعةً:

فعن أُسَيدِ بن حُضَيرٍ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، بينما أنا أقرأُ الليلةَ سورةَ البقرةِ، إذ سَمِعْتُ وَجْبةً مِن خَلْفي، فظنَنْتُ أنَّ فَرَسي انطلَقَ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اقرَأْ يا أبا عَتِيكٍ»، فالتفَتُّ فإذا مِثْلُ المِصباحِ مُدَلًّى بين السماءِ والأرضِ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَأْ يا أبا عَتِيكٍ»، فقال: يا رسولَ اللهِ، فما استطعتُ أن أمضيَ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «تلك الملائكةُ؛ نزَلتْ لقراءةِ سورةِ البقرةِ، أمَا إنَّك لو مضَيْتَ، لرأيْتَ العجائبَ». أخرجه ابن حبان (779).

* فيها أعظَمُ آيةٍ في كتابِ الله؛ وهي آيةُ (الكُرْسيِّ):

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟»، قال: قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟»، قلتُ: {اْللَّهُ ‌لَآ ‌إِلَٰهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ ‌اْلْحَيُّ ‌اْلْقَيُّومُۚ}، قال: فضرَب في صدري، وقال: «واللهِ، لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنذِرِ». أخرجه مسلم (٨١٠).

* لعلَّ رسولَ الله ﷺ قرَأها في صلاةِ الكسوف:

فقد جاء عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: «لمَّا كسَفتِ الشمسُ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، توضَّأَ، وأمَرَ فنُودي: إنَّ الصَّلاةَ جامعةٌ، فقام، فأطال القيامَ في صلاتِهِ، قالت: فأحسَبُه قرَأَ سورةَ البقرةِ، ثم ركَعَ، فأطال الرُّكوعَ، ثم قال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ثم قام مِثْلَ ما قام، ولم يسجُدْ، ثم ركَعَ، فسجَدَ، ثم قام، فصنَعَ مِثْلَ ما صنَعَ، ثم ركَعَ ركعتَينِ في سَجْدةٍ، ثم جلَسَ، وجُلِّيَ عن الشمسِ». أخرجه البخاري (١٠٤٦).

* وكذا كان يَقرَؤُها ﷺ في قيامِهِ بالليل:

فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثمَّ يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عزَّ وجلَّ إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢). وقد ورَد نحوُ هذا الحديث عن عوفِ بن مالك الأشجَعيِّ. انظر: النسائي (١١٣١).

حوَتْ سورةُ (البقرةِ) كثيرًا من الموضوعات المتنوِّعة، وقد جاءت على هذا الترتيبِ:

هداية القرآن وخلافة الإنسان (١-٣٩).

هداية القرآن وموقف الناس منها (١-٢٠).

أمر الناس باتِّباع المنهج، ونموذج الاستخلاف الأول (٢١- ٣٩).

بنو إسرائيل ومسوِّغات عزلِهم عن الخلافة (٤٠-١٦٢).

تذكير وعتاب (٤٠-٤٨).

ثم ذِكر أحوال بني إسرائيل ومسوِّغات عزلِهم عن الخلافة (٤٩-٧٤).

وبعد ذلك ذِكر مواقفِ اليهود المعاصرين للنبيِّ عليه السلام (٧٥-١٢٣).

دعوة إبراهيم وتبرئتها من انتساب اليهود والنصارى إليها (١٢٤-١٤١).

انتقال القِبْلة والإمامة في الدِّين لأمَّة محمد عليه السلام (١٤٢-١٦٢).

مقوِّمات استحقاقِ أمَّة الإسلام للخلافة (١٦٣-٢٨٣).

الشرائع التفصيلية للدِّين الإسلامي (١٦٣-١٧٧).

تفصيل بعض أمور البِرِّ (١٧٨-٢٠٣).

نماذجُ بشرية ومواعظُ إلهية (٢٠٤-٢٢٠).

تفصيل أحكام الأُسرة (٢٢١-٢٤٢).

قِصص الإحياء والإماتة (٢٤٣-٢٦٠).

الإنفاق؛ آدابه والمستحِقون له (٢٦١-٢٧٤).

حفظ الأموال عن الحرام والإضاعة (٢٧٥-٢٨٣).

دعاءٌ وإجابة (٢٨٤-٢٨٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسُوَر القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /19).

جاءت هذه السُّورةُ الكريمة ببيانِ منهج خلافة الله في الأرض بين مَن أضاعوه ومَن أقاموه، وسُمُوِّ هذا الدِّين على ما سبَقه، وعُلُوِّ هَدْيِه، وأصولِ تطهيره النفوسَ بعد تبيينِ شرائعِ هذا الدِّين لأتباعه، وإصلاحِ مجتمَعِهم بعد إقامة الدليل على أنَّ الكتابَ هدًى؛ ليُتَّبعَ في كلِّ حال. وأعظَمُ ما يَهدِي إليه: الإيمانُ بالغيب؛ ومَجمَعُه: الإيمان بالآخرة، ومدارُه: الإيمان بالبعث، الذي أعرَبتْ عنه قصةُ (البقرة)، التي مدارها: الإيمانُ بالغيب؛ فلذلك سُمِّيتْ بها السورةُ. ينظر: "مصاعد النظر" للبقاعي (2 /10)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /203).