" صفحة رقم ٣٦٩ "
هداهم الله وأُولئك هم أُولوا الألبابِ ( ( الزمر : ١٨ ) لأن التفريع يقتضي اتصالاً وارتباطاً بين المفرَّع والمفرّع عليه وذلك، كالتفريع في قول لبيد :
أفتلك أم وحشيةٌ مَسْبُوعَة
خَذَلت وهاديةُ الصِوار قِوامها
إذ فَرَّع تشبيهاً على تشبيه لاختلاف المشبه بهما.
وكلمة ) العذَابِ ( كلام وعيد الله إياهم بالعذاب في الآخرة. ومعنى ) حَقَّ ( تحققت في الواقع، أي كانت كلمة العذاب المتوعَّد بها حقّاً غير كذب، فمعنى ) حَقَّ ( هنا تحقق، وحَقّ كلمة العذاب عليهم ضد هدي الله الآخرين، وكونُهم في النار ضد كون الآخرين لهم البشرى، وترتيبُ المتضادْين جرى على طريقة شِبه اللف والنشر المعكوس، نظير قوله تعالى :( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم اللَّه على قلوبهم إلى قوله : ولهم عذاب عظيم ( ( البقرة : ٦، ٧ ) بعد قوله :( والذين يؤمنون بما أنزل إليك إلى قوله : أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( ( البقرة : ٤، ٥ )، فإن قوله :( ختم اللَّه على قلوبهم ( ضد لقوله :( أولئك على هدى من ربهم ( وقوله :( ولهم عذاب عظيم ضد قوله : أولئك هم المفلحون ).
و ( مَن ) من قوله تعالى :( أفَمن حقَّ عليهِ كلمةُ العذَابِ ( روي عن ابن عباس أن المراد بها أبو لهب وولدُه ومن تخلف عن الإِيمان من عشيرة النبي ( ﷺ ) فيكون ( مَنْ ) مبتدأ حذف خبره. والتقدير : تنقذه من النار، كما دل عليه ما بعده وتكون جملة ) أفأنت تُنقِذُ من في النَّار ( تذييلاً، أي أنت لا تنقذ الذين في النار. والهمزة للاستفهام الإِنكاري، والهمزة الثانية كذلك. وإحدَاهما تأكيد للأخرى التي قبلها للاهتمام بشأن هذا الاستفهام الإِنكاري على نحو تكرير ( أَنَّ ) في قول قس بن ساعدة :
لقد علم الحَي اليمانُون أنني
إذ قلت : أمّا بعد، أَني خطيبها
والذي درج عليه صاحب ( الكشاف ) وتبعه شارحوه أن ( مَن ) في قوله :( أفَمَنْ حَقَّ علَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ ( شرطية، بناء على أن الفاء في قوله :( أفأنْتَ تُنْقِذُ مَن