" صفحة رقم ٣٥٩ "
اللذين وجّه الخطاب السابق إليهما، وتعيينُ كلّ لما وجّه إليه منطوٍ بقرينة السياق وقرينةِ ما بعده من قوله :( فاعبدوا ما شِئْتُم من دُونِه ( ( الزمر : ١٥ ).
وإعادة الأمر بالقول على هذا للتأكيد اهتماماً بهذا المقول، وأمّا على الوجه الثاني من الوجهين المتقدمين في المراد من توجيه المطلب في قوله :( إِني أُمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ( ( الزمر : ١١ ) الآية فتكون إعادة فعل ) قل ( لأجل اختلاف المقصودين بتوجيه القول إليهم، وقد تقدم قول مقاتل : قال كفار قريش للنبيء : ما يحملك على هذا الدين الذي أتيتنا به ألاَ تنظر إلى ملة أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون الّلاتَ والعزّى.
( ١٤ ١٥ )
أمر بأن يعيد التصريح بأنه يعبد الله وحده تأكيداً لقوله :( قل إني أُمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ( ( الزمر : ١١ )، لأهميته، وإن كان مفاد الجملتين واحداً لأنهما معاً تفيدان أنه لا يعبد إلا الله تعالى باعتبار تقييد ) أعْبُدَ الله ( الأول بقيد ) مُخلصاً له الدين ( وباعتبار تقديم المفعول على ) أَعْبُد ( الثاني فتأكد معنى التوحيد مرتين ليتقرر ثلاث مرات، وتمهيداً لقوله :( فاعبدوا ما شئتم من دونه ( وهو المقصود.
والفاء في قوله :( فَاعْبُدُوا ( الخ لتفريع الكلام الذي بعدها على الكلام قبلها فهو تفريع ذكري. والأمر في قوله :( فاعبدوا ما شِئتُم مِن دونِهِ ( مستعمل في معنى التخلية، ويعبر عنه بالتسوية. والمقصود التسوية في ذلك عند المتكلم فتكون التسوية كناية عن قلة الاكتراث بفعل المخاطب، أي أن ذلك لا يضرني كقوله في سورة الكهف :( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أي اعبدوا أيّ شيء شئتم عبادتَه من دون الله. وجعلت الصلة هنا فعل المشيئة إيماء إلى أن رائدهم في تعيين معبوداتهم هو مجرد المشيئة والهوى بلا دليل.


الصفحة التالية
Icon