٦_ وأما أصول الفقه فلم يكونوا يعدونه من مادة التفسير، ولكنهم يذكرون أحكام الأوامر والنواهي والعموم، وهي من أصول الفقه؛ فَتَحَصَّل أن بعضه يكون مادة للتفسير، وذلك من جهتين: إحداهما: أن علم الأصول قد أُوْدِعَتْ فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب، وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية مثل مسائل الفحوى، ومفهوم المخالفة، وقد عد الغزالي علم الأصول من جملة العلوم التي تتعلق بالقرآن وبأحكامه؛ فلا جرم أن يكون مادة للتفسير.
الجهة الثانية: أن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط، ويفصح عنها، فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها. ١/٢٥_٢٦
٧_ تنبيه: اعلم أنه لا يعد من استمداد علم التفسير، الآثار المروية عن النبي"في تفسير آيات، ولا ما يروى عن الصحابة في ذلك؛ لأن ذلك من التفسير لا من مدده، ولا يعد _أيضاً_ من استمداد التفسير ما في بعض آي القرآن من معنى يفسر بعضاً آخر منها؛ لأن ذلك من قبيل حمل بعض الكلام على بعض، كتخصيص العموم، وتقييد المطلق، وبيان المجمل، وتأويل الظاهر، ودلالة الاقتضاء، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ومفهوم المخالفة.
ذكر ابن هشام في مغني اللبيب في حرف (لا) عن أبي علي الفارسي أن القرآن كله كالسورة الواحدة، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة أخرى، نحو [وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ] وجوابه: [مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ]. اهـ
وهذا كلام لا يحسن إطلاقه؛ لأن القرآن قد يحمل بعض آياته على بعض وقد يستقل بعضها عن بعض؛ إذ ليس يتعين أن يكون المعنى المقصود في بعض الآيات مقصوداً في جميع نظائرها، بله ما يقارب غرضها.