فإن قلت: فهلا قيل: من النصارى؟ قلت: لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاءً لنصرة اللَّه، وهم الذين قالوا لعيسى: نحن أنصار اللَّه، ثم اختلفوا بعد: نسطورية، ويعقوبية، وملكانية. أنصارا للشيطان.
(فَأَغْرَيْنا): فألصقنا وألزمنا من غرى بالشيء إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره.....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى قبلتم وأعطيتم الميثاق". وأما النصارى فلسهولة مأخذهم ولين جانبهم عرى ما نُسب إليهم عن التوكيد والتشديد، وينصره قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾ [الصف: ١٤] أي: كونوا مثلهم في القبول بنشاط قلب ووفور رغبة، وإنما قدم الجار والمجرور على العامل وأثرت الصلة والموصول على العبارة المختصرة، أي: النصارى، للتعريض بالمؤمنين ليثبتوا على عهودهم ولا ينسوا ما ذكرهم الله تعالى به، أي: لا يكونوا مثل هؤلاء المدعين المخصوصين من بين سائر المدعين بأخذ الميثاق منهم، ونسيانهم حظاً مما ذكروا به، وتلخيصه: كما أمرناكم في تلك الآية أن تكونوا مثلهم في تلك الخصلة نحذركم في هذه الآية أن تقفوا أثرهم في تلك الهناة، وإنما سميناهم مُدعين لقوله: "إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله"، والله أعلم.
قوله: (فهلا قيل: من النصارى؟ ) يعني: ما فائدة العدول عن النصارى إلى الإطناب؟ وأجاب: أنه إنما عدل لتصور تلك الحالة في ذهن السامع وتقرر عنده أنهم ادعوا نُصرة دين الله، نحو قوله تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: ٢٣]، عدل عن اسمها زيادة لتقرير المُراودة.
الانتصاف: لما كان المقصود في هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم بنصرة الله، وبما يدل على أنهم لم يوفوا بما عاهدوا عليه من النصرة عدل عن قوله: من "النصارى" إلى قوله: ﴿وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾، فحاصل ما صدر منهم قولٌ بلا فعل.