" صفحة رقم ١٢٩ "
للرسالة أو اكتفاء بأن ذلك أمر واقع لا يستطاع إنكاره وهو المقصود هنا، وأما حكمة الفصل بالفِتر فشيء فوق مراتب عقولهم. فأشار بقوله ) بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ( إلى بيان حكمة الإرسال عقب الفترة. وأشار بقوله ) من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ( إلى الأمم التي استأصلها الله لتكذيبها رسل الله.
فتأكيد الجملة بلام القسم وحرف التحقيق لتنزيل المخاطبين منزلة المنكرين لوقوع ذلك حتى يحتاج معهم إلى التأكيد بالقسم، فموقع التأكيد هو قوله ) من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ).
و ) الكتاب ( : التوراة التي خاطب الله بها موسى عليه السلام. والبصائر : جمع بصيرة، وهي إدراك العقل. سُمي بصيرة اشتقاقاً من بصر العين، وجُعل الكتاب بصائر باعتبار عدة دلائله وكثرة بيّناته، كما في الآية الأخرى قال ) لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ( ( الإسراء : ١٠٢ ).
و ) القرون الأولى ( : قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط. والقرن : الأمة، قال تعالى ) كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( ( الأنعام : ٦ ). وفي الحديث ( خير القرون قرني ).
والناس هم الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل وقوم فرعون، ولمن يريد أن يهتدي بهديه مثل الذين تهودوا من عرب اليمن، و ) هدى ورحمة ( لهم، ولمن يقتبس منهم قال تعالى ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ( ( المائدة : ٤٤ ). ومن جملة ما تشتمل عليه التوراة تحذيرها من عبادة الأصنام.
وضمير ) لعلهم يتذكرون ( عائد إلى الناس الذين خوطبوا بالتوراة، أي فكذلك إرسال محمد لكم هدى ورحمة لعلكم تتذكرون.
( ٤٤ ).
لما بطلت شبهتهم التي حاولوا بها إحالة رسالة محمد ( ﷺ ) نُقل الكلام إلى إثبات رسالته بالحجة الدامغة ؛ وذلك بما أعلمه الله به من أخبار رسالة