" صفحة رقم ١٣٣ "
الوصفين، فعري عن الوصف هنا لأنه صار معروفاً، وقيد الكون المنفي بظرف ) نادينا ( أي بزمن ندائنا.
وحذف مفعول النداء لظهور أنه نداء موسى من قبل الله تعالى وهو النداء لميقات أربعين ليلة وإنزال ألواح التوراة عقب تلك المناجاة كما حكي في الأعراف وكان ذلك في جانب الطور إذ كان بنو إسرائيل حول الطور كما قال تعالى ) يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ( ( طه : ٨٠ ) وهو نفس المكان الذي نودي فيه موسى للمرة الأولى في رجوعه من ديار مدين كما تقدم، فالنداء الذي في قوله هنا ) إذ نادينا ( غير النداء الذي في قوله ) فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن ( إلى قوله ) أن يا موسى إني أنا الله ( ( القصص : ٣٠ ) الآية لئلا يكون تكراراً مع قوله :( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ( ( القصص : ٤٤ ). وهذا الاحتجاج بما علمه النبي ( ﷺ ) من خبر استدعاء موسى عليه السلام للمناجاة. وتلك القصة لم تذكر في هذه السورة وإنما ذكرت في سورة أخرى مثل سورة الأعراف.
وقوله ) ولكن رحمة من ربك ( كلمة ) لكن ( بسكون النون هنا باتفاق القراء فهي حرف لا عمل له فليس حرف عطف لفقدان شرطيه : تقدم النفي أو النهي، وعدم الوقوع بعد واو عطف. وعليه فحرف ) لكن ( هنا لمجرد الاستدراك لا عمل له وهو معترض. والواو التي قبل ) لكن ( اعتراضية.
والاستدراك في قوله ) ولكن رحمة من ربك ( ناشىء عن دلالة قوله ) وما كنت بجانب الطور ( على معنى : ما كان علمك بذلك لحضورك، ولكن كان علمك رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك.
فانتصاب ) رحمة ( مؤذن بأنه معمول لعامل نصب مأخوذ من سياق الكلام : إما على تقدير كون محذوف يدل عليه نفي الكون في قوله ) وما كنت بجانب الطور (، والتقدير : ولكن كان علمك رحمة منا ؛ وإما على المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله، والتقدير : ولكن رحمناك رحمة بأن علمناك ذلك بالوحي رحمة، بقرينة قوله ) لتنذر قوماً ).