" صفحة رقم ١٢٣ "
وعدل عن التعبير بالآجرّ، قال ابن الأثير في ( المثل السائر ) : لأن كلمة الآجرّ ونحوها كالقرمد والطوب كلمات مبتذلة فذكر بلفظ الطين اه. وأظهر من كلام ابن الأثير : أن العدول إلى الطين لأنه أخف وأفصح.
وإسناد الإيقاد على الطين إلى هامان مجاز عقلي باعتبار أنه الذي يأمر بذلك كما يقولون : بنى السلطان قنطرة وبنى المنصور بغداد.
وتقدم ذكر هامان آنفاً وأنه وزير فرعون. وكانت أوامر الملوك في العصور الماضية تصدر بواسطة الوزير فكان الوزير هو المنفذ لأوامر الملك بواسطة أعوانه من كتاب وأمراء ووكلاء ونحوهم، كل فيما يليق به.
والصرح : القصر المرتفع، وقد تقدم عند قوله تعالى ) قيل لها ادخلي الصرح ( في سورة النمل ( ٤٤ ).
ورجا أن يصل بهذا الصرح إلى السماء حيث مقر إله موسى. وهذا من فساد تفكيره إذ حسب أن السماء يوصل إليها بمثل هذا الصرح ما طال بناؤه، وأن الله مستقر في مكان من السماء.
والاطلاع : الطلوع القوي المتكلف لصعوبته.
وقوله ) وإني لأظنه من الكاذبين ( استعمل فيه الظن بمعنى القطع فكانت محاولته الوصول إلى السماء لزيادة تحقيق ظنه، أو لأنه أراد أن يقنع قومه بذلك. ولعله أراد بهذا تمويه الأمر على قومه ليلقي في اعتقادهم أن موسى ادعى أن الله في مكان معين يبلغ إليه ارتفاع صرحه. ثم يجعل عدم العثور على الإله في ذلك الارتفاع دليلاً على عدم وجود الإله الذي ادعاه موسى. وكانت عقائد أهل الضلالة قائمة على التخيل الفاسد، وكانت دلائلها قائمة على تمويه الدجالين من زعمائهم.
وقوله ) من الكاذبين ( يدل على أنه يعده من الطائفة الذين شأنهم الكذب كما تقدم في قوله تعالى ) قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ( ( البقرة : ٦٧ ).
ولم يذكر القرآن أن هذا الصرح بُني، وليس هو أحد الأهرام لأن الأهرام بنيت