صفحة رقم ٦٧٠
ولما كان ربما أوهم تنكيره فيه، قال مستأنفا بيانا لكماله وتعظيما لفضله وإفضاله، ) ذلك ) أي الهدى العظيم الرتبة ) هدى الله ) أي المستجمع لصفات الكمال ) يهدي ) أي يخلق الهداية، ) به ) أي بواسطة الإقامة عليه ) من يساء من عباده ) أي سواء كان له أب يعمله أو كان له من يحمله على الضلال أولا، ولما بين فضل الهدى ونص على رؤوس أهله، تهدد من تركه كائنا من كان، فقال مظهرا لعز الإلهية بالغنى المطلق منزها نفسه عما لوحظ فيه غيره ولو بأدنى لحظ ) ولو أشركوا ) أي هؤلاء الذين ذكرنا من مدحهم ما سمعت وبينا من اختصاصنا لهم ما علمت، شيئا من شرك وقد أعاذهم الله من ذلك، وأقام بهم معوج المسالك، وأنار بهم ظلام الأرض بطولها العرض ) لحيط عنهم ) أي فسد وسقط ) ما كانوا يعملون ) أي وإن كان في غاية الإتقان بقوانين العلم، وزاد في الترهيب من التواني في السير والزيغ عن سوء القصد بقوله :( أولئك ) أي العالو الرتبة الذين قدمنا ذكرهم وأخبرنا أنهم لو أشركوتا سقطت أعمالهم ) الذين آتيناهم ) أي بعظمتنا ) الكتب ) أي الجامع لكل الخير، فمن ملك ما فيه من العلوم والمعارف حكم على البواطن، وذلك لأن الناس يحبونه فينقادون له ببواطنهم ) الحكم ) أي العمل المتقن بالعلم، ومنه نفوذ الكلمة على الظواهر بالسلطنة وإن كرهت البواطن ) والنبوة ) أي العلم المزين بالحكم وهي وضع كل شيء في أحق مواضعه، فهي جامعة للمرتبتين الماضيتيين، فلذلك كان الأنبياء يحكمون على البواطن بما عندهم من العلم، وعلى الظواهر بما يظهر من المعجزات، ثم سبب عن تعظيمها بذلك تعظيمها بأنها لاتبور، فقال تسلية عن المصيبة بطعن الطاعنين فيها وإعراض الجاهلين عنها وترجية عندما يوجب اليأس من نفرة أكثر المدعوين :( فإن يكفر بها ) أي هذه الأشياء العظيمة ) هؤلاء ) أي أهل مكة الذين أنت بين أظهرهم / وقد حبوناهم بها على أتم وجه وأكمله وأعلاه وأجمله، وأنت تدعوهم إلى أن يكونوا سعداء بما اشتملت عليه من الهدى وةعن عنه معرضون، ولعل الإشارة على هذا الوجه لتحقيرهم ) فقد وكلنا ) أي لما لنا من العظمة في الماضي والحال والاستقبال ) بها قوما ) أي ذوي قوة على القيام بالأمور بالإيمان بها والحفظ لحقوقها ) ليسوا ( وقد الجار اهتماما فقال ) بها بكافرين ) أي بسائرين الشيء مما ظهر من شموس أدلتها، وهم الأنبياء ومن تبعهم، وقد صدق الله، ومن أصدق من الله حديثا فقد جاء في هذه الأمة من العلماء الأخبار والراسخين الأخبار من لا يحصيهم إلا الله.
ولما كان المراد يسوقهم هكذا والله أعلم أكلا منهم بادر بعد الهداية إلى الدعاء إلى الله والغيرة على جلاله من الإشراك، لم يشغل أحدا منهم عن ذلك سراء ولا