شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدٍ أَنَّهُ | رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بَارِي النَّسَمْ |
فَلَوْ مُدَّ عُمْرِي إِلَى عُمْرِهِ | لَكُنْتُ وَزِيرًا لَهُ وَابْنَ عَمْ |
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا، وَعَنْهُ لَمَّا أَقْبَلَ تُبَّعٌ مِنَ الشَّرْقِ، بَعْدَ أَنْ حَيَّرَ الْحِيرَةَ وَسَمَرْقَنْدَ، قَصَدَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ قَدْ خَلَّفَ بها حين سافر ابنا، فَقُتِلَ غِيلَةً، فَأَجْمَعَ عَلَى خَرَابِهَا وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا. فَجَمَعُوا لَهُ الْأَنْصَارَ، وَخَرَجُوا لِقِتَالِهِ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ وَيُقِرُّونَهُ بِاللَّيْلِ. فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَكِرَامٌ، إِذْ جَاءَهُ كَعْبٌ وَأَسَدٌ، ابْنَا عَمٍّ مِنْ قُرَيْظَةَ جِيرَانٌ، وَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَا تُرِيدُ، فَإِنَّهَا مَهَاجِرُ نَبِيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَمَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، فَثَنَاهُ قَوْلُهُمَا عَمَّا كَانَ يُرِيدُ. ثُمَّ دَعَوَاهُ إِلَى دِينِهِمَا، فَاتَّبَعَهُمَا وَأَكْرَمَهُمَا. وَانْصَرَفُوا عَنِ الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ نَفَرٌ مِنْ هُذَيْلٍ: يَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ فِيهِ كَنْزٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَفِضَّةٍ بِمَكَّةَ، وَأَرَادَتْ هُذَيْلٌ هَلَاكَهُ، لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ مَا أَرَادَهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلَّا هَلَكَ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْحَبْرَيْنِ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ لِلَّهِ بَيْتًا فِي الْأَرْضِ غَيْرَ هَذَا، فَاتَّخِذْهُ مَسْجِدًا، وَانْسُكْ عِنْدَهُ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ، وَمَا أَرَادَ الْقَوْمُ إِلَّا هَلَاكَكَ. فَأَكْرَمَهُ وَكَسَاهُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ وَقَطَعَ أَيْدِيَ أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ هُذَيْلٍ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ وَصَلَبَهُمْ.
وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِتُبَّعٍ رَجُلًا وَاحِدًا، إِنَّمَا الْمُرَادُ مُلُوكُ الْيَمَنِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ التتابعة. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ بِهَذَا الِاسْمِ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَةِ غَيْرِهِ بِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا»
، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التتابعة مُلُوكُ الْيَمَنِ، وَالتُّبُّعُ: الظِّلُّ، وَالتُّبَّعُ: ضَرْبٌ مِنَ الطَّيْرِ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: تُبَّعٌ لِكُلِّ مَلِكِ الْيَمَنِ، وَالشِّحْرِ حَضْرَمَوْتَ، وَمَلِكُ الْيَمَنِ وَحْدَهُ لَا يُسَمَّى تُبَّعًا،