صفحة رقم ٦٧٥
من الصوف المشتبك المبلول، لا يعسر عليهم تمييزها من الجسد، ولا يخفى عليهم شيء منها في شيء منه، قائلين ترويعاً لهم وتصويراً للعنف والشدة في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط الملازم ) أخرجوا أنفسكم ( فكأنهم قالوا : لماذا يا رسل ربنا ؟ فقالوا :( اليوم ) أي هذه الساعة، وكأنهم عبروا به لتصوير طول العذاب ) تجزون عذاب الهون ) أي العذاب الجامع بين الإيلام العظيم والهوان الشديد ولخزي المديد بالنزع وسكرات الموت وما بعده في البرزخ - إلى ما لا نهاية له ) بما كنتم تقولون ) أي تجددون القول دائماً ) على الله ) أي الذي له جميع العظمة ) غير الحق ) أي غير القول المتمكن غاية التمكن في درجات الثبات، ولو قال بدله : باطلاً، لم يؤد هذا المعنى، ولو قال : الباطل، لقصر عن المعنى أكثر، وقد مضى في المائدة ما ينفع هنا، وإذا نظرت إلى أن السياق لأصول الدين ازداد المراد وضوحاً ) وكنتم ) أي وبما كنتم ) عن آياته تستكبرون ) أي تطلبون الكبر للمجاوزة عنها، ومن استكبر عن آية واحدة كان مستكبراً عن الكل، أي لو رأيت ذلك لرأيت أمراً فظيعاً وحالاً هائلاً شنيعاً، وعبر بالمضارع تصويراً لحالهم.
الأنعام :( ٩٤ - ٩٦ ) ولقد جئتمونا فرادى.....
) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( ( )
ولما كانوا ينكرون أن يحس الميت شيئاً بعد الموت أو يفهم كلاماً، وكان التقدير كما دل عليه السياق : فتتوفاهم الملائكة، لا يقدر أحد على منعهم، فيقول لهم : قد رأيتم ملائكتنا الذين أخبرناكم أول السورة أنهم إذا أبصروا كان القضاء الفصل والأمر البت الحتم الذي ليس فيه مهل، عطف عليه قوله مشيراً إلى ما كان سبب استكبارهم من الاجتماع على الضلال والتقوى بالأموال :( ولقد جئتمونا ) أي ملا لنا من العظمة بالموت الذي هو دال على شمول علمنا وتمام قدرتنا قطعاً، ودل على تمام العظمة وأن المراد مجيئهم بالموت قوله :( فرادى ) أي متفرقين، ليس أحد منكم مع أحد، ومنفردين على كل شيء صدكم عن اتباع رسلنا ) كما خلقناكم ) أي بتلك العَظمة التي أمتناكم بها بعينها ) أول مرة ( في الانفراد والضعف والفقر، فأين جمعكم الذي كنتم به تستكبرون ) وتركتم ما خولناكم ) أي ملكناكم من المال ومكناكم من إصلاحه نعمة


الصفحة التالية
Icon