١_ لولا عنايةُ كثيرٍ من المفسرين بذكرِ اختلافِ القراءاتِ في ألفاظ القرآن حتى في كيفيات الأداء _ لكنت بمعزل عن التكلم في ذلك؛ لأن علم القراءات علم جليل مستقل، قد خص بالتدوين والتأليف، وقد أشبع فيه أصحابه، وأسهبوا بما ليس عليه مزيد، ولكني رأيتني بمحل الاضطرار إلى أن ألقي عليكم جملاً في هذا الغرض تعرفون بها مقدار تعلق اختلاف القراءات بالتفسير، ومراتب القراءات قوةً وضعفاً؟ كي لا تعجبوا من إعراضي عن ذكر كثير من القراءات في أثناء التفسير. ١/٥١
٢_ من أجل ذلك اتفق علماء القراءات والفقهاء على أن كل قراءة وافقت وجهاً في العربية، ووافقت خط المصحف _أي مصحف عثمان_ وصح سند راويها فهي قراءة صحيحة لا يجوز ردها.
قال أبو بكر ابن العربي: ومعنى ذلك عندي أن تواترها تبعٌ لتواتر المصحف الذي وافقته، وما دون ذلك فهو شاذ، يعني وأن تواتر المصحف ناشئ عن تواتر الألفاظ التي كتبت فيه. ١/٥٣
٣_ ثم إن القراءاتِ العشرَ الصحيحةَ المتواترةَ قد تتفاوت بما يشتمل عليه بعضها من خصوصيات البلاغة، أو الفصاحة، أو كثرة المعاني، أو الشهرة، وهو تمايز متقارب، وقل أن يكسب إحدى القراءات في تلك الآية رجحاناً.
على أن كثيراً من العلماء كان لا يرى مانعاً من ترجيح قراءة على غيرها، ومن هؤلاء الإمام محمد بن جرير الطبري، والعلامة الزمخشري وفي أكثر ما رُجح به نظر سنذكره في مواضعه.
وقد سئل ابن رشد عما يقع في كتب المفسرين، والمعربين من اختيار إحدى القراءتين المتواترتين، وقولهم هذه القراءة أحسن: أذاك صحيح أم لا؟