" صفحة رقم ٣٤٤ "
وقد عرف من تورك المشركين على النبي في شأن القرآن ما حكاه الله عنهم في قوله : فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثلَ ما أوتي موسى ( ( القصص : ٤٨ ) وقولهم :( لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة ( ( الفرقان : ٣٢ )، فمن أجل ذلك وقع هذا بعد قوله :( ويل لكل أفّاك أثيم إلى قوله : وإذا عَلم من آياتنا شيئاً اتخذها هزؤا ( ( الجاثية : ٧ ٩ ) وقوله :( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ( ( الجاثية : ١٤ )، فالجملة معطوفة على تلك الجمل.
وأدمج في خلالها ما اختلف فيه بنو إسرائيل على ما دعتهم إليه شريعتهم، لما فيه من تسلية النبي ( ﷺ ) على مخالفة قومه دعوته تنظيراً في أصل الاختلاف دون أسبابه وعوارضه.
ولما كان في الكلام ما القصد منه التسلية والاعتبار بأحوال الأمم حَسن تأكيد الخبر بلام القسم وحرففِ التحقيق، فمصب هذا التحقيق هو التفريع الذي في قوله :( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ( ( يونس : ٩٣ ) تأكيداً للمؤمنين بأن الله يقضي بينهم وبين المشركين كشأنه فيما حدث بين بني إسرائيل.
وقد بُسِط في ذكر النظير في بني إسرائيل من وصف حالهم حينما حدث الاختلاف بينهم، ومن التصريح بالداعي للاختلاف بينهم ما طُوي من مِثللِ بعضِه من حال المشركين حين جاءهم الإسلام فاختلفوا مع أهله إيجازاً في الكلام للاعتماد على ما يفهمه السامعون بطريق المقايسة على أن أكثره قد وقع تفصيله في الآيات السابقة مثل قوله :( تِلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ( ( الجاثية : ٦ ) وقوله ) هذا هدى ( ( الجاثية : ١١ ) فإن ذلك يقابل قولَه هنا ) ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحُكم والنبوءة ( ومثل قوله :( وسخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض ( ( الجاثية : ١٣ ) فإنه يقابل قولَه هنا ) ورَزقناهم من الطيبات (، ومثل قوله :( يسمع آيات الله تُتْلَى عليه ثم يُصرّ مستكبراً إلى قوله لهم عذاب مهين ( ( الجاثية : ٨، ٩ ) فإنه يقابل قوله هنا ) وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم (، ومثل قوله :( ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون ( ( الجاثية : ١٤ ) فإنه مقابل قوله هنا ) إن ربك يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ).