" صفحة رقم ٣٤١ "
المؤمنين أن يغفِروا للمشركين ويصفحوا عن أذى المشركين ولا يتكلفوا الانتصار لأنفسهم لأن الله ضمن لهم النصر.
وقد يطلق ) أيام الله ( في القرآن على الأيام التي حصل فيها فضله ونعمته على قوم، وهو أحد تفسيرين لقوله تعالى :( وذَكِّرهم بأيام الله ( ( إبراهيم : ٥ ).
ومعنى ) لا يرجون أيام الله ( على هذا التأويل أنهم في شغل عن ترقب نعم الله بما هم فيه من إسناد فعل الخير إلى أصنامهم بانكبابهم على عبادة الأصنام دون عبادة الله ويأتي في هذا الوجه من التعريض والتحريض مثل ما ذكر في الوجه الأول لأن المؤمنين هم الذين يرجون نعمة الله. وفسر به قوله تعالى :( وقال الذين لا يرجون لقاءنا ( ( الفرقان : ٢١ ) وقوله :( ما لكم لا تَرْجَون لله وقاراً ( ( نوح : ١٣ )، فيكون المراد ب ) أيام الله ( : أيام جزائه في الآخرة لأنها أيام ظهور حكمه وعزته فهي تقارب الأيام بالمعنى الأول، ومنه قوله تعالى :( ذلك اليوم الحقّ ( ( النبأ : ٣٩ )، أي ذلك يوم النصر الذي يحق أن يطلق عليه ( يوم ) فيكون معنى هذه الآية : أنهم لا يخافون تمكن الله من عقابهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث.
ومعنى الآية أن المؤمنين أمروا بالعفو عن أذى المشركين وقد تكرر ذلك في القرآن قال تعالى :( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( ( آل عمران : ١٨٦ ). وفي ( صحيح البخاري ) عن أسامة بن زيد في هذه الآية : وكان النبي ( ﷺ ) وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
وقوله :( ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون ( تعليل للأمر المستفاد من قوله :( يغفروا ( أي ليغفروا ويصفحوا عن أذى المشركين فلا ينتصروا لأنفسهم ليجزيهم الله على إيمانهم وعلى ما أوذوا في سبيله فإن الانتصار للنفس توفية للحق وماذا عساهم يبلغون من شفاء أنفسهم بالتصدّي للانتقام من المشركين على قلتهم وكثرة أولئك فإذا توكلوا على نصر ربّهم كان نصره لهم أتم وأخضد لشوكة المشركين كما قال نوح ) إني مغلوب فانتصر ( ( القمر : ١٠ ). وهذا من معنى قوله تعالى :( وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل ( ( الحجر : ٨٥ ). وكان مقتضى الظاهر أن يقال ليجزيهم بما كانوا