وإصلاح المؤمنين بتقويم أخلاقهم، وتثبيتهم على هداهم، وإرشادهم إلى طرق النجاح، وتزكية نفوسهم، ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة، فكانت آيات القرآن مستقلاً بعضُها عن بعض؛ لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح والاستدلال عليه، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه، فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة، ولكن حال القرآن كحال الخطيب يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها، وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة، ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة؛ لأسباب اقتضت نزولها أو بدون ذلك؛ فإن كل جملة تشتمل على حكمة وإرشاد، أو تقويم معوج، كقوله: [وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ] إلى قوله: [قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ] فقوله: [قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ] جملة معترضة. ١/٨١_٨٢
١٢_ وقوف القرآن: الوَقْفُ هو قطعُ الصوتِ عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة، والوقف عند انتهاء جملة من جمل القرآن قد يكون أصلاً لمعنى الكلام؛ فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف مثل قوله _تعالى_: [وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ].
فإذا وقف عند كلمة (قتل) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتلهم قومهم وأعداؤهم، ومع الأنبياء أصحابهم؛ فما تزلزلوا لقتل أنبيائهم؛ فكان المقصود تأييس المشركين من وهن المسلمين على فرض قتل النبي"في غزوته على نحو قوله _تعالى_ في خطاب المسلمين: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ] الآية.


الصفحة التالية
Icon