(يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي: يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى من غير ذكرٍ كما خلق عيسى، ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم، أو يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزةً له، وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك، فيجب أن ينسب إليه ولا ينسب إلى البشر المجرى على يده.
[(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)].
(أَبْناءُ اللَّهِ) أشياع ابني اللَّه عزير والمسيح، كما قيل لأشياع أبى خبيب وهو عبد اللَّه بن الزبير «الخبيبون» وكما كان يقول رهط مسيلمة: نحن أنبياء اللَّه. ويقول أقرباء الملك وذووه وحشمه: نحن الملوك؛ ولذلك قال مؤمن آل فرعون: (لكم الملك اليوم) [غافر: ٢٩].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى) إلى آخره، يريد أن قوله: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ جاء هاهنا مبيناً لما هو المراد من قوله: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ بحسب اقتضاء المقام، يعني أن الله تعالى مالك العالم كله قهراً وتصرفاً وخلقاً لها على أنحاء مختلفة، فلا ينبغي لكم حين شاهدتم خلاف العادة في المسيح أن تقولوا: هو إله، أو نظرتم إلى أنه الواسطة في خلق الطير أن تقطعوا النسبة منا وتنسبوا إليه، هذا هو المراد من قوله: "فيجب أن ينسب إليه ولا ينسب إلى البشر المُجرى على يده".
قوله: (أبي خبيب، وهو عبد الله بن الزبير)، وخبيب اسم ابنه، والخبيبان: عبد الله وابنه، فمن روى "الخبيبون" على الجمع يريدهما وأخاه مصعباً، قاله الجوهري.
الإنصاف: قوله: في أصحاب أبي خبيب، فإنه جار على الانتساب حقيقة، ولو سثمي كل واحد منهم أبا خبيب لكان مثالاً صحيحاً، وفيه بحث.