صفحة رقم ٦٧٨
على أنها إنما حصلت بالفاعل المختار، ثم إنك تجد في ورقة الشجرة خطاً في وسطها مستقيماً نسبته لتلك الورقة نسبة النخاع إلى بدن الإنسان، ينفصل عنه خيوط مختلفة، وعن كل واحد منها خيوط أخرى أدق من الأولى، ولا يزال على هذا النهج حتى تخرج الخيوط عن الحس والبصر، كما أن النخاع يتفصل منه أعصاب كثيرة يمنة ويسرة في البدن، ثم لا يزال يتفصل عن كل شعبة أخرى، ولا يزال يستدق حتى تلطف عن الحس، فعل سبحانه ذلك في الورقة لتقوى القوى المذكورة في جرم تلك الورقة على جذب لأجزاء اللطيفة الأرضية في تلك المجاري الضيقة، فهذا يعلمك أن عنايته سبحانه في اتخاذ جملة تلك الشجرة أكمل، فعنايته في تكوين جملة النبات أكمل، وهو إنما خلق جملة النبات لمصلحة الحيوان فعنايته في تخليق الحيوان أكمل، والمقصود من تخليق جملة الحيوان هو الإنسان فعنايته في تخليقه أكمل، وهو سبحانه إنما خلق الحيوان والنبات في هذا العالم ليكون غذاء ودواء للإنسان بحسب جسده، والمقصود من جسده حفظ تركيبه لأجل المعرفة والمحبة والعبودية، فسبيلك أن تنظر في ورقة الشجرة وتتأمل في تلك الأوتار ثم تترقى منها إلى أوج تخليق الشجرة ثم إلى ما فوقها رتبة رتبة لتعلم أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة في الأرواح البشرية، وحينئذ ينفتح لك باب من المكاشفات لا آخر له، ويظهر لك أن نعم الله في خلقك غير متناهية
٧٧ ( ) وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ( ) ٧
[ إبراهيم : ٣٤ ] - والله الهادي.
ولما كان فلقهما عن النبات من جنس الإحياء لما فيه من النمو فسر معنى الفلق وبينه إشارة إلى الاعتناء به وقتاً بعد وقت بقوله :( يخرج ) أي على سبيل التجدد والاستمرار تثبيتاً لأمر البعث ) الحي ) أي كالنجم والشجر والطير والدواب ) من الميت ( من الحب والنوى والبيض والنطف فكيف تنكرون قدرته على البعث ؛ ولما انكشف معناه وبان مغزاه بإخراج الأشياء من أضدادها لئلا يتوهم - لو كان لا يخرج عن شيء إلا مثله - أن الفاعل الطبيعة والخاصية، عطف على ) فالق ( زيادة في البيان قوله معبراً باسم الفاعل الدال على الثبات لأنه لا منازعة لهم فيه، فلم تدع حاجة إلى التعبير بالفعل الدال على التجدد :( ومخرج الميت ) أي من الحب وما معه ) من الحي ) أي من النجم وما معه.
ولما تقررت له سبحانه هذه الأوصاف التي لا قدرة أصلاً لأحد غيره على شيء منها، قال منبهاً لهم على غلطهم في إشراكهم، إعلاماً بأن كل شريك ينبغي أن يساوي شريكه في شيء ما من الأمر المشرك فيه، ولا مكافئ له سبحانه وتعالى في شيء من الأشياء فلا شريك له بوجه :( ذلكم ) أي العالي المراتب المنيع المراقي هو ) الله ( أي


الصفحة التالية
Icon