" صفحة رقم ٣٤٨ "
والشريعة : الدين والملة المتَّبعة، مشتقة من الشرع وهو : جَعل طريق للسير، وسمي النهج شَرعاً تسميةً بالمصدر. وسُميت شَريعة الماء الذي يرده الناس شريعةً لذلك، قال الراغب : استعير اسم الشريعة للطريقة الإلاهية تشبيهاً بشريعة الماء قلتُ : ووجه الشبه ما في الماء من المنافع وهي الري والتطهير.
و ) الأمر ( : الشأن، وهو شأن الدين وهو شأن من شؤون الله تعالى، قال تعالى :( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ( ( الشورى : ٥٢ )، فتكون ) مِن ( تبعيضية وليست كالتي في قوله آنفاً ) وآتيناهم بينات من الأمر ( ( الجاثية : ١٧ ) لأن إضافة ) شريعة ( إلى ) الأمر ( تمنع من ذلك.
وقد بلغت هذه الجملة من الإيجاز مبلغاً عظيماً إذ أفادت أن شريعة الإسلام أفضل من شريعة موسى، وأنها شريعة عظيمة، وأن الرسول ( ﷺ ) متمكن منها لا يزعزعه شيء عن الدَأب في بيانها والدعوة إليها. ولذلك فرع عليه أمره باتباعها بقوله :( فاتّبعها ( أي دُم على اتباعها، فالأمر لطلب الدوام مثل ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ( ( النساء : ١٣٦ ).
وبين قوله :( فاتبعها ( وقوله :( ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ( محسِّن المطابقة بين الأمر بالاتباع والنهي عن اتباع آخر. و ) الذين لا يعلمون ( هم المشركون وأهواؤهم دين الشرك قال تعالى :( أفرأيت من اتخذ إلهاه هواه ( ( الجاثية : ٢٣ ).
والأهواء : جمع هوى، وهو المحبة والميل. والمعنى : أن دينهم أعمال أحبوها لم يأمر الله بها ولا اقتضتها البراهين.
والخطاب للنبيء ( ﷺ ) والمقصود منه : إسماع المشركين لئلا يطمعوا بمصانعة الرسول ( ﷺ ) إيَّاهم حين يرون منه الإغضاء عن هفواتهم وأذاهم وحِينَ يسمعون في القرآن بالصفح عنهم كما في الآية السالفة ) قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ( ( الجاثية : ١٤ ). وفيه أيضاً تعريض للمسلمين بأن يحذروا من أهواء الذين لا يعلمون. وعن ابن


الصفحة التالية
Icon